فالمقصود بالتنمية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي هو الإنسان فإذا لم تفهم النتاج الثقافي لهذا الإنسان في أي مكان كان لايستطيع التأسيس لتنمية مستدامة، لذا فخطط التنمية يجب ألا تكون متعجلة لأن عملية التنمية ضرورة تكون بطيئة ومتدرجة حتى لا نقع في هوة الفشل. وكان الغرض الأكثر أهمية هو البحث عن مناهج تؤدي إلى الملاءمة بين أصالة الثقافات التقليدية وظروف الحياة الحديثة وتأثيراتها وعندما نشرت اليونسكو تقريرها - يكتب(1) رشدي صالح في مقال له بعنوان الفولكلور والتنمية - "حرصت على التنويه بأنهم لم يبتغوا البحث العلمي البحت، كما أن جهل أو تجاهل القيم العقلية والأخلاقية والروحية الخاصة بكل ثقافة لن يفسد المرامي التنموية فقط بل يعرّض أنبل المشروعات للفشل وكوارث لا يمكن تجنبها". أرى أن ميادين الموروث الثقافي للشعوب حسبما ورد في تصنيفات بعض الباحثين في هذا المجال أن جميع الميادين وهي - الأدب الشفاهي - الثقافة المادية - فنون الأداء - العادات والمعتقدات والممارسات والمعارف الشعبية ما هي إلا حلقات يأخذ بعضها برقاب بعض. كتبت في مقال سابق لي: "أن(2) الإنتاج اليدوي وتوثيقه مهم ولكن ألا تهمنا الفكرة من ورائه ومعرفة طريقة إنتاجه ومكانه في الحياة البشرية. في حقيقة الأمر فإن المعرفة والمفهوم والوظيفة مثلها مثل الميادين الأخري هي التي تتنقل من جيل إلى جيل وتنتشر في الثقافات الأخرى متأثرة ومؤثرة. من ناحية أخرى فإن ميادين الثقافة الشعبية الأخرى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإنتاج اليدوي والعادات والممارسات وفنون الأداء والمعارف الشعبية كلها لها جوانبها المادية، فحياة الشعوب وثقافاتها لا تفصَّلها كما نشاء إلى ميادين متعددة لأنها هي حياة متكاملة لا ينفصل بعضها عن بعض. فمثلاً القصص الشعبي يحتوي على مخزون كبير من أدوات الثقافة المادية وكذلك الأمثال والألغاز في رأيي الخاص أرى أن التصنيف غير حقيقي وغير واقعي بين المادي وغير المادي، فمثلاً إذا أردنا دراسة بعض الحرف اليدوية فالتركيز لا يكون على شكل المنتوج وهذا بالطبع مهم ولكن بالإضافة إلى ذلك تهمنا معرفة تقنية الصناعة أو الحرفة واستخدامها ووظيفتها في الحياة اليومية بالإضافة إلى معرفة العادات والمعتقدات والروايات الشفاهية التي تتعلق بها". همنا وشغلنا وشاغلنا من كل هذا هو الفهم الموضوعي والدراسة التي تقودنا لاستيعاب مخزون عقلية المجموعات البشرية واستنطاقها توطئة لتنميتها فأنت لا تستطيع أن تحدث التأثير المستدام ما لم تعرف هذه الثقافة مخزون ذاكرة وحاضرة . الجمع الميداني وتحليل مادته المجموعة من أفواه الرواة تعود كما كتبت في خمس مقالات متسلسلة نشرت بصحيفة الأيام في العام 2001م: كتبت "علينا فهم الواقع الثقافي المستند على الجمع والتوثيق الميداني المباشر ثم من بعد ذلك تحليلها التحليل الذي يقودنا إلى الفهم، أولاً جميعنا يعي حقيقة أن الحياة الحديثة والمعاصرة أثرت وتؤثر يوماً بعد يوم على إرث الشعوب فماذا نحن فاعلون تجاه ذلك. ترسخ عندي طوال سنوات عملي في هذا المجال لفترة تقارب الثلاثة عقود قناعة أن نعمل على تأسيس أقسام لدراسة التراث في الجامعات والمدارس معاً والاهتمام بالمتاحف، وتطوير السياحة الثقافية وتأسيس معاهد للتدريب الحرفي وجمع ما تبقى من موروث بفعل اتساع دوائر التحديث التي تحاصر الموروث وذلك بتوثيقه التوثيق العلمي الدقيق والعمل على نشر