أسباب تأثير التشبيه: تشترك في التشبيه ب- العاطفة الجياشة. ج- الذهن الذي يجعل المتكلم قادراً على الاستنتاج ليجمع بين الأشياء، إذ إن المتكلم ليس هو الذي يوجد الرابطة بين الأشياء، ٢- وثاني هذه الجهات التي تشترك في تأثير التشبيه الحس، ومن البدهي أن تكون النفس أكثر تأثراً بالمحسوس من المعقول، ولذا وجدنا المشبه به لا يكون في الغالب إلا من المحسوسات. لا يستقل وحده في تأثير التشبيه، إنما يكون مبنياً على الحسن مع أن الحس والعقل، بل لا بد أن تشترك معهما النفس كذلك، وهذا كلام مجمل لا بد له من تفصيل فيما بعد إن شاء الله. ويذهب ما فيها من أوهام، فليس الخبر كالعيان - كما يقولون - ولا تنس أن صلة النفس بالمحسوسات أسبق من صلتها بالمعقولات. ثالثاً: ومن أسباب تأثير التشبيه - وهو ناشئ عما قبله - حاجته إلى الفكر، وفي هذا السبب لذة تسعد بها النفس، لأن الذين يُدعون لا يستجيبون لهم بشيء، وتقريراً في النفس، ولن يحصل على بغيته. استمع إلى قول ابن لنكك: إذا أخو الحسن أضحَى فِعْلُهُ سَمِجاً رأيت صورته مِنْ أَقْبَح الصور وهذا المعنى مما تقبله النفس ولا ترتاب فيه، وَهَبْهُ كالشمس في حُسْنٍ أَلَمْ ترنا نَفِرُّ منها إذا مالت إلى الضَّرَرِ ابتعد عنها المعجبون بدفئها وسطوعها، ويأتي عليه بشواهد من المحسوس فقال: وتغرب وتشرق وإذا كانت المعاني – في الأمثلة السابقة - مؤكدة غير مشكوك فيها، انظر مثلاً إلى قول القائل: (قد يشيب الفتى) وهذا المعنى ربما ينازع فيه بعض الناس، وخذ قول المتنبي: فكيف يتصور أن من نشأ في قوم ليس منهم؟ فأراد الشاعر أن يزيل ذلكم التوهم وهذا الشك فقال: وخذ قول المتنبي: فإن تفُق الأنام - وأنتَ مِنْهُمْ - فإن المسكَ بَعْضُ دَمِ الغَزَالِ فإنك واجد فيه قريباً مما وجدته في سابقه، وهكذا لو استقرأت الكلام البليغ لوجدت كل تشبيه يؤثر في النفس لا يخلو عن واحد من الأسباب التي ذكرتها لك، وكثير منها ما يجمع بين الأمور الغريبة فيغدو بحاجة إلى الفكر، فانظر كيف جمع بين الضحك والهيبة وكيف استدل لذلك بالسيف الذي اجتمعت له الحدة واللمعان وانظر إلى قول أبي الحسن بن مقلة: أنا نار في مُرتقى نظر الحَاسِدِ مَاءٌ جَارٍ مَعَ الإخـوان وأنت تدرك بأن مما يزيد هذه التشبيهات روعة أن جمعت بين هذه الأشياء المتباعدة، وقد تتساءل: كيف يكون التشبيه مؤثراً في النفس وهو بحاجة إلى الفكر؟ أليس ذلك متناقضاً ما عرفناه من قبل من أن الكلام البليغ هو ما يكون معناه إلى نفسك أسرع من وصول اللفظ إلى أذنك؟ أليست حاجة التشبيه إلى فكر تدخله في باب التعقيد المنافي للبلاغة؟. ونجيبك أولاً: بأن الفكر ركيزة أساسية للتمييز بين الكلام المبتذل والكلام الجيد، (وخلاصة القول أن المجهود الفكري في التعقيد زائد على ما ينبغي للمعنى ومنشؤه من عمل المتكلم وسوء عبارته وثمرته تافهة وإن المجهود الفكري في التمثيل مناسب للمعنى ومنشؤه لطفه ودقته وفائدته جليلة ولذلك كان الأول باعثاً على الذم، والثاني موجباً للمدح)). التشبيه في القرآن نتائج مما سبق: وتمنحه جميع خصائصها، وقد تجد السفينة وموج البحر على قلة إلى غير ذلك مما كانت تقتضيه وتحتمه بيئة أولئك في جاهليتهم. ولقد أُعطوا حظاً من النباهة واليقظة والقدرة على التصوير والتعبير فكان لا بد من أن يستثمروا ذلك كله دون أن يعطلوه، وهذه القدرة على التصوير وهذا الجمال في العبارة، والأعطاف كالمسك وكالطيب والريق كالشراب، نقص السفين بجانبيهِ كَما يَنْزُو الرُّبَاحُ خَلا لَهُ كَرَعُ ولكن مع اختلاف البيئة وطغيانها على التشبيه فإننا نجد أشياء لا تتغير من حيث العنصر والحقيقة، وإنما جيء به بعد تمام الكلام وكمال المعنى وكان الهدف منه زيادة التقرير والتوضيح، بحيث تتفق مع الصورة اتفاقاً كاملاً. فقد اختلفت من حيث الألفاظ التي اختيرت لها. أولاً: وأولى هذه الخصائص أن تشبيهاته غير مقيدة ببيئة معينة، فلم تنحصر في عصر دون عصر، وذلك مما يزيدها تأثيراً في النفس، وسرف القول وفضوله، هذه بعض خصائص التشبيه في القرآن، يصبح بعد هذا كله دقيقاً، نحيلاً محدودباً، لا تكاد العين تنتبه إليه وكأنما هو في السماء كوكب تائه لا أهمية له ولا عناية بأمره، وهو ما يحتاج إليه السائر في البحر، لأن ذكر الجبال ألصق بالسياق الذي جاءت من أجله، وإنما اختيرت كلمة الظلل هنا، على أن الجبل قد شبه بالظلة في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَتقْنَا الْجَبَل فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَةٌ﴾ [الأعراف: ۱۷۱]، وكيف رفع الجبل فوق رؤوسهم تخويفاً لهم، ووعيداً علهم يرجعون عن ضلالاتهم. انظر إلى قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: ۱۸۷]، ثم فكر لماذا أوثرت كلمة اللباس هنا؟، فهو ينشر في أجواء النفس البهجة والسرور وهو بعد ذلك كله زينة وكمال. أعرفت سر اختيار الكلمة إذن؟ ج- وإليك مثالاً آخر: آكل الربا يستبيح جهد الناس وعرقهم، هذا الذي يتخبطه الشيطان من المس بعيد عن كل استقرار نفسي،