ویرى تايلور أن سياسة الاعتراف تعني الإقرار بالتباينات ما بين الجماعات و خصوصيات كل منها بصورة رسمية، يغدو بروز النزعة القومية والإثنية لدى الأقليات أمراً لا يمكن الحؤول دون قيامه إذا واجهت الجماعة المتمركزة إقليمياً ما يمكن أن تفهمه على أنه هيمنة أو اضطهاد ممارس تجاهها من قبل جماعة أخرى ونتيجة لذلك، فقد نجمت لدى الأقليات الحاجة إلى الاعتراف بخصوصياتها وتباينها في ما بينها من جهة، وبينها وبين الأكثرية المهيمنة ثقافياً من جهة أخرى. فإن شخصاً أو جماعة ما ستعاني ضرراً حقيقياً وتشويهاً خطيراً إذا ما كون الناس أو المجتمع المحيط بهم صورة مختزلة أو مهينة أو مزدرية عنهم ونقلها إليهم في الوقت ذاته. ومثال ذلك حالة السود والسكان الأصليين في الولايات المتحدة وفي الوقت ذاته، فإنَّ الإمبريالية الثقافية تشتمل على إضفاء الصفة الشمولية على تجربة وثقافة الجماعة المهيمنة وما أنشأته من مؤسسات حتى تغدو مثالاً تحتذي به الأقليات الثقافية بل من الممكن أيضاً أن يتسبب في إحداث جرح، فالتحاور هو الذي يقود إلى تعيين ملامح التماثل والتباين ما بين الهويات، وكذلك الحال مع الجماعات، فحينئذ ينبغي أن يكون الاعتراف المجتمعي بالهوية معدوداً من بين الحاجات الأساسية للأنا» وأن الإنسان بذاته، وإلا ستغدو هذه الهوية في حال من الاهتياج والسعي المكثف إلى الحفاظ على الخصوصية والتمايز بفعل سوء الاعتراف بها أي نتيجة اضطهادها بعبارة أكثر وضوحاً. بالشكل الذي يُفضي إلى تبلور نزعة إقطاعية جديدة فيها. وإذا قصرت الدولة في هذا الدور - وكيف لا تقصر في جانب ما طالما أنها لا تستطيع أن ترضي الجميع بالمقدار نفسه - تتشكل سلطات أخرى تأتي لتكمل تجاه جماعات واسعة إلى حد ما مهمة الحماية التي لم تعد الدولة تُؤَمِّنها مما يضطر الأفراد إلى البحث عن مصادر بديلة توفر لهم الشعور بالأمن والاستقرار وتتمثل تلك المصادر عادةً في الجماعات التيتسبق في وجودها وجود الدولة ذاتها، ومن ثم يتشكل نوع جديد من السلطات يعمل على منافسة سلطة الدولة. وليس العنف الممارس من قبل النخبة القوية هو الذي يثير هذه «السلطات المنافسة» لسلطة الدولة، ثم محاولة الأخيرة السيطرة على الدولة، وهذا ما يدفع بصورة جوهرية إلى قيام التنافس والنزاع بين الأقليات والأكثرية حول الدولة وامتيازات السيطرة عليها وبناء عليه، ففي الماضي كانت الجماعات الثقافية ترفض الخضوع لقانون الدولة، وتحاول أن تنأى بنفسها إقليمياً عن الدولة الوليدة، وتضفي على نفسها شرعيتها بذاتها، وإنما إملاء محتواه على قانون الدولة، وإنما الإقرار بأنهم أعداء الدولة» إذ يعتقدان أن هناك آليتين تساعدان معاً على استمرارية الجماعات الإثنية في الاحتفاظ بهويتها في أوروبا. فالآلية الأولى هي التي تسهم في تشكيل الجماعات الإثنية، ويتمثل ذلك في النطاق الذي يتفاعل فيه أعضاء الجماعة كلياً وضمن حدود جماعتهم، ولكن ماذا عن الجماعات القومية الأخرى التي تتمتع بمراكز سياسية واقتصادية متميزة، ليكون ذلك بمثابة آلية دفاعية موجهة بالضد من فكرة الاندماج ثقافياً في الثقافة السائدة؟ ثم أليست هذه النزعة تدفعها أيضاً للسعي إلى الاستيلاء على الدولة؟ ٣ - التفسير العولمي يتم إيلاء التركيز على عاملي الهجرة الدولية وتقنيات الاتصال وتأثيرهما في صحوة الهويات واحتفاظها بروابطها الثقافية. أو مجتمعاً فإذا كانت الهجرة متفرقة وبطيئة وغير متجانسة، فإنها ستفضي عادة إلى إضفاء الصبغة الكالبتية على المجتمع المستقبل، ولكن إذا ما وَفَدَ المهاجرون بمعدلات عالية، وكانوا على وجه خاص يؤلفون جماعة متجانسة ثقافياً، ومن ثم يفضي ذلك إلى إسباغ الطابع الريغالي على المجتمع ككل وبناء على هذا المنظور، ومن أشكالها الحالية الدعوة إلى سَنّ قوانين أكثر صرامة للحد من دخول المهاجرين وذلك نتيجة غلبة مشاعر كراهية الأجانب وغلبة الطابع الريغالي للمجتمع على نحو ما نراه بكل وضوح في أوروبا الآن» وإنما هو ظاهرة أصلية وعامة، ويمكن أن تصبح النسبة أكبر من ذلك في المراكز الحضرية الكبرى يتمثل العامل الأول في عدم الاستقرار السياسي في الكثير من مناطق العالم الثالث، بحيث يتعاملون حيناً مع الغرباء، فإن العامل التقني أصبح يساعدهم في الاحتفاظ والتمسك بثقافاتهم، فإنه لا يكون بمقدورها استيعاب المهاجرين وتكييفهم مع الثقافة الغربية على النحو المطلوب، يمكن القول إن العولمة تعمل على تعزيز فاعلية الأقليات، فعلى حد قول مكلوهان، وذلك لأن هناك سبلاً عديدة تعمل فيها الدولة على تجريد الأقليات من قوتها على نحو منظّم دون انتهاك حقوق الفرد، والحقيقة هي أن عملية بناء الأمة يمكن أن تعمل على تحطيم الأقلية حتى إذا تمت العملية نفسها بموجب دستور ديمقراطي ليبرالي». والبناء الفكري للحركات القومية في تلك الأقاليم ثانياً، ففي كل هذه الدول توجد هناك ديناميكية واحدة تعمل على تحريك الأقليات القومية وإثارتها، ويعني ذلك أن كل لغة ستغدو مستقبلاً هي المهيمنة داخل نطاق إقليم معين، وفي الوقت نفسه ستتلاشى تدريجياً خارج نطاق ذلك الإقليم. بحيث إن الأخيرة منهما تعد سبباً ونتيجة للأولى في آن واحد. فقد أصبحت اللغة عاملاً فاعلاً بصورة متزايدة في رسم حدود المجتمعات السياسية في البلدان المتعددة اللغات ب ـ البناء الفكري للحركات القومية بل تقوم أيضاً بجعلها ذات معنى بالنسبة إلى الفرد ذاته. فإن تفتت ثقافة المرء المجتمعية تدريجياً ستؤدي إلى التلاشي التدريجي للاستقلال الذاتي الفردي، أي أنها تسعى هي الأخرى إلى تشييد المجتمع فإن النزعة الإقليمية للأقلية الناجمة بفعل العامل اللغوي نزعة تعمل على دفع الأقلية إلى مقاومة سياسات بناء الأمة. وإن ما يزيد هذه الأقليات فاعليةً في إبداء تلك المقاومة هي طبيعة البناء الفكري لحركاتها القومية، أي بمعنى اعتقادها بعدم وجود التناقض ما بين الحرية الفردية ومطالبها السياسية ذات الصبغة الجماعية، بحيث أضحت هذه الأقليات تنظر إلى ذاتها من زاوية كونها أمماً داخل الأمة. وهذه الخيارات هي : ولكنها قد تحاول في الوقت ذاته التفاوض حول شروط الاندماج مثل تكوين مؤسساتها التعليمية والاقتصادية والسياسية وفقاً للغتها الخاصة. ستنخرط كل منها في عملية بناء أمة خاصة بها، ۳) في إمكان الأقليات القبول بالتهميش الدائم وبناء على ذلك، وعلى النحو