الخامس: (ولهم عذاب أليم) خاتمة الأمر أنهم مستحقون للعذاب، وهذا يؤكد أن المسلم يبتعد عن الحلف الكاذب، سواء حصل له به نفع كوجود مال أو نحوه، أو حصل له دفع شر أو ضرر أو ما أشبه ذلك، وحتى لا يأخذ ما لا يستحقه من مال أخيه المسلم بهذه اليمين الفاجرة التي عظم فيها الله تعالى ولم يحترم هذا الاسم؛ وجعل الفجار مقابلين للأبرار فقال تعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:١٤] ، وقال تعالى: {إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين:٧] ، فمن الفجور الفجور في الحلف، ويدخل في ذلك أيضاً أن يحلف كاذباً عند البيع، وقد ورد أيضاً ذم الذي لا يبيع ولا يشتري إلا بيمينه، أو الذي عرض سلعة بعد العصر فحلف أنه أعطي فيها كذا وكذا وهو كاذب، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم مع المعذبين الذين يستحقون العذاب، وما ذاك إلا أنه كذب في حلفه وفجر، ثم مع ذلك ظلم أولئك الذين عرض عليهم تلك السلعة وصدقوه في كذبه وفي حلفه، أي: حلف أن هذه السلعة تساوي مائة وهي لا تساوي إلا ثمانين -مثلاً-، أو حلف أنه باع جلدها بعشرة وهو كاذب، أو حلف أنه قد بذل له فيها مائة وهو كاذب، فيجمع بين الاستهانة بأسماء الله تعالى والكذب وأخذ المال بغير استحقاق، فيدخل فيمن اشترى بآيات الله وبيمينه ثمناً قليلاً؛ لأن المصالح الدنيوية كلها تعتبر ثمناً قليلاً، ولو كثر ماله بسبب كثرة الحلف فإن مآله إلى الخسار ومآله إلى الذل، ولو حصل له ما حصل فإن عاقبته أن يعاقبه الله تعالى فيحاسبه على هذا المال الذي اكتسبه بهذه الأيمان الكاذبة.