تعتبر السياسة كآلية من آليات تنظيم المجتمعات الإنسانية، بشكل يحفظ الإستقرار والأمن، ويسمح باستمرار الجنس البشري. وهذا ما يتضح جليا من خلال دلالتها وأصلها الأشتقاقي. فالسياسة مشتقة في أصلها من اللفظة اليونانية. هذه الأخير تدل على ذلك الكيان الاجتماعي المنظم الذي تتكامل وظائف أعضائه من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، هؤلاء الأعضاء الذين ينبغي أن تتأسس علاقاتهم على فضيلة العدالة، وأن تتوجه حياتهم صوب تحقيق مثال الخير الأسمى، وحتى في دلالتها اللغوية العربية، فالسياسية مشتقة من فعل ساس يسوس، يقال سَوَّسَهُ القوم : جعلوه يَسُوسُهم . ويقال : سُوِسَ فلان أمر بني فلان ، وبالتالي فالسياسية تعني تدبير الشأن العام وتعنى بها. هو تضارب آراء الأفراد وتقاطع مصالحهم. فلا يختلف اثنان حول حب الإنسان للتملك والسيطرة، كما لا يمكن أن نختلف حول اختلاف الأفراد في رؤاهم وميولاتهم وأهوائهم، هذا التقاطع في المصالح والإختلاف في الرؤى والآراء قد يؤدي إلى الصراع الذي قد يؤدي بدوره إلى العنف والإقتتال. فكان من الضروري تنظيم المجتمع الإنساني وفق نظام يسمح بتدبير الإختلاف والصراع تدبيرا عقلانيا، ومن ثمة جاءت السياسة بما هي هذا التدبير العقلاني للإختلاف بين الأفراد. غير أن السياسة تحتاج أجهزة يمكن من خلالها تدبير الشأن العام، وهي الأجهزة التي نصطلح عليها الأجهزة السياسة. ولعل أبرز جهاز سياسي على مر التاريخ الإنساني، هذه الأخيرة تعتبر كوسيلة لتدبير الشأن العام عبر مجموعة من الآليات والمؤسسات الأخرى. ولا يمكن الحديث عن الدولة إلا بالوقوف عند العنف، كآلية رافقت العملية السياسية، سواء كآلية للتدبير أو كظاهرة لازمت التاريخ الإنساني. فالحديث عن السياسة لا يستقيم إلا من خلال الوقوف عند مفهومين آخرين مرتبطين بالممارسة السياسية، ولنقل تتأسس عليهما الممارسة السياسية وهما مفهوما الحق والعدالة، فلا يمكن للسياسة أن تفلح في غاياتها إلا إذا كانت سياسة عادلة، والسياسة العادية هي التي تأخذ بعين الإعتبار حقوق الأفراد .