رثاء المدن والممالك : اختلف الدارسون في مفهوم ) رثاء المدن والممالك ( ومنهم من فرق بين رثاء المدن ورثاء الممالك فاطلق الاول على تلك المدن التي سقطت في يد الاسبان واستثبت من ايدي المسلمين فيكاها الشعراء وأطلق الثاني على دول ملوك الطوائف التي سقطت بدخول المرابطين إلى الاندلس، وما نظمه الشعراء من قصائد شعرية تأسى وتأسف على المجد الزائل والسيادة الأفلة لهؤلاء الملوك (١) . التي طرأت على الأندلس بسبب فساد الاحوال السياسية، وترديها. وفرق بين الاتجاهين من حيث حجم النتاج ونوعية القصائد التي نظمت في كل . وفي هذا الموضوع يرى الدكتور سعد شلبي أن الاندلسيين سجلوا السبق في رثاء المدن وأما رثاء الممالك فقد كان مقدمة وإرهاصا لتفوقهم فيه ("). وكذلك استوحى احد الباحثين تسميته فجعلها موضوعاً لرسالته الماجستير : الوطن في الشعر الأندلسي (١). وجاء حديث الدكتور شوقي ضيف عاماً عن هذا اللون من الرثاء ، حيث سماه ، ندب الدول والبلدان (۲) . يكاد الاندلسي ينفرد بهذا الموضوع، حيث كان القرن الخامس الهجري أحفل عصوره بالصراع الذي أدى إلى سقوط مدن الاندلس وممالكه . وقد طبع هذا اللون من الشعر بطابع اندلسي خاص، وتفوق على شعر الرثاء بصورة عامة. وعلى قصائد رثاء المدن والممالك في المشرق . والأمر يعزى إلى وجود المواقع والمحفزات التي لم يحصل مثيلها في المشرق. كما لم تكن بهذه السعة ، فقد كانت الحروب سجالاً بين المسلمين والاسبان، وكان يتفق أن تسقط مدينة فيستردها المسلمون ثانية ، لتسقط ثالثة . مما يؤجج العواطف ويضرم المشاعر . غيرة على دمائهم وأموالهم واعراضهم . يراها الشاعر مهدرة . وحفظت مخيلته لها ذكريات عبقة. تمسي ميضة الجناح ، يفتك بها العدو، بشعر أشبه ما يكون بالندب ، والبكاء ، والتفجع . في زفرات وأنات قلب کلیم . في الوقت الذي لم يكد شاعر المشرق يكفكف دموعه حتى يقبل على تهنئة الحاكم الجديد فانشغالهم بالخلفاء والحكام الذين خلفوا السابقين صرفهم عن إطالة الحسرة والبكاء على الدول السابقة، بينما كان سقوط الدولة بالاندلس يحمل اكثر من معنى داعياً الى اطالة التأمل والاعتبار. 4 اتجه الشاعر الاندلسي تارة إلى تسليم الأمور الى الله والشكوى لسوء الحال والهرب من المدن الساقطة . بعد البكاء والعويل وتارة الى استصراخ الملوك واستنهاض هممهم واستنصارهم. ويتجه الى ضمائر المسلمين يسألهم شد العزائم . للانتقام من العدو المتربص ثم يطبب الشاعر جراحه ويأسوها مخاطباً الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مستمداً منه القوة والأيد تارة اخرى وفي كثير من الأحيان يتجه إلى الوصف التفصيلي للحالة التي حلت بالمسلمين إثر سقوط مدنهم وممالكم . واذا كان الشعر الأندلسي قد أحرز هذه المرتبة في هذا الميدان فليس معنى هذا أن المشرق لم يعرف هذا اللون، فالباحث يجد قصائد متناثرة في مصادر الأدب والتاريخ تصور النكبات وتحكي الويلات والمصائب التي حلت بتلك الامم . ومن أقدم ما قيل قول عدي بن زيد العبادي ( ت ٣٥ ق . (۱) ديوان عدي بن زيد العبادي ٨٤ - ۹۲ ) حققه وجمعه محمد جبار المعيبد وزارة الاعلام بغداد ( ١٩٦٥ ) أرواح مودع أم بكور لك فاعلم لأى حال تصير وهي في خمسين بيتاً ، وعلى المنهج نفسه ، قول الاسود بن يعفر يبكى ال محرق في داليته التي مطلعها ) ويذهب هذا المذهب الأعشى الأكبر ( ت ا ق . هـ ) اذ يرثي قصر ريمان من قصيدته التي مطلعها ". أصرمت حبلك من لمي ن أم طال اجتنابه؟ ولو ألقينا نظرة على سفح التاريخ لوجدنا الشعر سجلا حافلا في تصوير النكبات التي حلت في العالم الاسلامي بجناحيه المشرق والمغرب . فقد رثى ابو العباس الأعمى دولة بني أمية . ورثى آخرون دولة العباسيين بدخول المغول الى بغداد . ودولة الطولنيين وغيرها من الدول . كما ندبوا مدناً اسلامية حلت بها فتن جائحة . وهي ظاهرة مألوفة . تاريخياً فمن ذلك رثاء عمرو بن عبد الملك الوراق وابي يعقوب الخريمي بغداد ١٩٧ هـ بالفتنة التي حلت بين الأمين والمأمون - وكذلك رثاء البحتري دولة المتوكل العباسي ٢٤٧ هـ ورثاء ابن الرومي مدينة البصرة بأفاد الزنج إياها ٢٧٧ هـ . . وقد رثى الشعراء بيت المقدس ومدن الشام التي سقطت اثناء الحروب الصليبية . وبقى الشعر - حتى العصر الحديث - يرسم معالم المدن التي تسقط وتحل بها التكيات (1) وهي جميعاً تدخل في الندب لا التأبين أو العزاء (1) . لكن رثاء المدن والممالك في الأندلس تميز على صنوه بنضج التجربة الفنية للمعاناة التي استمرت عند الأندلسيين ، وشهودهم هذه الحال بين سمعهم وبصرهم التكرن . كما تميز بغزارة النتاج الشعري. ولذلك يعد الدكتور الظاهر مكى بكاء الممالك المنهارة والمدن الذاهبة فنأ اندلسياً أصيلاً وجدت بعض دوافعه في (1) ديوان الأسود بن يعفر رقم ١٣ ) تحقيق د. نوري حمودي القيسي وزارة الثقافة والاعلام - بغداد سنة ۱۹۷۰ ) . (۲) ديوان الاعشى الكبير ۲۸۹ ) شرح وتعليق د. محمد محمد حسين ( ط النموذجية دت ) . ( ٢ ) ينظر الرثاء - شوقي ضيف ص ٥١ . الادب الاندلسي بين التأثير والتااثر ۲۱۰ - ۲۲۱ . / ٢٠ الادب الاندلسي المشرق والمغرب على السواء. وخص الأندلس ببعضها . وتفرد في الحالين بأنه هذه الدوافع الى غايتها . فكان له معها قصيد رائع احياناً ، ودون الجيد أحياناً أخرى تبعاً لثقافة الشاعر. وطاقته النفسية، وحظه من تجارب عصره وأتباعاً (١) . إلا أن الدكتور محمد رجب البيومي لا يذهب في نظرته لهذا اللون من الشعر مذهب المعادلة المنطقية، بل يجد أن من الأنصاف الأقرار بأن الأندلس قد برعت براعة مشهودة (٢). وقبله أقر بهذا التفوق الدكتور أحمد أمين (٢). وعلى ضوء ما تقدم بنا من مفهوم رثاء المدن والممالك . سنتناول ابرز التجارب الشعرية . الاتجاه الأول : رثاء مدن أندلسية قد خربت وفد النظام فيها . يفعل المحن والفتن التي فتكت بها بما كسبت أيديهم حيث صار الحكم فيها ملكاً عضوضاً . فرثى ابن حزم قرطبة شعراً ونثراً ومما وصل قصيدة في سبعة أبيات يصفها بروفنسال بأنها ) قصيدة عصماء لا يعدلها في نوعها شيء (۱)) . ومطلعها ( ) . الأهلين. موحشة قفرا من ولكن أقداراً ورثاها شعراء آخرون منهم ابن شهيد ( ت ١٣٦ هـ ) في قصيدة ومقطعة يقول في فيا دار لم يقفرك منا اختيارنا ولو أننا تسطيع كنت لنا قبرا الله أنفذت تدمرنا طوعاً لما حل أو قهرا الأولى . والقصيدة كسابقتها فيها تفجع وبكاء وندب لدار ضمت ذكريات عبقة للشاعر . حيث يستذكر محاسنها وجمال الطبيعة فيها، وقد ضرب الأمن والسلام رواقه فتعمم القوم