كتاب الموروث وإصدار المجلات المختصة في دراسته. في العالمين العربي والأفريقي بدأت حركة الاهتمام بتوثيق ودراسة التراث فتأسست بجامعة الخرطوم شعبة الفولكلور في عام 1974م تحت مظلة معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، وكذلك في نيجيريا وتنزانيا والمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين والعراق ومصر وتونس والجزائر وأثيوبيا . فماذا نحن فاعلون تجاه هذا التوسع في دوائر العولمة التي تحاصر الموروث التقليدي والسؤال الذي نثيره ثانية هنا لماذا الاهتمام بدراسة التراث القومي ولماذا الاهتمام بخطورة التحديث والعولمة في عالمنا المعاصر - هذه الدوائر الآن تتسع على حساب الثقافات المحلية في العالمين العربي والأفريقي على إطلاقها - فنحن لسنا بقادرين على إيقاف حركة التاريخ الثقافي والتغيير الثقافي الذي أصبح مده قوياً. كيف؟ بدأت في الإجابة على هذا والسؤال سابقاً في هذا البحث وهو: تأسيس أقسام لدراسة الموروث الثقافي على مستوى التعليم العام والجامعي وفوق الجامعي وهذا بالطبع يحدث الآن في كثير من جامعاتنا ومراكزنا وهذا فعل محمود وهم مشترك لكل المختصين في هذا المجال. تطوير السياحة الثقافية وتأسيس معاهد للتدريب الحرفي لاستيعاب الفاقد التربوي وجمع ما تبقى من موروث بفعل واتساع دوائر التحديث وبذا تستطيع تأسيس دار للنشر تهتم بنشر كتاب الموروث الثقافي وما تبقى ليس بالقليل. حتى في أوروبا منذ أن صك وليام تومز مصطلح فولكلور في العام 1846م قبله البعض ورفضه البعض الآخر مثل سيقرد إريكسون في السويد عام 1937م حين اقترح استخدام مصطلح الحياة الشعبية وأسس مجلة بهذا الاسم. السياحة هي إحدى الوظائف التي تؤسس من أجلها المتاحف وسوف يأتي الحديث عنها عند مناقشة مسألة السياحة الثقافية. متحف الموروث الثقافي أو متحف الفولكلور كما عرف أولاً عرفه لوريرث بيت في العام 1949م وكان وقتها أمين متحف الفولكلور في ويلز ببريطانيا كان اسم المتحف The Welsh Folk museum الآن عدّل إسمه ليصبح The Museum of Welsh life هذا يتعلق بما ذكرناه عن مشكلة المصطلح أعلاه التي تظل تفرض نفسها علىّ دائماً ولكني أكتفي هنا بتعريف لورويرث بيت لمتحف الفولكلور: What is a folk Museum? In simple straight for word terms it is a museum of life and culture of the people or the community which it serves. The museum building houses a series of galleries in which specimens illustrating material culture are systematically exhibited. هذه المساحة الكبيرة خصصت لمتحف مقاطعة ويلز في بريطانيا ولكي أتدرب على العمل المتحفي تدريباً عملياً استغرق ذلك عاماً كاملاً في كل أقسامه. "The eighty acres of park land for the open air museum in the valley of Glamorgan, harrows and crafts characteristic of Wales and surrounded by few small fields which are grazed by the welsh black cattle and sheep"(6). يضاف إلى ذلك الوحدات الإنتاجية التي يوظف فيها حرفيون مختصون كل في مجال حرفته مثل خراطة الخشب، من ناحية أخرى يعتبر المطعم الملحق بالمتحف مهماً جداً إذ أنه يمكن أن يقدم للزائر وجبات من الوصفات المحلية للطعام بجانب الوصفات الحديثة الأخرى وهنا نكون قد نشرنا ووثقنا لثقافة الطعام التقليدية كل ما ذكرناه سابقاً يباع ويشترى في حركة عادية مثل سوق وتقدم المعلومة للزائر منسابة سلسة وممتعة وراسخة. إن