ثانياً-شروط الحكم بالغرامة التهديدية: تنص المادة 214 من القانون المدني السوري على أنه «إذا كان تنفيذ الالتزام عيناً غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه جاز للدائن أن يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ، وبدفع غرامة تهديدية إن امتنع عن ذلك». يتبين من ذلك أنه لا يجوز الحكم بالغرامة التهديدية إلا إذا توافرت الشروط الآتية: 1- أن يكون التنفيذ العيني للالتزام لايزال ممكناً: يشترط من أجل الحكم بالغرامة التهديدية أن يكون هناك التزام، ويترتب على ذلك أنه لا يجوز اللجوء إلى الغرامة التهديدية من أجل إجبار خصم في الدعوى على الحضور أمام القاضي؛ لأنه في الأصل ليس ملزماً بالحضور. ولا يكفي وجود التزام حتى يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية، ويكون المدين ممتنعاً عن التنفيذ إذا رفض الانصياع لطلب المحكمة إليه بتنفيذ التزامه. أما في حال امتثال المدين لمثل هذا الطلب فلا يجوز اللجوء إلى الغرامة التهديدية، كما لا يمكن الحكم بالغرامة التهديدية إذا نفذ المدين التزامه في الميعاد الذي حددته له المحكمة في حكمها القاضي بالتنفيذ العيني والمؤيد بالغرامة التهديدية؛ لأن الحكم بهذه الغرامة موقوف على عدم تنفيذ المدين لالتزامه في الميعاد المحدد له. ولا يكفي من أجل اللجوء إلى الغرامة التهديدية أن يكون هناك التزام امتنع المدين عن تنفيذه، وإنما يشترط إضافة إلى ذلك أن يكون التنفيذ العيني لذلك الالتزام لايزال ممكناً؛ وذلك لأن الغرامة التهديدية تهدف إلى الحصول على التنفيذ العيني للالتزام. ويترتب على ذلك أنه إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلاً، كما لو كان المدين ملزماً بتسليم مستندات تبين فيما بعد أنها احترقت فلا يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية لأن الغرض منها أصبح مستحيلاً وهو التنفيذ العيني للالتزام. ولا يهم هنا سبب الاستحالة سواء كان فعل المدين أم سبباً أجنبياً. 2- أن يكون تدخل المدين ضرورياً من أجل تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً: أما إذا لم يكن تدخل المدين الشخصي ضرورياً من أجل تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً فلا يمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية، وهذا ما أكدته المادة 210 من القانون المدني السوري، إذ تنص على أنه 2- ويجوز في حالة الاستعجال أن ينفذ الدائن الالتزام على نفقة المدين، دون ترخيص من القضاء». ولا يعد تدخل المدين الشخصي ضرورياً - في الكثير من الحالات - من أجل تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً، أما إذا كان المدين ملتزماً بنقل ملكية منقول معين بالنوع فإن الملكية تنتقل بالإفراز، وبالتالي لا يتصور هنا أيضاً اللجوء إلى الغرامة التهديدية. ويحتاج ذلك إلى إجراءات رسمية تتطلب حضور المدين أو من ينوب عنه أمام الموظف المختص. وإذا رفض المدين تنفيذ التزامه طوعاً فيمكن للدائن اللجوء إلى القضاء والحصول على حكم مبرم، كما لا يمكن اللجوء إليها إذا كان محل التزام المدين مبلغاً من النقود، وإنما يكون بالحجز على أمواله وبيعها في المزاد العلني. والتزام رسام مشهور برسم لوحة فنية، ولا فرق في أن يكون التزام المدين ناشئاً عن تصرف قانوني كالعقد، أو عن واقعة قانونية كالعمل غير المشروع، أما إذا كان المدين ملتزماً بالامتناع عن عمل فالأصل أنه لا يجوز اللجوء إلى الغرامة التهديدية من أجل إجباره على تنفيذ التزامه عيناً؛ ولكن إذا أخل المدين بالتزامه ونفذ ما امتنع عن القيام به، وكان ذلك يتطلب تدخلاً شخصياً من المدين فيمكن هنا اللجوء إلى الغرامة التهديدية من أجل إجبار المدين على التعويض العيني للدائن والمتمثل بإزالة المخالفة. ويحق للدائن أن يطلب الحكم بالغرامة التهديدية في أي حال تكون عليها الدعوى، حتى أول مرة أمام محكمة الاستئناف، ولا يلزم طلب الدائن الحكم على المدين بغرامة تهديدية المحكمة، إذ إنها تتمتع بسلطة تقديرية في الحكم بها، ما لم يكن رفض الطلب مستنداً إلى عدم توافر شروط الحكم بالغرامة التهديدية، أما في القانون الفرنسي فلا يشترط تقديم طلب من الدائن من أجل الحكم بالغرامة التهديدية؛ كما تسمح هذه المادة لقاضي التنفيذ أن يرفق قراراً صادراً من قاضٍ آخر بغرامة تهديدية من أجل ضمان تنفيذه إذا كانت الظروف تستدعي ذلك. ويمكن أن يصدر الحكم بالغرامة التهديدية ضد أي شخص يمتنع عن تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً في الحالات التي يجوز فيها الحكم بمثل هذه الغرامة، سواء كان شخصاً طبيعياً أم شخصاً اعتبارياً خاصاً أو عاماً. وهذا ما أكده القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 16/7/1980 الذي أجاز في المادة الثانية منه لمجلس الدولة أن يحكم على أشخاص القانون العام الاعتبارية في حال امتناعها عن تنفيذ حكم صادر من محكمة قضاء إداري بالغرامة التهديدية من أجل حملها على تنفيذ مثل ذلك الحكم. تهدف الغرامة التهديدية إلى الضغط على إرادة المدين وحمله على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً، ويستنفد الحكم بالغرامة التهديدية أثره إذا امتثل المدين له ونفذ التزامه، أو إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلاً، كما لو هلك الشيء محل الالتزام هلاكاً كلياً، أو إذا استمر المدين في غيه وفي تعنته ورفض الانصياع للحكم الصادر بالغرامة التهديدية بحيث لم يعد هناك جدوى من فرضها. وبالتالي إذا امتثل المدين للحكم ونفذ التزامه في الأجل الذي حددته له المحكمة فلا يحكم عليه بشيء ما لم يكن قد أعذر قبل ذلك للوفاء بالتزامه، أو إذا أصر المدين على عدم تنفيذ التزامه واستمر في تعنته وغيه، أو إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلاً فيجب على القاضي في مثل هذه الحالات تحويل الغرامة التهديدية إلى تعويض نهائي، وفق ما نصت عليه المادة 215 من القانون المدني السوري التي جاء فيها «إذا تم التنفيذ العيني أو أصر المدين على رفض التنفيذ حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين مراعياً في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن والعنت الذي بدا من المدين». ويشمل التعويض النهائي - على غرار التعويض العادي - ما فات الدائن من كسب وما لحقه من خسارة نتيجة عدم تنفيذ المدين لالتزامه في حال إصراره على عدم التنفيذ، ويشمل التعويض النهائي إضافة إلى ذلك عنصراً جديداً يميزه من التعويض العادي وهو العنت الذي بدا من المدين. وإنما يقصد به مجازاة المدين على سوء نيته المتمثل في العنت الذي أبداه في تنفيذ التزامه. والحكم الصادر بالتعويض النهائي يجب أن يتضمن أسباب تقديره، وتثبت للحكم الصادر بالتعويض النهائي قوة القضية المقضية،