الآتي: ١) فالمهاجرون يلجأون إلى تبني الخيار الأول، والعنصر الثاني هو أن تقوم المؤسسات العامة التي تعمل على دمج المهاجرين، بتوفير الدرجة نفسها من الاحترام والاعتراف والتعاون مع هويات وممارسات المهاجرين الثقافية، مثل السيطرة على اللغة المعتمدة في المناهج الدراسية وفي الجهاز الإداري للدولة، لكونهم أصلاً يعتبرون مثل هذه المؤسسات الدنيوية مؤسسات فاسدة» ففي حالة الأقليات القومية نجد أنَّ إكراهها على اعتماد لغة الأكثرية يشكل بالنسبة إليها تهديداً كبيراً بحكم كونها متميّزة ثقافياً. تؤدي بالنتيجة إلى تجريد الأقليات القومية من تلك المؤسسات والسلطات التي تمتعوا بها لقرون مضت، بحيث إن تشكيل الدولة قام أصلاً على فكرة الدمج لأمم متباينة في دولة واحدة عن طريق القسر والإكراه، وذلك إما عبر سبيل غزو مجتمع ثقافي ما والهيمنة عليه من قبل مجتمع آخر، وليس رفض فكرة الاندماج بذاتها ويتبين من ذلك، الناحية الأولى أن العلاقة بين المهاجرين والأقليات القومية كانت علاقة مثقلة بالتوتر تاريخياً، ستغدو عندئذ الأقلية القومية فلماذا لا نعمل على دمج الأقليات القومية أسوة بهم؟» ونتيجة لذلك، يمكن القول إن سياسات بناء الأمة القائمة على إكراه الأقليات للاندماج في الثقافة السائدة، حيث كان المركز إبانها ضعيفاً في مواجهة أطراف قوية. مما يضطر الأفراد إلى البحث عن مصادر بديلة توفر لهم الشعور بالأمن والاستقرار وتتمثل تلك المصادر عادةً في الجماعات التيتسبق في وجودها وجود الدولة ذاتها، ومن ثم يتشكل نوع جديد من السلطات يعمل على منافسة سلطة الدولة. لا يعود المجتمع بأسره سوى قلاع متقاربة أو ساحات منعزلة تنطلق منها الهجمات ضد حصن الدولة ) ففي ظل عجز الدولة عن توفير الأمن أو قصورها في ذلك، فإن انكفاء الأفراد على الجماعات التي ينتمون إليها، ثم محاولة الأخيرة السيطرة على الدولة، تجعل الجماعة التي تحكم قبضتها على الدولة بمثابة الجماعة الأعلى مكانة مقارنة بغيرها. وهذا ما يدفع بصورة جوهرية إلى قيام التنافس والنزاع بين الأقليات والأكثرية حول الدولة وامتيازات السيطرة عليها وبناء عليه، تغدو الدولة بذاتها هي باعث توليد هذه النزعة الإقطاعية الجديدة. ففي الماضي كانت الجماعات الثقافية ترفض الخضوع لقانون الدولة، وإنما إملاء محتواه على قانون الدولة، نجد أن هيكتر وليفي يستندان بحكم توجههما اليساري إلى العامل الطبقي - الإثني في تفسير هذه الظاهرة، إذ يعتقدان أن هناك آليتين تساعدان معاً على استمرارية الجماعات الإثنية في الاحتفاظ بهويتها في أوروبا. لأن بنية فرص الحياة لدى الجماعات الإثنية البروليتارية عموماً تكون بنية محدودة أكثر مقارنة بالجماعات البرجوازية ومن ثم فإن تشكّل الجماعة يقوم على أساس انفعالي، ويتمثل ذلك في النطاق الذي يتفاعل فيه أعضاء الجماعة كلياً وضمن حدود جماعتهم، بحيث يكون الموضوع الرئيسي لقيام هذا التفاعل متمثلاً في مكان العمل، وأفضل مؤشر دال عليه هو مدى احتكار أعضاء الجماعة للمراكز التي تتطلب كفاءات معينة داخل البناء الوظيفي وهو الذي يضفي على النشاط الوظيفي طابعاً إثنياً وطبقياً في الوقت ذاته. بحيث يُمكنها من توفير الحوافز اللازمة لإعادة إنتاج الجماعة لنفسها بمرور الأجيال. فإن الأمر يستند إلى وجود ثقافة مختلفة في الأطراف عن ثقافة المركز ويرى الباحث أن هذا المنظور يساعد على تفسير انبعاث بعض الهويات القومية، ولكن ماذا عن الجماعات القومية الأخرى التي تتمتع بمراكز سياسية واقتصادية متميزة، فهي وفقاً لفوغ تدفع كل مجتمع من هذه المجتمعات إلى أن يصبح إما مجتمعاً كالبتياً (Kalyptic Society)، أو مجتمعاً فإذا كانت الهجرة متفرقة وبطيئة وغير متجانسة، فإنها ستفضي عادة إلى إضفاء الصبغة الكالبتية على المجتمع المستقبل، لأنه سينظر إلى المهاجرين من زاوية أنهم مجرد أفراد لا جماعات، ولا سيما أن المهاجرين أصلاً سرعان ما يندمجون في المجتمع لأنهم لا يمتلكون أية إمكانية للحفاظ على ثقافاتهم الأصلية( ولكن إذا ما وَفَدَ المهاجرون بمعدلات عالية، وكانوا على وجه خاص يؤلفون جماعة متجانسة ثقافياً، فإن ذلك سيؤدي إلى إمكانية قيامهم بتشكيل تجمعات سكنية خاصة بهم، نظراً إلى أن كل فريق له ثقافته التي لم تكد تمتزج بغيرها». ومن ثم يفضي ذلك إلى إسباغ الطابع الريغالي على المجتمع ككل وبناء على هذا المنظور، نتيجة توجه المهاجرين إلى الاستقرار في مناطق توطن الأقليات عينها. فهم من الناحية النفسية يبقون متعلقين بوطنهم، بحيث يتعاملون حيناً مع الغرباء، ومن ثم عدم الاندماج في ثقافة البلد المستقبل وحتى إذا استطاعت البلدان الغربية جدلاً التغلب على آثار هذا العامل، وفي خلال هذه الفترة عينها يكون قد تم استقبال موجات هجرة جديدة، وذلك بالرغم من أن الدول وغيرها من الأشخاص الدوليين يتجهون جميعاً نحو المزيد من النشاط والتكتل المؤسساتي دولياً، فهي بذلك عملية مركبة تجمع بين البعدين العالمي والمحلي، وذلك خلافاً لما تنبأ به عالم الاجتماع الكندي مارشال مكلوهان (Marshal McLuhan). فعلى حد قول مكلوهان، والحقيقة هي أن عملية بناء الأمة يمكن أن تعمل على تحطيم الأقلية حتى إذا تمت العملية نفسها بموجب دستور ديمقراطي ليبرالي». والبناء الفكري للحركات القومية في تلك الأقاليم ثانياً، أ ـ عامل اللغة مثل بلجيكا وإسبانيا وسويسرا وكندا، ففي كل هذه الدول توجد هناك ديناميكية واحدة تعمل على تحريك الأقليات القومية وإثارتها، بحيث يتم من خلالها ما يلي : تصبح الجماعات اللغوية المتميزة أكثر نزوعاً إلى الإقليمية (Territorialization). وفي الوقت نفسه ستتلاشى تدريجياً خارج نطاق ذلك الإقليم. ففي كل هذه الدول توجد هناك ديناميكية واحدة تعمل على تحريك الأقليات القومية وإثارتها، تصبح الجماعات اللغوية المتميزة أكثر نزوعاً إلى الإقليمية (Territorialization). ويعني ذلك أن كل لغة ستغدو مستقبلاً هي المهيمنة داخل نطاق إقليم معين، وفي الوقت نفسه ستتلاشى تدريجياً خارج نطاق ذلك الإقليم. ۲) تطالب الجماعات اللغوية المتمركزة إقليمياً على نحو متزايد بنيل الاعتراف السياسي وسلطات الاستقلال الذاتي في أقاليمها التاريخية، فقد أصبحت اللغة عاملاً فاعلاً بصورة متزايدة في رسم حدود المجتمعات السياسية في البلدان المتعددة اللغات واستناداً