بجمالها وبهروا بفتنتها المتمثلة في قصورها الزاهرية والعامرية . والمسجد الجامع . ومسالك الأسواق، والخسارة التي حلت بازهاق نفوس كثيرة من العلماء والادباء ، وكان احدهم ، وبقي في داره ثلاثة أيام مقتولاً (١) . وفي هذا تجيء ابيات ابن شهيد تفيض بمعاني الاسف والأسى على ذكرياته فيها : ياجنة عصفت بها وبأهلها أيام كانت عين كل كرامة أيام كانت كف كل سلامة حزني على ثرواتها ورواتها نفسي على الأها وصفائها كبدي على علمائها . حلماتها ريح النوى فتدمرت وتدمروا من كل ناحية اليها تنظر تسمو اليها بالسلام وتبدر ولقائها وحماتها يتكرر وبهائها وسنائها تتحسر أدبائها . ظرفائها. تتفطر ولعلها أطول قصيدة وصلت الينا تصور فتنة قرطبة . واما مقطعته فهي نونية مردفة بألف موصولة بياء مختومة بهاء السكت التي تحكي الحسرات والزفرات برثى فيها قرطبة عجوز شمطاء حيث يقول . (1) عجوز لعمر الصبا فانية لها في الحشا صورة الغانية ترديت من حزن عيش بها غراماً فيا طول أحزانية وتبدو أبعاد هذه الفتنة والالام والاشجان التي اعتملت في صدور عدد من الشعراء حيث أرخوها . فيما ينقل الينا الشيخ محيي الدين ابن عربي ابياناً قال انه قرأها على بعض جدران الزهراء بعد خرابها رثاء . ديار بأكتاف الملاعب تلمع ينوح عليها الطير من كل جانب فخاطبت منها طائرا متفردا فقلت على ماذا تنوع وتشتكي ؟ وما إن بها من ساكن وهي بلقع فيصمت أحياناً. وحيناً يرجع له شجن في القلب وهو مروع فقال : على دهر مضى ليس يرجع وتبقى مع حاضرة الأندلس وواسطة عقدها ، قرطبة ، حيث حفظت لنا المصادر قطعتين غير منسوبتين في البيان المغرب، مطلع الأولى يك على قرطبة الزين أضعتم الحزم في تدبير أمركم ستعلمون معاً على البوار غذا وما ذهب وفقد من شعر في رثاء المجد الباذخ والعز الشامخ . لهذه المدينة كثير فقد قال الخولاني عن ابن عصفور الحضرمي أبي القاسم احمد بن محمد ا ت ١١٠ هـ ) ، ( انشدني كثيراً من أشعاره في رثاء قرطبة ) (١٢) ولم يصل الينا منها شيء ويبدو ان احداث الفتنة لم تقتصر على قرطبة - مركز الخلافة - بل تجاوزتها إلى مدن الاندلس الأخرى . فقد أرخ ابو اسحاق الالبيري الشاعر الزاهد ( ت ٤٦٠ هـ ) . الاحداث خراب البيرة ( اسنة ٤٠٠ هـ . ويعلل ابو اسحاق تلك النكبة بكثرة الذنوب وترك القروض والواجبات ، وهي في عشرين بيتا (٠). يضيع مفروض ويغفل واجب الندب أطلال البلاد ولا يرى فاها الوفا، واني على أهل الزمان لعاتب لألبيرة منهم على الأرض نادب على عهدها ما عاهدتها السحائب 1) البيان المغرب ٢ / ١١٠ ( ط دار الثقافة بيروت ) فرحة الأنفس ١ / ٢ / ٢٠٦ ٢ ) البيان المغرب ٢ / ١١٠ ٢ ) الصلة ١ / ٢١ (1) البيرة ، كانت من حواضر الاندلس الجليلة، أسسها عبد الرحمن بن معاوية ، واسكنها مواليه ، ثم خالطهم العرب بعد ذلك . خربت في الفتنة وانفصل اهلها الى غرناطة وبينهما ستة أميال ينظر الروض المعطار : ٢٨ واين بحار العلم والحلم والندى ؟ شققنا على من مات منهم جيوبنا لساءلت عنهم رسمها فأجابني وكان قليلا أن تشق التراثي الا كل شيء ما خلا الله ذاهب . ومما يندرج ضمن هذا الاتجاه الممالك التي رئيت في عصر الطوائف بدخول المرابطين . وقضائهم على حكامها وأشهر مملكتين نظمت فيها قصائد الرثاء . مملكة بني عباد. في اشبيلية . ومملكة بني الأفطس في بطليوس . وأين الأكف الهاميات السواكب ؟ وقد حظيت الأولى بمكانة رفيعة بين ممالك الأندلس ، حتى تستطيع أن نعدها أقوى ممالكها في عصر الطوائف. ولذلك اجتمع فيها من الشعراء عدد كثير . وممن عاش في رخاء بني عباد. شاعرهم ابن اللبانة الداني الذي احتفظت ذاكرته بصور عميقة الاغوار لآخر ملوكها المعتمد بن عباد فألف بعد زوال ملكه كتابين هما نظم السلوك في مواعظ الملوك في اخبار الدولة العبادية، وكتابه . ولم يصل من الكتابين سوى شذرات متناثرة في الكتب ). بعد أن حف بالمعتمد وأسرته. ورحل عن إشبيلية منفياً إلى أغمات. لكل شيء من الأشياء ميقات وللمنى من منا ياهن غايات وهي في النتين واربعين بيتاً وبعد أن يبكي على دولتهم الزائلة يمنى نفسه في أن تعود ثانية حيث يقول : لو كان يفرج عنه بعض اونة قامت بدعوته حتى الجمادات لهفي على ال عباد فإنهم أهله مالها في الأفق هالات وأما القصيدة الثانية فهي أجود شاعرية. وأدق في التعبير عن معالم النكبة وأطول نفساً من سابقتها ومطلعها (٢). تبكي السماء بمزن رائح عادي على البهاليل من ابناء عباد ونستطيع أن نتعرف على مدى براعة الشاعر في قصيدته بموازنتها على ما نظم من أشعار في هذه النكبة. فبين أيدينا قصيدتان الشاعرين مشهورين . (1) ينظر ما وصل من هذه النصوص النثرية في ديوان ابن اللبانة الأندلسي بتحقيقنا . محمد مجيد السعيد ) رقم ١٣ / ١٦٠١ ٢٠٠ الأولى: لا بن حمديس الصقلي الذي كانت تربطه صلات حميمة بالمعتمد بن عباد ، أباذ حياتي الموت ان كنت ساليا وان لم آبار المزن قطرأ بأدمع وهل أنا الا سائل عنك سامع قيودك صيغت من حديد ولم تكن وأنت مقيم في قيودك عانية عليك فلا سقيت منها الغواديا أحاديث تبكي بالنجيع المعالية لأهل الخطايا منك الا أياديا وفيها يسترسل في الحديث عن محامد المعتمد ومكارمه، والثانية : لا بن عبد الصمد وقد نظمها بعد عام من وفاة المعتمد ( ت ٤٨٨ هـ ) وقد كان هو الآخر من شعراء المعتمد بن عباد الا أن الدراسة المتأنية للقصيدة تبين لنا تأثر الشاعر في داليته بدالية ابن اللبانة . وقد اختار الوزن والقافية وحركة الروي التي التزمها ابن اللبانة في قصيدته " ) ومكارم أخلاقهم . . وسجاياهم في الكرم . التي طبعوا عليها، حين يجعلهم كعبة الامال ويعزي الضيوف والنزلاء. كما يواسي الفرسان والابطال الذين تنعموا في ظل العبابدة. نسيت الا فاد كانها ابل يحدو غداة النهر كونهم في المنشأت كأموات بالحاد والناس قد ملأوا العبرين واعتبروا من لؤلؤ طافيات فوق أزياد حان الوداع فضحت كل صارخة وصارخ من مفداة ومن خط القناع فلم تحجب مخدرة ومزقت أوجه تمزيق أبراد سارت سفائنهم والنوح يصحبها بها الحادي كم سال في الماء من دمع وكم حملت تلك القطائع من قطعات أكباد وهكذا يمضي شاعرنا بهذه النبرة الحزينة مصوراً مشهد دولة تهوى إلى أسفل من علان تناسق التعبير مع الشعور . وتطابق الانفعال شحنات الالفاظ . فقد مضت المأساة على أوجها، فأنك تسمع ، كل صارخة وصارخ من مقدالة ومن قاد ، وتبح الحناجر . وتفص الأصوات بالعويل والصراخ. وتستسلم مع الحادي حين يسقط في يدها . أحد الباحثين أن للالفاظ أهميتها ومزيتها في التعبير الفني