بيع المنتوجات التي تنتجها الأقسام والوحدات الإنتاجية المختلفة علاوة على إيرادات المطعم ورسوم دخول المتحف والاقبال السياحي الذي يحققه وجود مثل هذا المتحف. كتب زميلي المرحوم دكتور شرف الدين الأمين عبد السلام مقالاً عن العلاقة بين الفولكلور والسياحة منشورا في مجلة الثقافة السودانية(8) اقترح في هذه الورقة انشاء متاحف متخصصة في مجال التراث. اذكره هنا عرفاناً بسبقه في هذا الاقتراح رغم أنه مختص في مجال الشعر الشعبي والروايات الشفاهية. الكتابة عن المتاحف ووظيفتها دائماً تقودنا إلى دورها في مجال السياحة والتعليم وهذان رافدان للاقتصاد والمجتمع معاً. 1. الموروث الثقافي والسياحة قدم الدكتور شرف الدين الأمين (رحمه الله) في ورقته التي أشرت إليها آنفاً في هذا البحث قدم رؤية مستقبلية للتراث والسياحة وأبان أن السودان يزخر بالكثير من التراث الغني الذي يمكن أن يستغل سياحياً مثل الحرف والصناعات اليدوية في مجال الثقافة المادية ويذهب للقول إلى أن المشغلين في مجال السياحة لم يولوها الاهتمام الكافي ولم يفكروا في طريقة عرضها لتصبح في متناول السائح وليكون التعامل فيها مباشرة بين السائح والمنتج. أتــــفــق مــع هـــذا الــــرأي إذ أننــــا وإلى الآن - رغـــم أن السودان هو من أوائل الأقطار الأفريقية التي بدأت إنشاء متاحف التراث متمثلاً في متحف الاثنوغرافيا الذي تأسس في عام 1932م وافتتح في عام 1956م - لم نوفق في تأسيس متحف تراث يرضي طموحات المتخصصين أو السائح الأجنبي أو المحلـي. فيكون هناك ركن للرقص والموسيقى الشعبية وقسم للحرف الشعبية والألعاب والطب الشعبي وقسم للممارسات الطقوسية كالزار والذكر وكذلك الأداء الشعري والغناء الشعبي. تخصيص جناح للتراث الشعبي في معرض الخرطوم الدولي: يحتوي على مصنوعات يدوية وعروض فيديو بدلاً عن عرض نماذج لعينات فولكلورية من صور ومصنوعات في أجنحة الأقاليم على أن يشرف على هذا الجناح متخصصون في مجال الفولكلور كمرشدين وضباط سياحة يتولون الشرح الكافي. العناية بمراكز الصوفية التي تجسد التراث الديني الشعبي في السودان. الفولكلور في الفنادق: يمكن في هذا الإطار إعطاء الفنادق الطابع الشعبي وذلك عن طريق إدخال بعض قطع الأثاث الشعبي وأن يكون الديكور من النماذج الفولكلورية التي تصنع لمثل هذا الغرض أو الاستعانة بروح هذه النماذج لصياغة الديكور. وسائل الدعاية السمعية والبصرية: وهي يمكن استعمالها في إطار إبراز دور الفولكلور كعامل جذب سياحي ومن ذلك إصدار الكتيبات ونشرات تعريفية بمختلف جوانب الفلولكلور السوداني يقوم عليها متخصصون في علم الفولكلور ودراسته. ويجوز أن تستخدم هذه الكتيبات في مجال التبادل الثقافي أو أن يتم توزيعها بواسطة الملحقيات الثقافية هذه هي اقتراحات د. شرف الدين (رحمه الله) وهو اجتهاد مقدر ومقبول - كل الذي جاء في مقترحاته يمكن أن يضمه تأسيس متحف تراثي قومي أو متاحف تراثية في المناطق المختلفة تقوم على غرار المتحف الذي استشهدت به وهو متحف الفولكلور في ويلز في معرض حديثي عن متحف التراث. ونجحوا في ذلك بدليل أقبال آلاف السائحين لزيارة تايلاند وعلى حد تعبير الأستاذ فرح فقد استثمر التايلانديون شغف هؤلاء بالوقوف على عادات وتقاليد وفنون الآداب. ثم يقدم الأستاذ فرح في ورقته نبذة تاريخية عن السياحة في السودان ويقول يرجع تاريخ السياحة في السودان إلى عام 1902م وهذا تاريخ مبكر بلا شك والحديث لا زال للأخ فرح ولو أن اللذين تولوا أمر السياحة عملوا وفق تخطيط علمي، ويذكر فرح أنه رغم الفترة الطويلة التي مرت بها تأسيس السياحة في السودان - وهي فترة كافية لتأسيس صناعة سياحية تقوم على أسس علمية ودراسات تصل بالعمل السياحي إلى ذروة عطائه الاقتصادي والثقافي ولكن هذا لم يحدث. والورقة منشورة في كتاب دور الفوكلور في السلام والتنمية والذي قام بتحريره وقمت بنفسي بكتابة المقدمة له وكانت الأوراق ثمرة تعاون بين قسم الفولكلور - معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية وشركة سودانيز ساوند صدر الكتاب في 2004م وتقع ورقة الأستاذ فرح بين صفحتي 98 - 110. قصدت من كل هذا إبراز مساهمة أعضاء القسم واهتمامهم بأمر التراث وتنمية السياحة في السودان وقد ساهمت شخصياً بمقال عن المتحف الفولكلوري والسياحة منشور بمجلة المأثورات القطرية عدد 46 عام 1997م، وهي كذلك مزارات يؤمها السائحون إذا ما أسسناها التأسيس الذي اقترحنا في هذه الورقة وتدر على البلاد خيراً من العملات الأجنبية كذلك أركز على فكرة انشاء فنادق تقوم على استخدام المواد المحلية واستلهام نمط العمارة المحلية. هذا بالإضافة إلى أن المتاحف مؤسسات تعليمية تربوية وكذلك تساهم في تنمية المجتمع وزيارة دخل الفرد إذا أخذنا في اعتبارنا تأسيس معاهد حرفية في المتاحف وانشاء مطاعم في المتاحف تقوم على الوصفات والوجبات المحلية. وأوصي في ختام الحديث عن السياحة بتأسيس متاحف للتراث في الحواضر والأقاليم وثانياً عقد دورات تدريبية في علم المتاحف والتوثيق التراثي بالتركيز على الجمع الميداني وطرق العرض والتصنيف والتوثيق والترميم والتخزين وكل التقنيات المتعلقة بعلم المتاحف. الدور الاجتماعي للموروث الثقافي يتأتى عبر تأسيس متاحفه ومراكزه ومعاهده الحرفية. 2. أهداف وأغراض المتاحف أهداف وأغراض داخلية تتعلق بالعمل داخل المتحف من مباني وطرق عرض وحفاظ على المقتنيات وكذلك دراستها والبحث في خصائصها. أهداف وأغراض خارجية وهي التي تتعلق بالجمهور المقصود والمعني بالانتفاع بمقتنيات المتاحف. وبالتالي فهو له نظرتان: الأولى تتعلق بالاهتمام بمقتينات المتحف ودراستها وتفسيرها والثانية عرضها عرضاً مفيداً وتقديم المعلومة الكاملة للزائر أو الباحث وبالتالي فقدرات العامل في مجال المتاحف يجب أن تتضمن القدرات الفنية التقنية وتتعداها إلى العلم الكامل القائم على النظرية والمنهج العلمي السليم. كذلك يجب على أمناء المتاحف أن تكون لهم قدرات عالية على توصيل المعلومة وفهمها وتفسيرها حسب حاجات الجمهور الذي يخدمه في هذا إشارة إلى الاهتمام بعلم المتاحف Museology وتدريسه كمادة منفصلة مساعدة الموروث الثقافي بالتالي أي محاولة لتخطيط برنامج تدريسي أو تدريبي يجب أن يحتوي على مجموعة من التوازنات بين عنصرين، تقول نائبة وزير التربية والثقافة الهندي في عام 1994م: "في بيئة متفاعلة في المتحف حيث يجد الزائر المواطن هويته ويتآلف مع معروضات المتحف، وإذا كان المتحف يربط بين الموروث وثقافة الشعب والعلم والتكنولوجيا بحياة المواطن العادي فهو بهذا يستطيع أن يزود الانسان بفهم عالمه وهويته. ومن خلال العرض المتداخل المتفاعل يستطيع المتحف تحفيز الناس لكي يدركوا العناصر الموحدة في ثقافتهم وبذلك يستطيعون مجانسة هذا التوحد والتآلف في وجدانهم من أجل التعايش السلمي الذي يؤدي إلى منفعة الجنس البشري". كذلك تقول رشيدا أياري دي سوزا مديرة الثقافة في بنين