المذهب الحنفي فهو أحد المذاهب الأربعة المشهورة المتبوعة ، حتى قيل :" الناس عالة في الفقه على أبي حنيفة " ، وأصل المذهب الحنفي وباقي المذاهب أن هؤلاء الأئمة - أعني أبا حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - كانوا يجتهدون في فهم أدلة القرآن والسنة ، ويفتون الناس بحسب الدليل الذي وصل إليهم ، حتى تكوَّن المذهب الفقهي ، فتكوَّن المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي وتكوّنت مذاهب أخرى كمذهب الأوزاعي وسفيان لكنه لم يُكتب لها الاستمرار . أما الرأي والقياس الذي أخذ به الإمام أبو حنيفة ، فليس المراد به الهوى والتشهي ، وإنما هو الرأي المبني على الدليل أو القرائن أو متابعة الأصول العامة للشريعة ، وقد كان السلف يطلقون على الاجتهاد في المسائل المشكلة " رأيا " كما قال كثير منهم في تفسير آيات من كتاب الله : أقول فيها برأيي ، وقد توسع الإمام أبو حنيفة في الأخذ بالرأي والقياس في غير الحدود والكفارات والتقديرات الشرعية ، ويجب ملاحظة أن المذهب الحنفي المنسوب إلى الإمام أبي حنيفة ، ليس كل الأقوال والآراء التي فيه هي من كلام أبي حنيفة ، فعدد غير قليل من تلك الأقوال مخالف لنص الإمام أبي حنيفة نفسه ، وإنما جعل من مذهبه بناء على تقعيدات المذهب المستنبطة من نصوص أخرى للإمام ، كما أن المذهب الحنفي قد يعتمد رأي التلميذ كأبي يوسف ومحمد ، قد تصبح فيما بعد هي المذهب ، وليس هذا خاصا بمذهب أبي حنيفة ، فإن قيل : إذا كان مستند المذاهب الأربعة في الأصل الكتاب والسنة ، فلماذا وجدنا اختلافا في الآراء الفقهية بينها ؟ فالجواب : أن كل إمام كان يفتي بحسب ما وصل إليه من دليل ، فقد يصل إلى الإمام مالك حديث فيفتي به ، والعكس صحيح ، كما إنه قد يصل إلى أبي حنيفة حديث ما بسند صحيح فيفتي به ، ويصل إلى الإمام الشافعي نفس الحديث لكن بسند آخر ضعيف فلا يفتي به ، ويفتي بأمر آخر مخالف للحديث بناء على ما أداه إليه اجتهاده ، لكن المعول والمرجع في النهاية لهم جميعا إلى الكتاب والسنة . وإن لم يفتوا بها ، وعليه يستندون . قال الإمام أبو حنيفة :" إذا صح الحديث فهو مذهبي "، وقال رحمه الله :" لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه " ، وفي رواية عنه :" حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي " ، نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا "، وقال رحمه الله :" إذا قلت قولا يخالف كتاب الله تعالى ، فانظروا في رأيي ، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه " ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم " وتعزب عنه - أي تغيب - ، فمهما قلت من قول ، أو أصَّلت من أصل ، فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال الإمام أحمد :" لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري ، وإنما الحجة في الآثار - أي الأدلة الشرعية " ومذهبه ، وختاما : لا يسع المسلم إلا أن يعرف لهؤلاء فضلهم ،