وجماله . مستأناً بأبيات ابن اللبانة فيقول . خط، ومزقت وضجت ، وصارخ وصارخة ، لها من الأهمية في تصوير المشهد . واستنفاد التجربة . بحيث لا ينكرها منكر مهما تعصب لوجهة نظره» ثم يعقب بقوله « وأشهد أني قد اهتزت فرائصي فزعاً. كلما قرأت كلمات ابن اللبانة. كأن هذه الأبيات وأخريات معها سهام نفذت إلى مشاعري . فهزتها هذا ومزقتها أي تمزيق، والملاحظ أن الشاعر يعتمد في لغته على ضرب من تكرار الحروف . فقد تكرر حرف القاف . وهو من الحروف الانفجارية خمس مرات في القناع . تمزيق . القطائع ، مقطعات . ست مرات في البيتين الرابع والخامس كما ورد في ثلاث مرات أخرى . والتكرار ضرب بلاغي يعين على تحقيق الجرس الموسيقى المتناغم مع اجواء القصيدة . وقيمة القصيدة فنياً لا تأتي من أسلوبها فحسب ، انما بزخم العاطفة الذي تزخر به . « فربما لم نجد في الشعر الأندلسي عاطفة أعمق غوراً ، وأشد لهباً . عاطفياً من تلك القصائد التي قالها ابن اللبانة ، وابن حمديس، وابن عبد الصمد في نكبة المعتمد ( ) . وممن تحدث عن جانب المأساة في دولة بني عباد ممثلاً في شخص المعتمد بن عباد ، ومن تلك الممالك : مملكة بني الأفطس في بطليوس . وقد سقطت هي الأخرى بدخول المرابطين سنة ( ١٨٧ هـ ) . ولم تحظ بعناية الشعراء على نحو ما تقدم معنا في مملكة بني عباد باستثناء المراثي التي نظمها شاعرها ابو محمد بن عبدون اليابري ( ت ٥٢٠ هـ ) . وتأتي أشهر قصائده رائيته المعروفة باسم البسامة ومطلعها : وتتعدد روايات القصيدة لشهرتها. حتى أنها بلغت خمسة وسبعين بيتاً برواية المعجب ، وخالف نهج المحدثين " . وأما المراكشي فقد نعتها بأنها . قصيدته الغراء لا بل عقيلته العذراء . وزادت على السحر ، وذهبوا الى اكثر من ذلك حين أفردوها بالشروح كما فعل ابن بدرون . وقد درس شرحه وقام بنشره المستشرق الهولندي دوزي ورأى في ثناء النقاد أمثال ابن خاقان وابن الخطيب مبالغة ، وبعداً عن الحقيقة، فما لمسه في أسلوبها أنها أثقلت بالزخارف والزينة، وأنها عجزت عن أن تثير كوامن المشاعر (). والحقيقة أنها على الرغم من سيطرة الجانب التاريخي عليها - ليدل الشاعر على سعة ثقافته - جاءت في شوطها الأخير تدل على عاطفة جياشة، إذ يأسف على المجد الزائل. ويترحم على عزهم المنصرم . وقد ترجمت القصيدة إلى الفرنسية، والاسبانية ) ومن المحدثين أعجب بها عبد الله كنون لا سيما فيما سلكه ابن عبدون من البكاء والاستبكاء ، على ضياع ملك سادته ، وابادة الدهر لهم من غير ان يعرض بخصومهم المرابطين ، إلى أن طما بمترفيها سيل العناد والنفاق . فأمتاز كل رئيس منهم يصقع . ويحاربه في عقر داره. ويراوح معاقلهم بالعيث ويغادي . (1) ومن أعظم الاحداث المبكرة التي نزلت بالأندلس، نكبة، بريشتر ، التي أمهات مدن الثغر الاعلى حصانة ومنعة. ولكن غزاها أهل غاليش . والروذمانيون على غرة . وقلة عدد من أهلها وعدة، فحاصروها أربعين يوما . حتى بهذه المقولة استهل صاحب النفح حديثاً تفصيلياً عن رثاء مدن الأندلس سقطت سنة ٤٥٦ هـ . فقد سحت قرائح عدد من الفقهاء الشعراء في وصف تلك النكبة بعد أن تأججت عواطفهم، لعظم المأساة . حيث دوت في أرجاء الأندلس وذاع خبرها فلم يطل أسر المدينة. وسرعان ما انتظمت في