في غرب أفريقيا في مقال لها بعنوان: المتاحف والتربية: مجلة أيكوم 2004م. فهو إذا عودة للتبادل المعرفي عن تاريخ البلد وعلومه وثقافته المعاصرة متمثلاً في طريقة التعليم غير الرسمي التقليدي المعروف في أفريقيا وهذه مشاركة تجعل المعرفة متاحة للجميع. التعليم دائماً يؤسس على علاقة الثقة بين الذي يعرف والذي لا يعرف والتعليم في المتحف يؤسس على: التجارب الواقعية التي تشرح التاريخ المعرفي من خلال المقتنى والمكان فأي مقتنى هو إنتاج مباشر لمكانه بمكونات المكان جميعا المكونات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والطبيعية في إطار تراكمها التاريخي. هذا يعني بالتالي تساوي سعة العقل الانساني وعليه لا يمكن افتراض أعراق بشرية أعلى وأخرى أدنى بل يمكن أن تذهب إلى أبعد من ذلك ونقول وبالتالي تعني وحدانية الخلق وتوحيد الخالق، المتحف هو مكان للأسئلة وتحفيز العقل على السؤال عندما يرى معروضات المتحف وبالتالي يمكننا أن نقول المتحف مؤسسة تعليمية يمكنها أن تنمي قدرة الانسان على المبادرة والحوار ونشر المعرفة بين كل القطاعات المختلفة طالما هو يمتلك وسائل العرض كالمقتنيات نفسها والوسائل السمعية والبصرية وربما حواس أخرى - كالشم والذوق - ايقاعات موسيقية - وعطور الزواج والبخور. أو هو إعادة تعريف للمؤسسة التعليمية الرسمية وطالما هو ليس امتداداً للنظام التعليمي الهرمي الرأسي بل هو نظام أفقي يغطي كل الأعمار والفئات والطبقات من الذكور والإناث في آن واحد. 4. المتحف كمؤسسة لتعليم الكبار عرفت المتاحف كواحدة من المؤسسات القديمة التي تقدم وتساهم مساهمة فعالة في تعليم الكبار وذلك من خلال المحاضرات العامة والقراءات وتقديم المعلومة عن طريق المقتنيات نفسها وعن طريق الوسائل السمعية والبصرية. كذلك يستهدف المتحف في عملياته التعليمية الأطفال وطلاب المدارس خلال العام الدراسي والعطلات معاً، أي أنها وحدة من وحدات المتحف تقدم خدماتها التعليمية والتربوية بكل المؤسسات التعليمية وتضع الخطط والبرامج لذلك في المجالات التي تخص المتحف وذلك لربط المتحف بالمجتمع عبر وسائل التعليم المعروفة من الشرح والتوضيح، أشرت في صدر هذا البحث إلى ندوة الفولكلور والتنمية التي عقدت في 1981م - قسم الفولكلور - معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية - جامعة الخرطوم السؤال الذي أثير في تلك الندوة: لماذا الاهتمام بدراسة الموروث الثقافي ولماذا الاهتمام بخطورة التحديث الذي تتسع دوائره إلى الخارج على حساب الثقافات المحلية على إطلاقتها. إذا كنا غير قادرين على ايقاف حركة التاريخ والتغير الثقافي بعوامل التجارة والهجرة والحروب والتغيرات في البيئة الطبيعية. إلخ هذه المواءمة مهمة ولكن إذا تعجلنا تحويل التقنيات الحديثة دون تروٍ وإمعان نظر في مستودعاتنا الثقافية المحلية لاستعجال طفرة التنمية وقعنا في هوة جهلنا. أذكر منها مثال مصنع تجفيف الألبان بمدينة بابنوسة في كردفان - مصنع تعليب اللحوم بمدينة كوستي على النيل الأبيض، "Folklore and National Development: A challenging Paradox" يـــوضـــح ســيــد حـــريـــز في مقــالـــه هــذا أن الأزمــــة الاقتصادية التي عانى منها السودان في سبعينات القرن الماضي تعود أصولها إلى الاستعجال الذي صاحب إحلال آلات الزراعة الحديثة في نقلة متعجلة من القطاع التقليدي إلى الميكنة الزراعية إذ حلت هذه محل أساليب الزراعة والري التقليدية