تفسر العلاقات الوظيفية بين ظواهره المختلفة وهذه كلها كانت مجرد فرضيات، ولكنها حقائق مدعمة بالأدلة التي تقوم عليها بعد فترة من الزمن، والبحث عن الحقيقة ذاتها يبدأ بالتشكيك في النظريات السابقة، وهو ما نعني به الشعور بالمشكلة وبعد ذلك تبدأ مرحلة الفروض العلمية التي يبنيها الباحث على البيانات والمعلومات المتاحة والتي تتيح تفسيرا أكثر قبولا من الأفكار السائدة. وتعتبر الفرضية من أكثر ادوات البحث العلمي فعالية(2)، وان الأساليب العلمية للبحث وخاصة تلك التي تهتم بدراسة اسباب ظاهرة معينة وتفسيراتها، لا تتطلب بالضرورة ان تكون مشكلة البحث واضحة ومصاغة بشكل جيد، بل يجب ان تكون على شكل فرضية محددة بدقة يمكن اختبارها والتأكد من صحتها ويعتبر العلم إطارا فكريا عاما، يضم العديد من القوانين والمبادئ والنظريات التي تفسر العلاقات الوظيفية بين الظواهر المختلفة، التي كانت في بداياتها مجرد فرضيات في ذهن الباحث، ويستند الباحث في هذا إلى البيانات(المعلومات)التي يجمعها حول موضوع الدراسة، فكم من نظرية علمية ثبت خطئها بعد المزيد من الدراسة الأولى لموضوع البحث، وهذا يعني ببساطة ان المعرفة الإنسانية مهما كانت تقوم على أساس جيد فلا ينبغي التفكير فيها على انها قوانين ثابتة لا تقبل التغيير، ثم يليها صياغة فرضيات علمية مبنية على معلومات وبيانات، وتفسر النظرة العلمية الحديثة كثيرا من النظريات العلمية القديمة على أنها مجرد فرضيات علمية، فالنظرية العلمية لا تقتصر على مجرد التطابق المنطقي بين حججها وبياناتها، وإنما تتعدى ذلك الى التحقق العلمي الناتج عن اختبار أدائها وفرضياتها اختبارا يعتمد بالأساس على التجربة والقياس، ولا ينبغي ان يشار الى الفرضيات العلمية على أنها نظرية علمية، فالنظرية العلمية تأتي نتيجة بحث علمي متكامل، وبالتالي فهي تكون قادرة على تقديم التفسير العلمي السليم لمشكلة ما، تكون قادرة على الكشف عن العلاقات الوظيفية بين ظواهر معينة وتفسيرها تفسيرا منطقيا، ان كل نظرية لا بد بالضرورة ان توضح جميع جوانب موضوع بحث معين، ولمعرفة مفهوم الفرضية كعنصر من عناصر ومقومات المنهج التجريبي، يجب التعرف أولا على معنى الفرضية كعنصر من عناصر ومقومات المنهج التجريبي وتحديد أسباب ومصادر الفرضيات ثم توضيح الشروط الأساسية لسلامة الفرضية ومعالجة مسالة اختيار الفرضيات. وليكون هذا الفرض كمرشد له في البحث والدراسة التي يقوم بها. ”وهي تفسيرات مقترحة للعلاقة بين متغيرين، والفرضية تمثل في ذهن الباحث”احتمالا وإمكانية لحل المشكلة المطلوب دراستها، وبالتالي فإن هنالك إمكانية دراسة مشكلة معينة ومحاولة حلها عن طريق وضع فرضية علمية، او عدة فرضيات باعتبارها حلولا محتملة او متوقعة للمشكلة التي قيد الدرس”فالفرضية لا تزيد عن كونها جملة لا هي صادقة ولا هي كاذبة وهي بمثابة العقد الذي يعقده الباحث مع نفسه للوصول الى نتيجة مؤكدة لقبول الفرضية او رفضها”ولا بد للفرضية العلمية الموضوعية ان تحتوي على علاقة بين متغيرين أو اكثر(3). ويمكن استخلاص الفرضيات من فرضيات أخرى، والفرضيات هي في حقيقتها أسئلة دقيقة تدول حول موضوع البحث، تتكون الفرضية نتيجة عوامل خارجية وداخلية، وأحيانا قد تنشأ وتتكون الفرضيات العلمية حينما يتعمد الباحث الملاحظ وضع فرضياته لإجراء تجارب للرؤية والمشاهدة(4). أما بالنسبة للعوامل الداخلية(الباطنية)التي تنطلق من عقل وذهن الباحث، فهي أهم العوامل التي تلعب دورا في نشأة وتكوين الفرضيات العلمية، وبعد النظر والاستبصار وعمق التصور وحدة الذكاء واتساع المدارك وقوة الخبرة والمعرفة، وتقوم الفرضية العلمية بدور هام في مجال استخراج النظريات والقوانين والتعليلات والتفسيرات العلمية للظواهر والوقائع والأشياء وهي تنبئ عن عقلا خلاق وخيال مبدع وبعد رؤية، كما تقوم الفرضية بدور أساسي في ربط وتسلسل عملية التجريب واستخراج القوانين واستنباط النظريات العلمية المتعلقة بالوقائع والظواهر الناتجة عن التجربة(5). ولمصادر الفرضيات العلمية اسم”النظام التحليلي”أو النظام المحلل” ويوجد هذا