كدتُ أَنْسى وَأَنا أَتجول في شوارع حيفا أشياء كثيرة، وَلَمْ أُعرِ الانتباة للوجوه الغربية التي كانت تمر بي ، ولا إلى اللغة الغربية التي كانوا ترطنون بها، عيوني كانت تلثم المباني والشوارع، والخواطر تتوارد إلى ذهني بسرعة عجيبة، أنصت إلى والدي الذي طالما حَدَّثَنِي عَنْ هَذِهِ المدينة الجميلة، وأنَّ هذه ليست المرة الأولى التي أشاهدها، حديث والدي عنها جَعَلْنِي أَرْسُمُ لَها شكلاً في مُخَيَّلتي، حَتَّى أسماء الشوارع والأماكن أذْكُرُها، أَنبِش عَنْ ذِكْرِياتِ أُمِّي الحَبيبَةِ في شوارع المدينة، أُحَقِّقُ أُمْنِيَّة والدي الذي مات قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ تَحْقِيقِها، تَوَفَّقْتُ عِندَ إحدى الساحات، لا شَكٍّ في أنَّ هذه هي ساحة الحناطير حتما، هل هذه ساحة الحناطير؟ نَظَرَ إِلَيَّ نَظْرَةٌ قَاسِيَةٌ كَمَنْ أصابه المرض، وأجابني بلهجتهِ العَرَبيَّةِ المُكَسَّرَةِ، بَعْدَ أَنْ لَمَعَ الحيْرَة واللهفة في عيني :(لا يوجد في حيفا مكان يَحْمِلُ مِثْل هذا الاسم)، غير مبال بما تركه هذا الرد في نفسي مِنْ دَهْشَةٍ وحَيْرَة ولكن مهما يَكُنْ مِنْ أمر، كان إحساس غريب في تِلْكَ اللَّحْظَةِ يَجْعَلُنِي أَجْرِمُ بِأَنَّهَا هِيَ، وقعَتْ عيناي على مَسْجِدٍ، في حين ارتَفَعَتْ حَوْلَهُ البنايات الأخرى من كل جانب، لا شك في أنه جامع الاستقلال الذي طالما حَدَّثَنِي أَبي عَنْهُ. وفجأة تذكرت بيتنا في حيفا، كان يقول لي والدي دائماً، وَنَوافِذُهُ تُطِلُّ على الشارع من ناحيتين، شَعَرْتُ بِرَغْبَةٍ ملحةٍ في أن أرى البيت الذي كان يعيش فِيهِ جَدِّي وَأَبْنَاؤُهُ. عيناي تتحركان في محجريهما بسرعة بالغة وفجأة البيت أجل، إنَّهُ هُوَ وانْدَفَعْتُ عبر البوابة الخارجية لا ألوي عبر البوابة الخارجية لا ألوي على شيء وَمِنْ ثُمَّ عَبر الباب الداخلي إلى داخل البيت الذي انطبقت عَلَيْهِ المُواصفات اعْتَرَضَتْنِي امْرَأَةٌ شَقراءُ لكني فِي غمْرَةِ لَهفتي لم ألتفت إليها ، لمْ تَمْضِ بُرْهَةٌ حَتَّى وَجَدْتُ نَفْسِي محوطاً بِعَدَدٍ مِنْ رِجالِ الشَّرْطَةِ الَّذِينَ يَبْدُو أَنَّ المُرَأَةَ قَامَتْ باستدعائهم، قَبَضَ اثْنَانِ مِنْهُم عَلى يَدَيَّ بِحَيث منعاني من الحركة، بينما أَخَذَ ثَالِثَ يَدْفَعُنِي من الخَلْفِ بِضَرْبَاتٍ قويَّةٍ مِنْ كَعْبٍ سلاح كانَ فِي يَدِهِ، سَتَأْخُذُ فَقَط كَفالة مِنْ أَهْلِكَ في القدس، وسَتَذْهَبُ إلى الجسر مباشرة، وَلَنْ يُسْمَحَ لَكَ بالزيارَةِ مَرَّةً أُخرى، التي تبين لي أنها أوراقي الخاصة التي لَمْ أَعُد أَذْكُرُ مَتى أو كيف أخذوها مني .