المؤسسة على متين الممارسات والمعارف المحلية المتوارثة. جراء هذا التعجل في تحقيق الطفرة وتوسيع الرقعة المزروعة كانت المفارقة إذا لم تكن هي تنمية وإنما هو الفشل التام في تسيير الأمر بسبب انعدام التخطيط وتجاهل الثفافة المحلية. كانت السواقي القديمة تؤمّن عيش الناس إذ أن كل ما تحتاجه من أخشاب وروافع فخارية والبقر الذي يديرها والإنسان الذي يقوم على تشغيلها واصلاح إعطابها. ومن هنا بدأ الفشل الذي أدى إلى توقف الزراعة ووجد المزارع نفسه أنه لا يستطيع العودة بالتاريخ إلى الوراء ليعيد للساقية سيرتها لما حدث من انكسار في البنية المجتمعية. توقف النشاط الزراعي وكان بعدها من كوارث الهجرة من الريف للمدينة وما جراه من أزمات في المدن ومن بعد ذلك إلى الهجرة خارج البلاد في المهاجر المتعددة المعروفة. تكتب إيمان مهران(9) عن هذه المسألة في مقال لها منشور بمجلة الثقافة الشعبية تنبه الدكتورة إيمان مهران إلى تحرك مهم على المستوى الإقليمي إذ تكتب: يتبع ذلك تراجع ملامح الموروث المحلي الذي يمثل الهوية التي قد تتلاشى يوماً مع بقاء الثوابت - الدين واللغة وهذه ثوابت لا تمسها ولا تشوبها شائبة وهذا هو الذي يشكل طابع هويتنا. فالحياة المعاصرة تحيطنا من كل الجوانب ولكن هويتنا المتمثلة في عروبتنا وديننا الإسلامي إذا ركبت طائرة أو سيارة أو جملاً أو حصاناً هل تتغير هويتي العربية الإسلامية، وهنا أدعو إلى التنمية كنمو مدروس على أسس علمية من أجل تنمية شاملة ومتكاملة ومستدامة على كل الأصعدة - التخطيط - الاقتصاد - الاجتماع. أي التخطيط المدروس من أجل الاستفادة من الموروث الثقافي القائم على التخطيط الدقيق للإفادة منه وإطلاق طاقاته لدور فاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تـــوفـــــــرت لــــي مـــــادة عـــــن اســتـــــراتيــــجـــيــة النـــــهـــوض بالصناعات التقليدية من الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت)(10) أثبت مرجعيتها في الهامش أدناه. رفع الدخل الحقيقي لأبناء المجتمعات الريفية والصحراوية والجبلية والساحلية للرعاة والمزارعين التي تقوم حياتها على الاقتصاد الإعاشي مثل Subsistence economy الصناعات الغذائية والآثاث والعمارة التقليدية منها على سبيل المثال. تجسيد سياسة الاعتماد على الذات على المستوى المحلي حيث تعتمد الصناعات التقليدية على توفير المادة الخام والمعرفة من المكوّن المحلي. دعم الاستقرار الاجتماعي من خلال إعطائه أولوية للاهتمام بالصناعات التقليدية لدى الشرائح الاجتماعية الأكثر حاجة أو الفقيرة، يكتب الأستاذ الدكتور حامد إبراهيم الموصلي(11) عن هذه الاستراتيجية في موقع موهوبون الآتي: "لا أتصور إمكانية النهوض بالصناعات التقليدية من أجل تحقيق التنمية الذاتية في المجتمعات العربية والإسلامية. إلا في ظل سياسات ملائمة تعمل من ناحية على توفير الآليات اللازمة لتوجيه هذا القطاع الحيوي من الاقتصاد القومي في ظل الظروف القائمة، وتعمل من ناحية أخرى على حشد وتوجيه الموارد والجهود بما يتفق مع تعظيم الاستفادة من هذا القطاع في التنمية الذاتية للمجتمعات المحلية". تأسيس مشروع المسح التراثي الذي اقترحته يجب أن يوفر مسحاً لكل الحرف التقليدية والصناعات الصغيرة مع دراسة أساليب الانتاج المستخدمة في كل حالة أي توثيق كامل لعمليات الانتاج من المادة الخام المتوفرة في البيئة المحلية إلى المحصلة النهائية بتفاصيلها.