تابع الانتاج الفلسفي المشكلة الجزئية الخامسة هل مذهب التعليم او " الباطنية "يرشدنا الى الحقيقة ؟. علمت ان ذلك ايضا ، غير واف بكمال الغرض ، وكان قد نبغت نابغة التعليمية ، وشاع بين الخلق تحدثهم بمعرفة معنى الامور من جهة الامام المعصوم القائم بالحق ، فعن لي ان ابحث عن مقالاتهم لاطلع على ما في كنانتهم . ثم اتفق ان ورد علي امر جازم من حضرة الخلافة ، بتصنيف كتاب يكشف عن حقيقة مذهبهم . فلم يسعني مدافعته وصار ذلك مستحدثا من خارج – ضميمة للباعث الاصلي من الباطن- فابتدأت بطلب كتبهم وجمع مقالاتهم وكان قد بلغني بعض كلماتهم المستحدثة التي ولدتها خواطر اهل العصر. حتى انكر علي بعض اهل الحق مبالغتي في تقرير حجتهم ؛ فقال : "هذا سعي لهم ، وهذا الانكار من وجه حق ، فقد انكر احمد بن حنبل على الحارث المحاسبي ، تصنيفه في الرد على المعتزلة؛ فبم تأمن ان يطالع الشبهة من يعلق ذلك بفهمه ، ولا يلتفت الى الجواب ، " . ولكن في شبهة لو تنشر ولم تشتهر . فأما اذا انتشرت فالجواب عنها واجب ، نعم ، ولم اتكلف انا ذلك ، وانتحل مذهبهم ، ثم ذكر تلك الحجة وحكاها عنهم ، فلذلك اوردتها ، فلذلك قررتها . ولكن شدة التعصب ، دعت الذابين عن الحق الى تطويل النزاع معهم في مقدمات كلامهم ، والى مجاحدتهم في كل ما نطقوا به ، وفي دعواهم انه : " لا يصلح كل معلم ، بل لا بد من معلم معصوم " . وظهرت حجتهم في اظهار الحاجة الى التعليم والتعلم ، وضعف قول المنكرين في مقابلته ، فاغتر بذلك جماعة وظنوا ان ذلك من قوة مذهبهم وضعف مذهب المخالفين لهم ؛ ولم يفهموا ان ذلك لضعف ناصر الحق وجهله بطريقه ؛ بل الصواب الاعتراف بالحاجة الى المعلم ، ولكن معلمنا المعصوم هومحمدصلى الله عليه وسلم . فاذا قالوا :" هو ميت ، فنقول : " ومعلمكم غائب " ؛ وهو ينتظر مراجعتهم ان اختلفوا او اشكل عليهم مشكل " ، لا يضر موت المعلم كما لا تضر غيبته. *فبقى قولهم :" كيف تحكمون فيم لم تسمعوه ؟ ابالنص ولم تسمعوه ، ام بالاجتهاد والراي وهو مظنة 55الخلاف ؟ فنقول :" نفعل ما فعلهمعاذ اذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليمن: ان نحكم بالنص عند وجود النص وبالاجتهاد عند عدمه ؛ بل كما يفعله دعاتهم اذا بعدوا عن الامام الى اقاصي البلاد اذ لا يمكنه ان يحكم بالنص . فان النصوص المتناهية لا تستوعب الوقائع غير المتناهية ، ولا يمكنه الرجوع في كل واقعة الى بلدة الامام ، والى ان يقطع المسافة ويرجع فيكون المستفتي قد مات ، وفات الانتفاع بالرجوع . ليس له طريق . الا ان يصلي بالاجتهاد ، فيفوت وقت الصلاة . فإذن جازت الصلاة الى غير القبلة بناء على الظن . ويقال :" ان المخطئ في الاجتهاد له اجر واحد وللمصيب اجران " :57 فكذلك في جميع المجتهدات ، وكذلك امر صرف الزكاة الى الفقير ؛ وهو غني باطنا بإخفائه ماله ، لأنه لم يؤخذ الا بموجب ظنه . فأقول :" هو مأمور باتباع ظن نفسه ، وان خالفه غيره"؛ فان قال: فالمقلد يتبع ابا حنيفة او الشافعي رحمهما الله ، ام غيرهما ؟ فأقول : " فالمقلد في القبلة عند الاشتباه ، اذا اختلف عليه المجتهدون كيف يصنع ؟ فسيقول :" له مع نفسه اجتهاد في معرفة الافضل الاعلم بدلائل القبلة ، فكذلك في المذاهب ". مع العلم بانهم قد يخطؤون، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" انا احكم بالظاهر والله يتولى السرائر"؛ وربما اخطأ فيه . ولا سبيل الى الامن من الخطأ للأنبياء في مثل هذه المجتهدات ، المخطئ ؛ فكيف السبيل اليه ؟ فأقول :" قواعد العقائد يشتم عليها يُعرف الحق فيه بالوزن بالقسطاس المستقيم ، وهي الموازين التي ذكرها الله تعالى في كتابه ، وهي خمسة ، لأني استخرجته من القران وتعلمته منه ، ولا يُخالف اهل المنطق ، لأنه موافق لما شرطوه في المنطق ، وغير مخالف له ولا يُخالف فيه المتكلم لأنه موافق لما يذكره في ادلة النظريات ، وبه يُعرف الحق في الكلاميات فان قال :" فان كان في يدك مثل هذا الميزان، لو اصغوا ، ولا يصغون اليه بأجمعهم . بل قد اصغى الي طائفة . فرفعت الخلاف بينهم ، وامامك يريد رفع الخلاف بينهم مع عدم اصغائهم ، فلم لم يرفع الى الان ؟ ولم لم يرفع علي رضي الله؟عنه ، وتخريب البلاد ، وقطع الطرق ، والاغارة على الاموال . والاختلافات المتقابلة ، لم يُلزمه الاصغاء اليك دون خصمك ، واكثر الخصوم يخالفونك ، ولا فرق بينك وبينهم " . وهذا هو سؤالهم الثاني فأقول: " هذا اولا فينقلب عليك ، فانك اذا دعوت هذا المتحير : بم صرت اولى من مخالفيك ، بماذا تجيب ؟ أتجيب بان تقول : امامي منصوص عليه ؟ فمن يصدقك في دعوى النص ، وهو لم يسمع النص من الرسول ؟ وانما يسمع دعواك مع تطابق اهل العلم على اختراعك وتكذيبك . ثم هب انه سلم لك النص ، فان كان متحيرا في اصلالنبوة، فقال :" هب ان امامك يدلي بمعجزة عيسى عليه السلام ، فأحياه فناطقني بانه محق فبماذا اعلم صدقه ؟ " . ولم يعلم كافة الخلق صدق عيسى عليهالسلامبهذه المعجزة ، بل عليه من الأسئلة المشكلة ما لا يدفع الا بتحقيق النظر العقلي ؛ ولا يعرف دلالة المعجزة على الصدق ، ما لم يعرف السحر والتمييز بينه وبين المعجزة ، وما لم يعرف ان الله لا يضل عباده . وسؤال الاضلال وعُسر تحرير الجواب عنه مشهور ، فبماذا تدفع جميع ذلك ؟ ولم يكن امامك اولى بالمتابعة من مخالفه ، لو اجتمع اولهم واخرهم على ان يجيبوا عنه جوابا ، لم يقدروا عليه . وانما نشا الفساد من جماعة من الضعفاء ناظروهم ، وذلك مما يطول فيه الكلام، وما لايسبق سريعا الى الافهام ، فلا لا يصلح للإقحام. فهل عنه جواب ؟ فأقول نعم . جوابه ان المتحير لو قال : انا متحير، يقال له : انت كمريض يقول : ولا يُعين مرضه ويطلب علاجه ، فيقال له ليس في الوجود علاج للمرض المطلق ، بل لمرض معين : من سداع او اسهال او غيرهما . فكذلك المتحير ينبغي ان يعين ما هو متحير فيه ، فان عين المسالة عرفته الحق فيها بالوزن بالموازين الخمسة التي لا يفهمها احد الا ويعترف انه الميزان الحق الذي يوثق بكل ما يوزن به ، صحة الوزن كما يفهم متعلم علم الحساب نفس الحساب ، وكون المحاسب المعلم عالما بالحساب وصادقا فيه ز وقد اوضحت ذلك في كتاب القسطاس المستقيم في مقدار عشرين ورقة ؛ وليس المقصود الان بيان فساد مذهبهم ؛ وفي كتاب حجة الحق ثانيا ؛ وهو جواب كلام لهم ، وفي كتاب مفصل الخلاف الذي هو اثنا عشر فصلا ثالثا ؛ وهو جواب كلام عرض علي بهمذان ؛ وهو من ركيك كلامهم الذي عرض علي بطوس ؛ وهو كتاب مستقل ، مقصوده بيان ميزان العلوم واظهار الاستغناء عن الامام المعصوم لمن احاط به ؛ طال ما جاريناهم فصدقناهم في الحاجة الى التعليم والى المعلم المعصوم . فلما عجزوا ، ولم يتعلموا منه شيئا اصلا كالمتضمخ 60 بالنجاسة يتعب في طلب الماء ، حتى اذا وجده لم يستعمله وبقى متضمخا بالخبائث . وهو رجل من قدماء الاوائل ومذهبه ارك مذاهب الفلسفة ؛ وهو على التحقيق حشو الفلسفة فالعجب ممن يتعب طول العمر في طلب العلم ثم يقنع بمثل ذلك اعلم الركيك المستغث ويظن بانه ظفر بأقصى مقاصد العلوم ، فرجع حاصلهم الى استدراج العوام وضعفاء العقول ببيان الحاجة الى المعلم ومجادلتهم في انكارهم الحاجة الى التعليم بكلام قوي مفحم ، حتى اذا ساعدهم على الحاجة الى المعلم مساعدة ، وقال هات علمه ، وقف وقال : الان اذا سلمت لي هذا فاطلبه ؛ اذا علم انه لو زاد على ذلك ،