بحث حول اصل نشأة الدولة مقدمة المبحث الأول: النظريات الغير قانونية المطلب الأول : النظريات الثيوقراطية المطلب الثاني: النظريات الطبيعية المطلب الثالث: النظريات الاجتماعية (السوسيولوجية) المبحث الثاني: النظريات القانونية المطلب الأول: النظريات الاتفاقية المطلب الثاني: النظريات المجردة خاتمة مقدمة: اختلف علماء القانون والاجتماع والتاريخ حول أصل نشأة الدولة، وترتَّب على هذا الاختلاف ظهور العديد من الأفكار والنظريات التي وُضعت لتفسير هذه النشأة . ثم أن البحث عن أصل نشأة الدولة وتحديد وقت ظهورها يعد من الأمور العسيرة ، إذ لم نقل مستحلية ، ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة ، و هي في تطورها تفاعل مع الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة . فنجد البعض يقسِّمها إلى نظريات ديمقراطية وأخرى غير ديمقراطية , وذلك لقرب هذه النظريات أو بُعدها من الفكرة الديمقراطية , ويرى البعض إرجاع هذه النظريات إلى اتجاهَين اتجاه نظري وآخر واقعي أو اتجاه غيبي وآخر علمي. ولعل أفضل تقسيم لهذه النظريات هو التقسيم الثنائي وهو النظريات الغير قانونية والنظريات القانونية واتي بدورها تتفرع إلى عدة مطالب وفروع. والإشكالية المطروحة: ماهو الأصل والعوامل التي أدت إلى نشأة الدولة؟ المطلب الأول : النظريات الثيوقراطية . درج الفقهاء في مصر على وصف هذه النظريات بأنها نظرياتٌ دينيةٌ، مع أن المعنى الحرفي للمصطلح الفرنسي لا يعني النظريات الدينية بل يعني النظريات التي تَنسِب السلطة إلى الله. لذلك فغن إرادته يجب أن تكون فوق إرادات المحكومين. واستعملت النظرية الدينية في العصر المسيحي والقرون الوسطى والسبب يعود الى دور المعتقدات والأساطير في حياة الإنسان ، وهو ما ترك البعض إضفاء صفة القداسة على أنفسهم وإضفاء صفة الإلهية عليهم . مما أدى إلى ظهور ثلاثة اتجاهات : وَجدت هذه النظرية مجالاً رحْبًا في العصور القديمة؛ حيث تأثر الإنسان بالأساطير، فظن أن الحاكم إلهٌ يُعبَد. ففي مصر الفرعونية كان فرعون هو الإله (رع)، وقد سجَّل القرآن الكريم قول فرعون في قوله : ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ ( القصص: من الآية 38) وقوله تعالى : ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) ﴾ ( النازعات)، وفي بلاد فارس والروم كان الحاكم يصطبغ بصبغة إلهية . هو الذي يختار الملوك مباشرةً لحكم الشعوب، ويترتب على ذلك عدم مسئولية الملوك أمام أحد من الرعية، فللملك أن يفعل ما يشاء دون مسئولية أمام أحد سوى ضميره ثم الله الذي اختاره وأقامه . فمن نتائج هذه النظرية أن الحاكم لا يكون مسئولا أمام أحد غير الله، عكس فكرة الحق الإلهي المقدس حيث توجد بها هذه التفرقة وهذا راجع لدواعي تاريخية. وذلك لهدم نظرية تأليه الحاكم من ناحية, ولعدم المساس بالسلطة المطلقة للحاكم من ناحية أخرى . نظرية الحق الإلهي الغير المباشر لم تعد فكرة الحق الإلهي المباشر مستساغةً من الشعوب, ومع ذلك لم تنعدم الفكرة تمامًا, ومؤدَّى هذه النظرية أن الله لا يتدخل بإرادته المباشرة في تحديد شكل السلطة, ولا في طريقة ممارستها, وأنه لا يختار الحكَّام بنفسه وإنما يوجِّه الحوادث والأمور بشكلٍ معيَّن يساعد جمهور الناس ورجال الدين خصوصا على أن يختاروا بأنفسهم نظام الحكم الذي يرتضونه ويذعنون له وهكذا، استنادًا إلى اختيار الكنيسة الممثلةً للشعب المسيحي؛ وفي صياغة أخرى ترى الكنيسة الكاثوليكية في محاولة لبسط نفوذها، المطلب الثاني: النظريات الطبيعية 1) نظرية الوراثة: نشأة في ظل الإقطاعية وهي ترى أن حق الملكية الأرض وهو حق طبيعي ، فالدولة إذن وجدت نتيجة حق ملكية الأرض ومن اجل خدمة الإقطاعيين، 2)النظرية العضوية: هي من النظريات الحديثة، فهي تشبه جسم الإنسان المكون من عدة أعضاء ، يؤدي كل عضو منها وظيفة معينة وضرورية لبقاء الجسم ككل. نفس الشيء بالنسبة للأشخاص في الدولة ، حيث تؤدي كل مجموعة منهم وظيفة معينة وضرورية لبقاء كل المجتمع الذي يعمل وينشط كجسم الإنسان ، ولذا لابد من وجود مجموعة من الناس تحكم ، ومجموعة من المحكومين تؤدي وظائف أخرى مختلفة . 