فهل استسلم عليّ بن المبارك لذلك وترك طلب العلم وهو الذي يحمل طموحاً واسعاً وحباً عظيماً للعلم والعلماء؟ها هو العالم الكسائي يتردد علي قصر الخلافة يومياً لتعليم ولدي الرشيد؛ قادماً من أطراف بغداد الفسيحة، فلم لا يستفيد من هذا العالم الجليل؟فكر عليّ بن المبارك، ثم ابتكر لنفسه طريقة جديدة في طلب العلم، فكان ينتظر مجيء الكسائي إلى الرشيد، فإذا أقبل تلقاه وقاد له دابته، فإذا دخل الكسائي القصر، رجع الشاب عليّ بن المبارك إلى مكانه، فإذا خرج من القصر تلقاه وأخذ بيده حتى يركب دابته ويظل معه يسائله حتى يقترب الكسائي من بيته فيودعه الشاب ويعود راجعاً. حتى حفظ أربعين ألفاً من الشواهد النحوية وألَّف الكثير من الكتب. فلما كبر الكسائي ومرض، طلب منه الخليفة هارون الرشيد أن يختار لولديه معلماً يقوم بالمهمة عنه، وهكذا دخل عليّ بن المبارك إلى دار الخلافة عالماً مرموقاً ومؤدباً موثوقاً بعد سنوات طويلة من الصبر والكفاح في تلقي العلم سيراً على الأقدام .