للمبادلة شكلين: أحدهما: المبادلة على أساس المقايضة والآخر: المبادلة على أساس النقد فالمبادلة على أساس المقايضة هي مبادلة سلعة بأخرى وهذا الشكل هو أسبق أشكال المبادلة تاريخيًا. هذا الشكل من المبادلة لم يستطع أن ييسّر التداول في الحياة الاقتصادية، بل أخذ يزداد صعوبة وتعقيدًا على مر الزمن كلما ازداد التخصص وتنوعت الحاجات. ومن الصعوبات التي تواجه المقايضة هو ندرة التوافق بين حاجة المشتري وحاجة البائع. أضف إلى ذلك صعوبة التوافق بين قيم الأشياء المعدّة للمبادلة خاصة إن لم تكن قابلة للقسمة. كانت عمليات المبادلة تواجه مشكلة أخرى هي صعوبة تقدير قيم الأشياء المعدة للمبادلة، فنشأت فكرة استعمال النقد بوصفه أداة للمبادلة بدلًا عن السلعة نفسها. فأصبح النقد وكيلًا عن السلعة التي كان يضطر المشتري إلى تقديمها للبائع في المقايضة. فصعوبة التوافق بين حاجة المشتري وحاجة البائع زالت، كما أصبح من الميسور تقدير قيم الأشياء بسهولة. بل أخذت تلعب دورًا خطيرًا في الحياة الاقتصادية تعبّر عن ألوان الظلم والاستغلال. لأن النقد يضع حدًا فاصلًا بين البائع والمشتري، فالبائع هو صاحب السلعة، وهذه الفرصة الجديدة التي وجدها البائعون بخدمتهم غيرت الطابع العام للبيوع والمبادلات. ونشأت عن ذلك ظاهرة اكتناز المال وتجميده مجسدًا في تلك النقود. ولا يكلف اكتنازه شيئا من النفقات، في كل وقت. كواسطة بين الإنتاج والاستهلاك، وأصبحت واسطة بين الانتاج والادخار. ونتج عن ذلك أيضًا اختلال كبير في التوازن بين كمية العرض وكمية الطلب: ذلك أن العرض والطلب كانا يميلان إلى التساوي في عصر المقايضة. وهكذا تتخذ الأثمان وضعًا غير طبيعي، ويصبح السوق تحت سيطرة الاحتكار. فيتجهون نحو الاكتناز بكل قواهم، كما تتعطل حركة الانتاج، ولا تقف مشاكل النقد عند هذا الحد، فلم يقتصر النقد على أن يكون أداة اكتناز، بل أصبح أداة تنمية للمال عن طريق الفائدة التي يتقاضاها الدائنون من مدينيهم. وهكذا أصبح الاكتناز في البيئة الرأسمالية سببًا لتنمية الثروة بدلًا عن الإنتاج.