إلى ذلك، بل تقوم أيضاً بجعلها ذات معنى بالنسبة إلى الفرد ذاته. وهو الاحتمال الذي ستواجهه الأقليات القومية التي لا تحوز حقوق الاستقلال الذاتي الجماعي». فأنا أعتقد أن الكثير من النزعات القومية للأقليات في أنحاء العالم لا تختلف عن النزعة القومية للثورتين الفرنسية أو الأمريكية، أي أنها تسعى هي الأخرى إلى تشييد المجتمع الحديث، فهذه الحركات القومية ليست رد فعل دفاعي ضد الحداثة فإن النزعة الإقليمية للأقلية الناجمة بفعل العامل اللغوي نزعة تعمل على دفع الأقلية إلى مقاومة سياسات بناء الأمة. على أساس أن الثقافة بذاتها هي التي تعيّن نطاق حرية الفرد وخياراته في الحياة. وهذا ما يساعد الأقليات القومية عموماً على الاحتفاظ بخصوصياتها، وعدم الاندماج في الثقافة المهيمنة، بحيث أضحت هذه الأقليات تنظر إلى ذاتها من زاوية كونها أمماً داخل الأمة. يتبادر إلى الذهن التساؤل التالي : كيف تُحدِثُ سياسات بناء الأمة مثل هذا التأثير العميق في الأقليات على النحو الذي يدفعها إلى مقاومتها بكل ما أوتيت من مقدرة؟ وفي حال وقوع الأقليات في مثل هذا المأزق سيكون أمامها ثلاثة خيارات رئيسية ، وهذه الخيارات هي : ۲) باستطاعة الأقليات السعي إلى إيجاد أنواع من الحقوق والسلطات ذات الصلة بالاستقلال الذاتي بغية الحفاظ على ثقافاتها المجتمعية، ۳) في إمكان الأقليات القبول بالتهميش الدائم وبناء على ذلك، وعلى النحو الآتي: والعنصر الثاني هو أن تقوم المؤسسات العامة التي تعمل على دمج المهاجرين، بتوفير الدرجة نفسها من الاحترام والاعتراف والتعاون مع هويات وممارسات المهاجرين الثقافية، شأنهم في ذلك شأن جماعة الأكثرية ٢) أما الأقليات القومية، مثل السيطرة على اللغة المعتمدة في المناهج الدراسية وفي الجهاز الإداري للدولة، وذلك إما عبر سبيل غزو مجتمع ثقافي ما والهيمنة عليه من قبل مجتمع آخر، أو عندما يتم التنازل عن موطن ذلك المجتمع من قبل قوة استعمارية لصالح قوة أخرى، فإن الأقليات القومية تطالب في يومنا الراهن بالاعتراف رسمياً بلغاتها وثقافاتها، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن هذا المطلب يتخذ شكل حركة انفصالية ساعية إلى إقامة دولة مستقلة. وربما قد يشمل ذلك الهجرة أيضاً أما بالنسبة إلى المهاجرين، كما يدركون عموماً أن فرص حياتهم وحياة أبنائهم مرتبطة بصورة رئيسية بالاندماج في مؤسسات الدولة والعاملة بلغة الأكثرية. وليس رفض فكرة الاندماج بذاتها ويتبين من ذلك، أن الدولة - الأمة هي التي جعلت الأقليات واعية لذاتها الجماعية وكيانها الثقافي، وبالإمكان حدوث الخلاف والتصادم ما بين استجابة الأقليات القومية واستجابة المهاجرين لسياسات بناء الأمة، أي بمعنى قيام ردود فعل دفاعية من لدن الأقليات تجاه المهاجرين. ويعمد كيملكا إلى تبيان التعقيد الحاصل في هذه العلاقة، وكذلك قابلية انتقال أكبر ما بين أقاليم الدولة. فإنه إذا ما اندمج المهاجرون في دولة متنوعة القوميات، وأصبحوا جزءاً من جماعة الأكثرية، بصورة تدريجية أقل عدداً وقوةً بكثير في الحياة السياسية مقارنة بالأكثرية. نجد أن حقيقة أن المهاجرين أكثر