فصار المدّ قويا جدا على غير العادة وأصبح البحر ثائراً يدفع بمياهه فتتحرك إرتفاعا وإنخفاضا ذهابا وإيابا يصاحبها صوت الأمواج المتلاطمة التى تصدم صخور الشاطئ فيحدث جلبة ذات أصداء مخيفة وصفير الرياح الغاضبة التى تشبه موسيقى أفلام الرعب. وفى مثل هذه الأجواء المخيفة وربما فى هذا التوقيت تحديدا كثيرا ما سمع الصيادون قصصا وروايات عن حوريات البحر بارعات الجمال التى يتخذن هيئة فتيات ذات عيون ساحرة وألوان ساطعة متلألئة كلون الشعب المرجانية التى لا تستطيع تحديد لونها بعينيك لأنها خليط من ألوان الطيف. تستحيل هيئتهن الجميلة الساحرة إلى أدنى صور القبح فتبرز أنياب مدببة تشبه الحراب من فكوكهن العلوية وترتفع شفاهها لأعلى وتجحظ عيناها ويتحول شعرهن إلى شبه ثعابين قاتلة وأظافرهن الملونة إلى مخالب طويلة مدببة فتاكة تغرزهن فى رقاب المخدوعين وتجتذبهم إلى المياة العميقة ولا تتركهم إلا بعد إنتهاء كل المحاولات لمقاومة الغرق… ولسوء الحظ كان لزاماً على أى شخص يريد العبور من الشاطئ إلى المدينة أو من المدينة إلى الشاطئ أن يمر خلال هذه الغابة لساعات قبل أن يصل لوجهته. غير ممهد وتكسوه حجارة على كلتا الجانبين وحجارة متناثرة فى وسط الطريق تجعل المرور فيه عسيراً للغاية بالعربات وحتى سيراً على الأقدام وفى نهايته تظهر ملامح المدينة بأضوائها المتلألئة ومداخنها العالية على أسطح المنازل ؛ وفى حضنى حتى نصل إلى هناك. بمساعدة جوان سار كليهما بخطىً ثقيلة فالمطر ورمل الشاطئ جعل أقدامهما تنغرس وتنطبع فى الرمال. تفحص أندرسون الصندوق بعناية من كل الجهات ونظر إلى الأقفال. يبدو أنه قديم جدا فهذه الأقفال لم يعد يستخدمها أحد لأكثر من مائتى عام وهى صدئة ولن يفتحها اى من المفاتيح التى لدى هنا لذلك لابد من تحطيمها بالقوة. محاولا بجميعها فتح الصندوق دون أن يلحق به الأذى لكن دوى جدوى مما إضطرة إلى إستخدام القوة وإنهال بالفأس الحادة على الأقفال واحداً تلو الآخر حتى جاءت اللحظة الحاسمة . لن أعتبر نفسى غريباً وسأدعو نفسى لشرب قدح من القهوة فى بيتك يا أندرسون. يبدو إننى قد جئت فى وقت غير مناسب بالمرة . أغلق أندرسون الباب ونظر الجميع فى خوف إلى لورانس . ثم قاطع لورانس أفكارهم جميعا ونظر إليهم بعد ان أشعل النيران فى إحدى طرفى لفافة التبغ التى يضعها بين أصبعيه قائلاً …لن أطيل عليكم وسأدخل إلى لب الموضوع مباشرة. _نظر ألبيرت إلى جوان بغضب شديد وبنظرات تطلق سهاما نارية كمن يلومه بشدة لوضعهم فى هذا المأزق. وراحت قطرات المطر الغزير تنهال من الخارج مسرعة للدخول عبر النافذة كمن يريد متابعة ما يحدث عن كثبٍ. وجدوا صندوقا صغيراً ذو لون أسود مصنوع من خشب الأبنوس ومحلى بالذهب فى جميع جوانبه وزواياه وبجانبه رسالةكبيرة مختومة بختم ملكىٍ أحمر كالرسائل الرسمية التى تصدر من رجال الدولة وحولها مجموعة كبيرة من اللفافات الصغيرة المختومة بختم أسود براق مرسوم عليه بعض الرموز والأشكال الغير مفهومة على شكل دائرة تشبه القمر المكتمل. أجابهم جوان . أرجوك. فوجدوا إنه مغلق دون أقفال ولا توجد عليه أى علامة أو أثر لمكان يمكن أن يوضع فيه مفتاح . وبجانب الصندوق عدد من اللفافات الصغيرة جميعها نفس الحجم والأبعاد ومغلقة بإحكام. _مد كل واحد من الثلاثة يده وأخذ لفافة واحدة فقط مختومة من تلك اللفائف الكثيرة. بالطبع لن يكون هذا الضابط الماكر الوغد. كذلك لورانس يحمل نفس الإبتسامة الماكرة. تظاهر الحداد إنه قرأ رسالته ففتحها لدقائق ثم لفها وإحتفظ بها. لكن يا ترى ما فحوى رسالة كل منهم…لا أحد يدرى سوى الصندوق . فالبعض سيصبح غنيا والآخر لن ينل شيئا. إقترب الحداد من ألبيرت وحدثه بجملة سرية بصوت غير مسموع فى أذنه جعلته يضحك بشكل هيستيرى. توتر الضابط لورانس وراح يتابعهما بنظراته خشية أن يتآمرا عليه . فباغته ألبير بضربة مفاجئة بسكين غرسه فى قلبه مباشرة كان هذا نفس السكين الذى ألقاه جوان مع الرسالة إلى الأرض قبل أن يرحل. لكن إلتقطه ألبيرت دون أن يلحظ أحد . وأصوات الغربان تملأ المكان بأصداء مخيفة ومفزعة. فنظر إليه ألبيرت نظرة ماكرة وساخرة فى آن واحد. إنه نهج الحياة يا عزيزى . أين الجواهر واين الذهب . ألبيرت فى ذهول ويأس يكاد يتوقف قلبه من فرط الحزن ومن هول الصاعقة . فتش بإمعان داخل الصندوق . قرأها بصوت متقطع متألم ويائسٍ. أيها الوغد القاتل. صندوق مغلق يسعى الجميع لفتحه ونيل ما بداخله ظانين أنه يحوى شيئا ثميناً.