ونظرته إلى نفسه نظرة حيوانية بحتة، ذلك الشعور الذي ينتهي بالإنسان إلى تأليه نفسه حتى يسقط وجود الإله الحق من اعتباره، ويتصرف كإله لا يسأل عما يفعل، كما زعم جوليان هسكلي حين قال: "إن الإنسان في العالم الحديث أصبح هو الله المنشئ المريد". والاضطراب الذي يواجهه الغربيون وأزلامهم من أبناء جلدتنا، لا يمكن القضاء عليه إلا بالإجهاز على مسبباته، ولا مسلك يؤدي حتما إلى اقتلاع هذا الهوس من قلوب وعقول وأرواح كثير من شباب اليوم إلا بإحياء القيم الروحية، وتعبئة المتدينين للأخذ بما يضمن سلامة أرواحهم من عواصف فتنِ ومغريات الحياة، ولا بد أن تقابل هذه الأشياء فيه بما يكافئها ويقابلها، وإن التربية الصوفية وحدها هي التي تقابل ذلك، فالشهوة لا تحل مشكلتها المقال وحده، بل لا بد من الشعور والذوق والإحساسات الإيمانية مع المقال، وهذه طريقها العملي هو التصوف" فالتصوف كما يقول بعض الباحثين: يغطي زوايا حساسة ومهمة في حياة الأفراد، ويلبي الخَوَاء الروحي والنفسي الذي يعيشه الغربي في حياة الفكرية وحضارته المادية. عن طريق ذوقي بدون وسائط، دون أن يجدوا لها مدلولا إلا داخل التجربة الصوفية التي تعبر عن نظرية معرفية ذوقية مستوحاة من القرآن. ويهيئه لتعميق تجربة الإيمان ذوقا ووجدانا بعد أن كانت أنظارا فلسفية لا تفيده في قيام علاقة فيما بينه وبين نفسه وكونه وعالمه العلوي والسفلي، فينتقل الإنسان بواسطة التصوف إلى إنسان مسدد مقوم يتحرك في فلك الحياة بقابلية الخير والرشاد، تاسعا:إن التصوف بعد من أبعاد التجربة الدينية، ما دامت التوجيهات الدينية مرتبطة بالجانب العقدي والأخلاقي، فالتصوف فقرة أخيرة من فقرات السير الذي ينتقل فيه المتدين من الإسلام شعيرة، فالتصوف عبارة عن التخلية عن الأخلاق الأرضية، والتحلية بالأخلاق الملكوتية، عاشرا: إن التصوف يعلم الإنسان كيف يحتفظ على أعمال الظاهر والباطن، فالظاهر يجسد جوهر العمل بإحدى الجوارح والكواسب، والباطن يمثل الحقيقة الدافعة إلى العمل، وجعلت عبادته مقبولة تؤثر على الإنسان في مسار حياته وسلوكه، يقول ابن عابدين في حاشيته الشهيرة: (إن علمَ الإخلاص والعجب والحسد والرياء فرضُ عين، ونحوها مما هو مبين في ربع المهلكات من "الإحياء". قال فيه: ولا ينفك عنها بشر، وإزالتها فرض عين، ولا يمكن إلا بمعرفة حدودها وأسبابها وعلاماتها وعلاجها، ووسائل علاجها، يقول ابن عربي::" فلا يزال العالم محفوظاً ما دام فيه هذا الإنسان الكامل " ( فصوص الحكم ) إثنا عشر: إن التصوف يقرب صورة المعتقد والعبادة على أنها بسيطة غير معقدة،