رغبة وقابلية للاندماج في ثقافة الأكثرية المهيمنة هي حقيقة عادة ما تستخدم كقاعدة لتأكيد وجوب دمج الأقليات القومية أيضاً، فلماذا لا نعمل على دمج الأقليات القومية أسوة بهم؟» ونتيجة لذلك، وهو ما دفع الأقليات القومية إلى أن تظهر غالباً في صورة نزعة قومية إثنية، ينبغي للدولة الأمة أن تجري التغيير في أساسها الفكري بما ينسجم مع تنوع واقعها الثقافي والمجتمعي، أن تباين الأقليات القومية والإثنية والدينية في تجاوبها مع سياسات بناء الأمة إنما هو ناجم عن تباين في درجة شعور كل منها بالتهديد، ولكن مع عدم الاندماج في الثقافة المهيمنة، وأخيراً الاندماج في تلك الثقافة، أليس هناك من تفسير آخر لهذه الظاهرة؟ ألا يمكن تفسير هذه الظاهرة استناداً إلى الإنسان بذاته وسبب حمله للهوية منذ أن شكل أول جماعة اجتماعية، سواء على صعيد الفرد أو الجماعة. هما اللذان يدفعان كُلاً من الفرد والجماعة إلى التمسك بالهوية الثقافية، إذ من الملاحظ في هذا الخصوص أنَّ البنية النفسية للإنسان تحكمها نزعتان جوهریتان : النزعة الأولى هي نزعة التفرّد والاستقلال بالذات، والثانية هي النزعة الاجتماعية التي تدفعه إلى الاندماج في الجماعة، نظراً إلى حاجة الإنسان إلى الشعور بالأمان. فينجم عن استمرارية عَيشِهِ داخل الجماعة ولادة نزعة البقاء والتمسك بالجماعة وهويتها، أي بمعنى أنه لا يتمكن من الشعور بلذة الاستقلال الذاتي إلا حين ممارستها داخل الجماعة، وفي الوقت عينه فإنَّ ممارسته للنزعة الاجتماعية في غياب الاستقلال الذاتي تجعل الإنسان مجرد عُضو في قطيع. فإن تمسك الإنسان بهويته الثقافية هو في جوهره آلية للدفاع عن الذات، فالقول إن تمسك الإنسان بهويته نابع عن حاجته إلى فهي مجرد اشتقاق فرعي من حاجة الإنسان إلى الشعور بالأمان في ظل الجماعة، وهنا نجد من الضروري التمييز بين الهوية وعضوية الجماعة، فالهوية هي بإيجاز شعور المرء بالانتماء إلى الجماعة. فهي نتيجة مترتبة على امتلاك الهوية، أما عضوية الجماعة فهي مصدر شعور الجماعة بالأمان. أن الهوية ذات بعدين رئيسيين : البعد الأول داخلي يتمثل في كون الهوية علاقة شعورية مكتسبة من الانتماء إلى الجماعة، والبعد الثاني خارجي ويتجسّد في أن الهوية تعكس رغبة الإنسان في التمايز من غيره ممن ينتمون إلى الجماعات الأخرى. فهي ذات بعد خارجي وحسب. فهي تركّز اهتمامها على ما يُقدمه العضو إلى الجماعة من منافع ومزايا، وذلك بالولاء للجماعة وإطاعة رموزها وممارسة معتقداتها، فإنَّ وجود تهديد موجه إلى هذه الجماعة، سواء أكانت الجماعة أقلية قومية أو كانت من المهاجرين أو طائفة دينية، فإن هذا التهديد يستهدف في جوهره شعور أعضاء الجماعة أنفسهم بالأمان، ليهدد بالتالي عضوية الجماعة بالتلاشي، يتولد رد فعل من لدن الجماعة يستهدف إعادة وضعية الشعور بالأمان إلى نصابها، بحيث تعمل الجماعة على تعبئة موروثها الثقافي ورموزها، هذه العلاقة القائمة ما بين الجماعة وبيئتها تصح على العلاقة القائمة ما بين الأقلية والدولة - الأمة. فالأقلية باعتبارها جماعة، سواء انتهجت سبيل العزلة أو الاندماج بشروط، أو عدم الاندماج