والجزائر- كبقية الشمال الأفريقي- كانت في هرج من أجل تنافس الاحزاب المسيحية وثورات بعض المتطلعين الى الاستقلال من البربر والرومان. في سنة (422) سمي بونيفاس واليا على أفريقية. وكانت بيلاسيدية أخت هنوريوس بالقسطنطينية، تزوجته بعد قتل اتولف. فنصب به ابن عمته بلاسيدية باسم ولنتنيانس الثالث تحت كفالة أمه. لما أفضى الامر الى بلاسيدية فوضت لبونيفاس في التصرف. وقام بدور السعاية به مع بلاسيدية قائد عام يدعى ايتيوس. كانت المصلحة الشخصية أغلب على بونيفاس من المصلحة العامة. ولم يبال بما يصيب دولته من شغبه عليها وهي على فراش الاحتضار. البربر أهل الوطن ضده، فأراد أن يستعين على الخلاص من الازمة بالاجنبي. فاستنجد الوندال على أن يمنحهم غرب المملكة الرومانية بأفريقية الى وادي مساغا، وفي هذه المدة كان القديس أغسطين يسعى في الصلح بين بونيفاس والامبراطورة. ولما عاد بونيفاس الى منصبه ندم على اتفاقه مع الوندال فأرسل اليهم أن عودوا الى الاندلس، وعدوا أمر بونيفاس هذا ناقضا لاقفاقهم معه. فلم يقفوا عند حد وادي مساغا، وبعد فراره قسم الوندال جنودهم قسمين: قسما تركوه للاستيلاء على نوميديا، وآخر وجهوه لحصار بونة. فكان الاول يفتح مدن نوميديا بمساعدة اتباع دونتوس، وفي سنة (31) أرسلت بيلاسيدية نجدة الى بونيفاس تشجع بها، ولم تؤاخذه على خسارة وطن هو حياة رومة لعلمها بأن لها يدا في ذلك باصغائها للوشاة. وبفتح بونة وذهاب بونيفاس تم للوندال فتح الوطن الجزائري (موريطانيا ونوميديا) وذلك في مدة عامين. لا يصح أن ترجع سرعة الاحتلال الثاني وبطء الاول الى تفوق الوندال على الرومان في السياسة والجندية. يقول بعض المؤرخين: أن الذي سهل على الوندال احتلال الوطن البربري وقرب أمده هو اتفاقهم والبربر طبعا ودينا. ذلك بأن طبع الجميع حب الثورات وهدم الحضارات، ودين الجميع كان على خلاف دين الرومان الارثذوكس. فان البربر إنما كانت ثوراتهم حبا في الاستقلال وتطهير هوائهم من سموم الانفاس الاجنبية، ومن المؤرخين من يعترف بوجود فروق بين البربر والوندال من شأنها ان توجد الكراهية والبغضاء بين الامتين. أما الفوضى البربرية فانما هي من حيث فقد أمير عام يلتفون حوله، وأما حسن سياسة القائد الوندالي فليست هي التي استمالت اليه البربر، وانما نفعته في جمع كلمة من تحت رايته من قومه وتثبيت قدم دولته بعد الاحتلال. وعندي أن لا سبب لسرعة احتلال الوندال غير مساعدة البربر لهم.