نظر بولس إلى المسيح والكنيسة في إطار الزوج والزوجة. وسيرى هذا النبي عينه في حبّ الله لشعبه نموذجاً يُقتدى به في الحياة الزوجيّة (هو 3: 1). غير أنه سمّى المسيح "الرأس" والكنيسة "الجسد". ولا تظهر في العهد الجديد إلاّ في كو وفي أف. فالفكرة القائلة بأن الكنيسة هي جسد، وبانتمائها إلى المسيح: في هذا المعنى هي تستحقّ بكل جدارة أن تُدعى جسد المسيح. وبما أن المسيح هو الربّ ورئيس الكنيسة، وهكذا نصل إلى رسمة أف التي تتوافق مع رسمة العروس والعريس. ففي العقلية البيبلية، نستطيع أن نعتبرها جسد المسيح. وإذ أراد بولس أن يسند اعتباراته هذه، أورد آية من تك وزاد: "إن لهذا السّر بُعداً عظيماً. أريد أن أقول أنه ينطبق على المسيح والكنيسة" (آ 32). يبدو أنه يرى في الزوجين "الأولين" نموذج كل زواج بشري وصورة نبويّة مسبقة لوحدة المسيح والكنيسة. أما لفظة "سّر" فتدلّ عند القديس بولس على واقع خفيّ يكشفه الوحي وحده. وهذا الواقع يعرّفنا به الله. رمزَ الزوجان الأولان (وهيّأ بشكل تاريخي) إلى اتحاد المسيح بالكنيسة، اتحاد الرجل الأول بالمرأة الأولى. ولكنه لا يتحقّق بشكل نهائي ولا يدلّ على معناه الكامل إلاّ في المسيح والكنيسة. وأوضح بولس وضع المسيح والكنيسة، ففي ما يتعلّق بالمسيح، صوّر حبّه وعطاء ذاته نحو الكنيسة مستنيراً بهذه العبارة "مخلّص الجسد". أراد المسيح لنفسه عروساً (جسداً) مقدّسة، هنا يستعيد بولس ما سبق وأعلنه في بداية الرسالة: إن الله اختارنا في المسيح "لنكون قدّيسين بلا عيب في حضرته بالمحبة" (1: 4). والمسيح نفسه هو الذي يقدّسنا حين ينقذنا بدمه من خطايانا (1: 7). واغتسال الماء الذي ترافقه كلمة يمثّل بكل وضوح سّر المعمودية. لا يفسّر النصّ علاقة المعمودية بموت المسيح، كما لا يشير إلى طريقة عمله فينا. إننا بالمعمودية نشارك في موت المسيح لنقوم معه: نموت للخطيئة، وتفهمنا تي 3: 5 أن هذا التجديد الذي يتمّ بالمعمودية هو عمل الروح القدس. روح القداسة الذي فيه يهب يسوع حياته ويدخل في القيامة والحياة الأبديّة. لأنه الروح الإلهي الذي به يملك يسوع على البشر، ونشاط يسوع تجاه الكنيسة لا ينتهي بالمعمودية التي هي بداية هذا النشاط وأساسه. فهو لا يزال يحيطها بعناية تتحدّث عنها أف بالتفصيل: إن المسيح يجعل من الكنيسة ملئه (1: 23). أي: يملأها بحياته الروحيّة وبغنى الخيرات الإلهيّة. والمسيح يسهر على نموّ جسده فيحرّك مختلف الخدم. ويؤمّن التوافق والتماسك بين مختلف الأعضاء. ويغذّي الكنيسة بالمحبة فيقودها إلى كمال القامة التي تليق بمثله (4: 11- 16). وبما أن موقف المسيح تجاهها هو ما هو، فليس في علاقة السلطة ما يحطّ من قدرها فيبدو قاسياً.