3)النظرية النفسية: هي أيضا نظرية حديثة ، وترى أن الأفراد لا يخلقون متساوون ، بل هناك فئتين : فئة تحب السلطة والزعامة ، ولها جميع المزايا التي تمكنها وتأهلها لذلك بطبيعتها ، وفئة تميل إلى الخضوع والانصياع بطبيعتها أيضا ، لهذه الأسباب نشأة الدولة، غير أن النظرية عنصرية في الأساس، ولا يستطيع أن يعيش منعزلاً، فيلتقي الذكر بالأنثى مكونَين بذلك وحدةً اجتماعيةً صغيرةً وهي الأسرة, وتتفرَّع الأسرة وتتشعَّب مكونةً العائلة, فالمدينة التي تكون نواة الدولة . والقائلون بها لا يرون الدولة إلا مرحلةً متقدمةً ومتطورةً من الأسرة، وأن أساس السلطة فيها يعتمد على سلطة رب الأسرة وشيخ القبيلة . ويلاحظ تأييدا لهذه النظرية، أن الأديان جميعا تقر أن العالم البشري يرجع الى زواج آدم بحواء أي الى الأسرة ، لهذا قديما كان من المستصعب تصور عدم وجود هذه الرابطة العائلية التي تقيم فيما بعد /الوحدة السياسية/ وبعض الشواهد التاريخية تؤيد هذه النظرة. لكن هذه النظرية وجهت لها العديد من الانتقادات أهمها : 1/ فيها مغالطة تاريخية ، بحيث علماء الاجتماع يؤكدون أن الأسرة لم تكن الخلية الاولي للمجتمع ، بل أن الناس جمعتهم المصالح المشتركة والرغبة في التعاون على مكافحة أحداث الطبيعة قبل أن توجد الأسرة ، لذا كانوا يلتفون حول العشيرة التوأمية ، فأساس الصلة في هذه ليس الدم ولكن التوأم. المطلب الثالث: النظريات الاجتماعية 1) نظرية التغلب والقوة وحيث إن القوى البشرية في صراعٍ دائمٍ , والمنتصر يفرض إرادته على المهزوم , والمنتصر النهائي يفرض إرادته على الجميع, ويكون بمثابة السلطة الحاكمة. فتنشأ بذلك الدولة مكتملة الأركان. وقد تمحورت هذه النظرية في ثلاثة اتجاهات معينة: *نظرية ابن خلدون * النظرية الماركسية * نظرية التضامن الاجتماعي. فكلا من هؤلاء الفقهاء يحاول تبرير نظرته حسب واقعه المعيشي فأبن خلدون يدافع على فروضه الثلاث الذي استخلصها من تفسيره الذي سماه العقلاني للتحول من الحكم بالشريعة إلى الحكم الاستبدادي المطلق. وبناء على هذا ظهرت ثلاث أنماط من الدول عبر التاريخ كانت تخدم مصالح طبقات معينة وبذلك نصل إلى المجتمع المنشود . والقوة الاقتصادية والحنكة سياسية. 3) نظرية التطور التاريخي ومن بينهم برلمي وجار نر وسبنسر ، لذلك فإن السلطة في تلك الدول لا تستند في قيامها هي الأخرى على عامل واحد بل على عدة عوامل منها القوة والدهاء والحكمة والدين والمال والشعور بالمصالح المشتركة التي تربط أفراد الجماعة بعضهم ببعض ، فالدولة إذن وفقا لأنصار هذه النظرية ظاهرة اجتماعية نشأت بدافع تحقيق احتياجات الأفراد شأنها شأن الظواهر الأخرى. أقرب النظريات إلى الصواب. المبحث الثاني: النظريات القانونية المطلب الأول: النظريات الاتفاقية وتعرف أيضا بنظريات العقد الاجتماعي. ظهرت فكرة العقد الاجتماعي قديمًا كأساسٍ لنشأة المجتمع السياسي عند الإغريق، فالنظام السياسي في نظرهم هو نظامٌ اتفق الأفرادُ على تكوينه للسهر على مصالحهم, ولا يتقيَّد الأفراد بالقانون إلا إذا كان متفقًا على هذه الحقوق الطبيعية. ثم جاء النظام السياسي الإسلامي فأبرَزَ عملية التعاقد ورتَّب عليها أثرَها كما سنُبيِّن فيما بعد، ثم ظهرت هذه الفكرة في كتابات بعض المفكِّرين الغربيين منذ نهاية القرن السادس عشر، وقد اتفق الثلاثة على أن العقد الاجتماعي يقوم على فكرتَيْن أساسيتين : إحداهما: تتحصَّل في وجود حالة فطرية- بدائية- عاشها الأفراد منذ فجر التاريخ . وثانيتهما: تتبدى في شعور الأفراد بعدم كفاية هذه الحياة الأولى لتحقيق