ورغم أن هذه الجماعة زعمت أنها الجماعة الوحيدة المؤهلة الحمل رسالة الإسلام وتنفيذها، وعدم التعلم زاعمين أنهم بذلك يتشبهون بذلك الجيل الأول الذي حمل الدعوة ومدعين أنه لا يمكن الجمع بين العلوم الشرعية والعلوم المادية أو علوم الكفار كما يقولون. يقولون عن خصائص جماعة الرسول ﷺ : فلم تتعلم أي الجماعة الأولى - الدين للدنيا، ولم يكونوا يتعلمون العمارة الأرض وبناء الدور، ويقول : نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. فلا بد أن نكون مثلهم أميين توجه كل جهدنا ووقتنا لنتعلم الكتاب والحكمة، وما دون ذلك فهو ضلال مبين ومتى يتعلم الإسلام من أمضى أكثر من نصف عمره في تعلم الجاهلية؟ ومن أجل هذا نقول أن الدعوة إلى محو الأمية فكرة يهودية الشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام، ووجود من يقرأ ويكتب بيننا لا ينفي أننا نحن أمة أمية نوجه كل وقتنا لتعلم الإسلام (۱). إذ أن هناك فرقاً بين القول : إن الجماعة الأولى لم تتعلم الدين للدنيا، وبين القول : إنها تركت التعلم أصلاً. كما أن هناك فرقا بين أن يكون الرسول الله أمياً رسولاً، وبين أن تكون الجماعة المسلمة غير متعلمة ( أمية )، وقد أخطات جماعة التكفير الهجرة فهم معنى الأمية، كاليهود والنصارى بينما الأميون هم العرب الذين لم يتلقوا رسالات، ويؤيد هذا قول ابن عباس : الأميون أي العرب كلهم من كتب منهم، ومن لم يكتب لأنهم لم يكونوا أهل كتاب (٢). والأميين في قوله تعالى : ﴿وَقُل للذين أوتوا الكتاب والأميين أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ واللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) [آل عمران : ۲۰) . أما الأدلة على أمية الرسول الله فكثيرة، منها قوله تعالى : ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل ) [ الاعراف : ١٥٧)، وأميته الله لم تكن من جهة فقد العلم والقراءة عن ظهر قلب، كما قال تعالى : وما كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ من كتاب ولا تَخْطُهُ بيمينك إذا لأرْتَاب الْمُبْطِلُونَ ﴾ [العنكبوت : (٤٨). فإن الله علمه العلم بلا واسطة كتاب معجزة له . لأن الصحابة رضوان الله عليهم كان بينهم كتاب يكتبون الوحي، وكتبه إلى ملوك أهل الأرض، كما ورد أن الرسول أمر زيد بن ثابت أن يتعلم لغة اليهود، كما ورد أنه أمر أسارى بدر الذين لم يكن لهم فداء، وأن يكون عملهم هذا فداء لهم (۲). وامتن الله سبحانه وتعالى عليهم بهذا الفضل في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويُعلمهم الكتاب والحكمة ووَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مبين ) [آل عمران : ١٦٤]. فهي ليست كذلك بالنسبة لغيره، ويزعم أصحاب التكفير الهجرة أنه لا يمكن التوفيق بين تعلم العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية أو المادية، أو أنه يمكن التوفيق بين بذل العمر في صنع هذه المدنية الرائعة، والبلاغ والجهاد في الله حق جهاده، وبناة المدنية أن يكونوا عباداً لله في نفس الوقت - من كان يظن ذلك فليشهد على نفسه أولاً بقلة الحياء، ثم ليفعل بعد ذلك ما شاء، وهؤلاء هم الذين قيل لهم أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُون بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ) (الاحقاف : ٢٠) (١) . قائمة على هدى من الله ورضوان ولكن هذا لا يعني أن المسلمين لا يمكنهم التوفيق بين مقررات دينهم وقيمه، وبين معطيات التقدم التقني العلمي، لكي يقوموا بواجب البلاغ والجهاد، لا سيما وأن المسلمين لا يعانون عقدة الفصام بين العلم والدين التي قادت النهضة العلمية في أوربا وطبعتها بطابعها؛ وينمو ويتقدم تحت رعاية القيم الدينية، والمبادئ الأخلاقية المرتبطة به .