مع البقاء ضمن كيان الدولة، وتعمل على إشباع نزعتهم إلى البقاء والاستمرار ثقافياً. سيتولد لديهم بالنتيجة شعور جماعي مغاير، لأنها فشلت عملياً في التعامل مع الأقليات، فليس من المستغرب أن تعمل المجتمعات المتعددة ثقافياً على إثارة قضايا لم تواجهها المجتمعات القديمة، أو على الأقل لم تواجهها بصيغتها الحالية، وبطبيعة الحقوق الجماعية عموماً. فهل من الواجب على الدولة تجاهل التنوع الثقافي أم الاعتراف به رسمياً، فهل يتوجب إضفاء مكانة متميزة على الثقافة المهيمنة فيها أم التعامل مع كافة الثقافات بصورة متساوية؟ . وكيف يمكن للدولة الجمع ما بين احترام التنوع الثقافي والعمل على ضمان الوحدة السياسية؟»( ولعلَّ التباين الجوهري بين المجتمعات القديمة والحديثة يكمن في فكرة المطالبة بالحقوق الجماعية، هما : دائرة حول تلك الأقلية بذاتها. مما دفعها إلى التشديد على البعد السيكولوجي للأزمة ووصفها بأنها متولدة عن انخفاض قدرة الدولة في التحكم بسياساتها الداخلية وتفتت نظامها الاجتماعي. ذلك أن كل تفسير منها يركز على نوع معين من الأقليات، دائرة حول تلك الأقلية بذاتها. مما دفعها إلى التشديد على البعد السيكولوجي للأزمة ووصفها بأنها متولدة عن انخفاض قدرة الدولة في التحكم بسياساتها الداخلية وتفتت نظامها الاجتماعي. عمد التفسير السلطوي إلى إيلاء اهتمامه بالأقليات القومية، من خلال التركيز على الأقليات القومية والمهاجرين معاً وعلاقتيهما بالدولة - الأمة وسياسات بناء الأمة، لم تأخذ بالحسبان أن الدولة - الأمة بذاتها هي السبب الرئيسي للأزمة، بل ركزت على العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتقنية. وسعيها إلى الاستحواذ على الدولة، غير أن التفسير السلطوي اكتفى بذلك دون تبيان طبيعة أداء سياسات هذه الدولة وعلاقاتها بعملية بناء الأمة وآثارها في الأقليات. وهو حاجة الإنسان والجماعة إلى الشعور بالأمان. إذا كانت هذه الأزمة ذات أبعاد عدة ونطاق واسع الانتشار في الحياة الغربية، لكونها تتعلق بصميم بنية النظام الذي قد يحتاج إلى جراحة شاملة تؤدي إلى تغيير نسق القيم الذي يتكون منه» واستناداً إلى ذلك، في النسق ينجم عن عملية معقدة وسريعة تحدث في الوقت نفسه وتؤدي إلى صراعات، لم تأخذ بالحسبان أن الدولة - الأمة بذاتها هي السبب الرئيسي للأزمة، بل ركزت على العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتقنية. وسعيها إلى الاستحواذ على الدولة، إذا كانت هذه الأزمة ذات أبعاد عدة ونطاق واسع الانتشار في الحياة الغربية، لكونها تتعلق بصميم بنية النظام الذي قد يحتاج إلى جراحة شاملة تؤدي إلى تغيير نسق القيم الذي يتكون منه» واستناداً إلى ذلك، نتيجتها إبطاء إيقاع الممارسة، لم تأخذ بالحسبان أن الدولة - الأمة بذاتها هي السبب الرئيسي للأزمة، لكونها تتعلق بصميم بنية النظام الذي قد يحتاج إلى جراحة شاملة تؤدي إلى تغيير نسق القيم الذي يتكون منه» في النسق ينجم عن عملية معقدة وسريعة تحدث في الوقت نفسه وتؤدي إلى صراعات، نتيجتها إبطاء إيقاع الممارسة، تحقيق التطابق بينها وبين النظام الاجتماعي ككل.