مصالحهم، فاتفقوا فيما بينهم على أن يتعاقَدوا على الخروج من هذه الحياة بمقتضى عقدٍ اجتماعي ينظِّم لهم حياةً مستقرةً, أي تعاقدوا على إنشاء دولة , فاختلفت بذلك النتائج التي رتَّبها كلٌّ منهم على النظرية. إذن ظهرت فكرة العقد كأساس لنشأة الدولة منذ فترة زمنية بعيدة، استخدمها الكثير من المفكرين في تأييد أو محاربة السلطان المطلق للحاكم. ولوك ، و روسو . أولا : نظرية هوبز : ( من أنصار الحكم المطلق ) ان الفترة التي عاش بها هوبز وما رافقتها من اضطرابات في كل من إنجلترا وفرنسا كان لها بالغ الأثر على الفكرة الذي عبر عنها بتأييده المطلق للحاكم . ابرز هوبز بحق الملك المطلق في الحكم من خلال طبيعة العقد الذي ابرم بين الأفراد للتخلص مما رتبته الطبعة الإنسانية ونزعتها الشريرة التي قاساها الأفراد في الحياة الفطرية قبل إبرام هذا العقد. لان السلطة وفي وجهة نظره مهما بلغت من السوء فلن تصل إلى حالة الحياة الطبيعية التي كانوا يعيشونها. وهكذا يتمتع الحاكم على الأفراد بسلطة مطلقة ، ولا يحق للأفراد مخالفة هذا الحاكم مهما استبد أو تعسف . ثانيا : نظرية جون لوك : ( من أنصار الحكم المقيد ) إذا كان لوك يتفق مع هوبز في تأسيس المجتمع السياسي على العقد الاجتماعي الذي ابرم بين الأفراد لينتقلوا من الحياة البدائية إلى حياة الجماعة ، إلا انه يختلف معه في وصف الحياة الفطرية والنتائج التي توصل إليها . الحياة الفطرية الطبيعية للأفراد كما يصفها لوك فهي تنصح بالخير والسعادة والحرية والمساواة ، تحكمها القوانين الطبيعية وبالرغم من وجود كل هذه المميزات لدى الفرد إلا أن استمراره ليس مؤكداً وهذا بسبب ما يمكن أن يتعرض له من اعتداءات الآخرين . وهذا ما يدفع الإنسان إلى الحرية المملوءة بالمخاوف والأخطار الدائمة والانضمام إلى مجتمع ما مع الآخرين من اجل المحافظة المتبادلة عن أرواحهم وحرياتهم واملاكهم . فهذه النظرية تقر بأن العقد الذي ابرم بين الأفراد وبين الحاكم لإقامة السلطة لا يمنح الحاكم السلطة المطلقة. إضافة إلى أن الحاكم في نظرية لوك طرف في العقد مثل الفرد. وما دامت أن شروط العقد قد فرضت على الحاكم الكثير من الالتزامات، فهو مقيد وملتزم بتنفيذ الشروط، روسو لوك الحياة الفطرية حياة خير وسعادة يتمتع بها الأفراد بالحرية والاستقلال والمساواة يختلف مع لوك على أسباب التعاقد وأطرافه ومن ثم النتائج التي تترتب على ذلك . وذلك كمظهر الملكية الخاصة وتطور الصناعة من إخلال بالمساواة وتقييد الحريات فسر رغبة الأفراد في التعاقد على أساس ضمان استمرارية المساواة والحريات العامة وضمان السلم الاجتماعي . فاتفق الأفراد فيما بينهم على إبرام عقد اجتماعي ، هذا العقد يقوم الأفراد من خلاله بالتنازل عن كافة حقوقهم الطبيعية لمجموعة من الأفراد الذي تمثلهم في النهاية الإرادة العامة . هذا التنازل لا يفقد الأفراد حقوقهم وحرياته لان الحقوق والحريات المدنية استبدلت بتلك الطبيعية المتنازل عنها للإرادة العامة . الانتقادات التي تعرضت لها النظرية العقدية :- سميت هذه النظرية أو الاتجاه بالنظريات المجردة للعديد من الأسباب أهمها لعدم خروجها من طور التنظير ورفوف الأوراق الى ارض الواقع ، ملت التسمية لروعة البناء النتظيري وهشاشة أو استحالة تطبيقها أو إيجادها – إن وجدت في أرض الواقع . فكل هذه الأسباب كانت دافع لتجريد هذه النظريات في هذا الاتجاه. ومن أهم النظريات المجردة :: 1- نظرية الوحدة 2- نظرية النظام القانوني 3- نظرية السلطة المؤسسة لهوريو وسندرس كل هذه النظريات على إنفراد مع ذكر مالها وما عليها . أولا : نظرية الوحدة ( جينلك ) بداية يحاول الفقيه جينلك أن يفرق بين المصطلحين * العقد* و * الفونبارك* ، فالمصالح المتبادلة هي التي دفعت بالتعاقد ، فالبائع مثلا قد يحصل على مال و المشتري يحصل على أشياء غير التي دفعت للبائع ،