طبيعة العولمة ومضامينها الأساسية منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى بداية العقد السابع من القرن العشرين، ثم تسارعت هذه العملية في أعقاب الهيار بلدان المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفياتي وغياب مجلس التعاضد الاقتصادي. وعملية العولمة مستمرة إذ ما تزال في بدايات الطريق. وتشمل العولمة جميع مراحل عملية إعادة الإنتاج أو العملية الاقتصادية بمجملها، بل تمتد سلباً أو إيجاباً، إلى بقية بلدان وشعوب العالم (۱) ويمكن فيما يلي تشخيص عدد من الخصائص الأساسية التي تميز هذه العملية المتون العولمة بثورة مستمرة في مستوى تطور القوى لمنتجة في الجزء الأكثر تقدماً من العالم الرأسمالي وبتعاظم الطابع الاجتماعي للقوى المنتجة واستمرار امتلاك الرأسمالية القدرة على توفير التناغم النسي المطلوب بينها وبين علاقات الإنتاج الرأسمالية. إضافة إلى غزو الفضاء الكوني والبحث فيه وتقريب آجال استثماره الفعلي، أي بينا الحوسبة الحديثة (الكومبيوتر) الاتصالات والوسائط المعلوماتية (الإلكترونيات) الأكثر حداثة التي تشكل مجتمعة المسار الجديد في البنية الصناعية الحديثة التي تتطلب المزيد من التوظيفات الرأسمالية، والتي خصصتها المراكز الصناعية الثلاثة لها فعلاً حتى عام (٢٠١٥) ميلادي. (۲) وستظهر التغييرات العميقة لهذين الاتجاهين في العولمة على نمط تفكير وأساليب وأدوات عمل وحياة ونشاط الإنسان في مختلف المجالات، وهي تمارس دورها منذ نهايات القرن العشرين في تغيير الكثير من قيم أخلاقيات وتقاليد ) وعادات وسلوك الفرد والمجتمع لا على صعيد العالم الرأسمالي المتقدم فحسب. وستواجه كثرة من الأفكار القديمة الراسخة حتى الآن مثل إشكاليات الهوية والعنصرية والأحكام المسبقة إزاء الآخر والحنين للماضي في الحاضر اهتزازاً شديدا ورفضاً واسعاً باعتبارها جزءاً من ماضي لا يمكن أن يعود. إذ ستبقى لكل ثقافة ماموسيتها على أرض الواقع. في فتح أبواب جديدة أمام شعوب وبلدان العالم الثالث لاستقبال رياح التغيير الحضاري الا الجديدة، ومن هنا يمكن أن تتقلص فجوة التطور بين بعض البلدان أو الثورة المعاصرة ستجد طريقها إلى جميع أرجاء العالم ويمكن أن تصل إلى كل الناس دون قيود أو حدود، فهي لا تحتاج إلى جواز سفر أو سمة دخول. وتثير في الوقت نفسه مخاوف غير قليلة. ومن هنا تأتي للمخاوف بشأنها. ولكن بشكل خاص لبلدان العالم الثالث. ا الفارسة التدخل الفظ لفرض "الحرية التامة، أما انتقال رؤوس الأموال والتبادل التجاري وإلغاء القيود الجمركية وتحقيق الإصلاح والتكيف في اقتصاديات البلدان المختلفة مع بنية واقتصاديات الشركات الرأسمالية المتعددة الجنسية على بقية بلدان العالم دون الأخذ بالاعتبار تر ظروف تلك البلدان ومشكلاتها ولكنها تقف في الوقت نفسه ضد انتقال وهجرة الأيدي العاملة (عدا هجرة الأدمغة التي تشجعها وتقيم الحواجز إزاء ) العالم النامي لهذا الغرض. والاستقرار وكذلك مستلزمات استمرار تطور الرأسمالية وبقاء الحياة العامة هادئة دون تهديد للنظام الرأسمالي، أي دون أن تعصف بها التناقضات والصراعات الاجتماعية والسياسية. وهي في هذا تتجاوز حتى على أسس الديموقراطية التي تستوجبها طبيعة العولمة ذاتها. حيث تبدو بوضوح عمليات الاستلاب المستمرة للثروة من أجزاء متزايدة من السكان وحرمانها من أبسط مقومات استمرارها في العمل والعيش الكريم في مقابل المزيد من الثروة والاغتناء المجموعات صغيرة جداً من الاحتكاريين المهيمنين على الاحتكارات المتعددة الجنسية، وتقوم تلك الشركات المتعددة الجنسية بالسيطرة على مصادر إنتاج الموارد الأولية ويلعب الرأسمال المضارب والأسواق المالية الدولية دوراً متميزاً ومتنامياً في سياسات العولمة ويلقي بظلاله على اقتصاديات وبورصات العالم الثالث ويتسبب لها بأزمات حادة تدفع إلى هروب رؤوس الأموال منا إلى بلدان الشمال المتقدمة. وإذا تسمح العولمة بنشوء نظرة ذات طبيعة شمولية وعامة للطبيعة ومواردها الأولية والبيئة والإنسان وحقوق الإنسان، وكذلك المنافسة غير العقلانية المحتدمة في ما بينها، تتحول في بعض أبرز جوانبها إلى طبيعة سلبية بسبب تلك السياسات في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالية وتجارب الشعوب تشير إلى أن الدول الرأسمالية المتقدمة بدأت تستخدم حقوق الإنسان أداة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى عندما تجد في ذلك ما يخدم مصالحها وتكف عنه عندما يتعارض مع تلك المصالح. ومن هنا انطلق البعض للقول بوجود "عولمة أمريكية" وأخرى أوروبية تقاوم العولمة الأمريكية، ولكنه ما يزال في بداية الطريق. ولكن هذه الثقافة الحديثة ذات الاتجاهات العامة ستأخذ خصوصيتها الملموسة من واقع ومستوى تطور كل بلد من البلدان ومن تراثها المخزون نسبيا. ولكن التقنيات في الجوهر تخدم تقدم الإنسان وتحسين أوضاعه. ولا شك في أن العولمة تثير مخاوف رجال الدين المتشددين والأحزاب الأصولية المتطرفة وبعض القوى القومية، أو أن تعطس كلما أصيبت أمريكا بالزكام، الى لقد تغيرت المفاهيم بعد أن أصبح القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً ينطح في طريقه كل شيء لفرض نظام القطب الواحد، بل السيطرة عليها أيضا من خلال الأنشطة الإعلامية لتصبح أكثر عالمية لتسهم في خلق القرية الكونية" التي ليس لها هوية حضارية، أو ذاتية مستقلة تعبر عن رغبة الشعوب التاريخية في السيادة والاستقلال ومواجهة التحدي الأمريكي والأوروبي وذلك بسوق الجميع نحو بيت الطاعة الأمريكي. وأولها العقيدة الإسلامية، حيثما تستدعي مصالحها التدخل بدون أن تسمح بأي دور لهذه البلدان في حل مشاكلها الخاصة - السياسية والأمنية، وتتخذ أمريكا من تعميم "قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان" على الطريقة الغربية جنباً إلى جنب مع آليات السوق الرأسمالية،