النظام في عقل كل محلل او باحث علمي متخصص، وقائد علمي بالمعنى العلمي للقيادة العلمية، ومن أهم العوامل المساعدة على توليد الفرضية العلمية، فإذا كان البحث يهدف الى الوصول إلى حقائق ومعارف، يميزون بين الدراسات حسب استخدامها للفرضيات العلمية، فالدراسة ذات المستوى المتعمق هي التي تحتوي على فرضية، فإن وجود الفرضيات في الدراسة العلمية يحقق عدة ايجابيات من بينها مايلي: ـ توجه جهود الباحث في البيانات والمعلومات المتصلة بالفرضيات، وبالتالي توفر الكثير من الجهود التي بذلها الباحثون في الحصول على معلومات، ـ تحدد الإجراءات والأساليب المناسبة للبحث، ـ تقدم الفرضيات تفسيرا للعلاقات بين المتغيرات، فهي تحدد النتائج في العلاقة بين المتغير المستقل والمتغير التابع، وبالتالي توضح اطار نتائج البحث. ويقوم الباحث لدى صياغة الفرضيات الخاصة بموضوع البحث، بوضع الفرضية التي يرى أنها تؤدي إلى تفسير مشكلة البحث، بمعنى ان تصاغ الفرضية بشكل يثبت العلاقة سلبا او إيجابا. بمعنى ان تصاغ الفرضية بشكل ينفي وجود علاقة. والنوع الأول من الفرضيات(صيغة الإثبات) يشير إلى وجود علاقة بين متغيرين وتسمى الفرضية في هذه الحالة فرضية مباشرة، أما إذا صيغت الفرضية بالشكل الذي ينفي وجود العلاقة، ان صياغة الفرضية العلمية الخاصة بموضوع البحث، تعتبر من أهم مراحل المنهجية عند تخطيط البحوث، صورة دقيقة للمشكلة الرئيسية يتناولها الباحث من جميع جوانبها بحيث تقدم في مجموعها تفسيرا صادقا لمشكلة البحث هذه بعد تحقيقها. وهنا تعتبر الفرضيات وسيلة مهمة للربط بين نتائج دراسة معينة وتحليل مواقف أخرى. وهكذا فالفرضية تبدأ دائما في ذهن الباحث عن فكرة معينة تضع أساس الدراسة، وفي هذه الحالة يتعين على الباحث، اذ لا يجب ان يخضع التجربة للفرض، وانما ينبغي ان يخضع الفرض نفسه للتجربة، واذا كانت خطوة فرض الفرضيات تلقى بعض الاعتبارات لسببين أساسيين هما أ ـ إذا بدأ الباحث بفرض معين فليس من السهل عليه ان يتخلى عنه بعد ذلك. توجه إدراك الباحث وتفكيره الى ناحية معينة مع إهمال باقي النواحي الأخرى المحتملة. فحين يفقد الإنسان شيئا معينا فإنه يضع فرضيات لوجود هذا الشيء في أكثر من مكان، والفرضيات كما اشرنا هي تخمينات ولكنها ليست تخمينات عشوائية، 1ـ الإطلاع والمعرفة الواسعة: فالباحث يبدأ بالتفكير في مشكلة معينة، تتطلب دراسة عميقة في موضوعات لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بها، ومن بينها الدراسات والأبحاث التي قام بها باحثون سابقون وهذه القراءات والاطلاعات المستمرة تكسب الباحث ميزة هامة وقدرة كافية على صياغة فرضياته العلمية بطريقة معقولة. فالباحث خلال التخصص في موضوع معين ومن خلال ثقافته وإطلاعه الواسع وخبرته العلمية يكون قادرا على بناء فرضياته لتقسيم موضوع دراسته. 2ـ القدرة الواسعة على التخيل: ان الباحث يحرر نفسه من أنماط التفكير التقليدية ويتجاوز حدود الواقع دون تردد لذلك ينبغي على الباحث ان يخصص وقتا طويلا لبناء فرضياته، 3ـ الجهـد والتعـب: يخصص الباحث المتمرس وقتا كافيا للدراسة والتفكير المستمر في موضوع او مشكلة البحث، ويقلب في جوانبه في معظم أوقات عمله، إلى جانب هذا يقوم بدراسات وملاحظات علمية، يتوافق مع جميع ما ترتب عليها، وتزداد درجة الاحتمال اذا تمكن الباحث من إيجاد عدد من الأدلة التي تؤيد الفرضية(11)، وان التوصل إلى هذه الأدلة يعني ان الباحث استطاع ان يوفر الأدلة التي تمكنه من قبول الفرضية، ولا يغيب عن البال، ان عدم قدرة الباحث على إيجاد الأدلة التي تثبت او تؤيد صحة الفرضية لا يعني ان هذه الفرضية غير صحيحة ويجب التخلي عنها، وهذا ليس لعدم وجود أدلة مؤيدة، ولكن لان إمكانيات الباحث لم تساعده في إيجاد هذه الأدلة وفي مثل هذه الحالة تبقى الفرضية قائمة وإمكانية البحث عنها متوافرة. وان يتخلى عنها(أي الفرضية)اذ لا يستطيع الباحث ان يتمسك بفرضيات خاطئة حتى ولو كانت مغرية، فكل الفرضيات التي يضعها الباحثون يمكن ان تعدل في اثناء البحث فقبل ان يتوصل الباحث الى إثبات فرضية معينة، مقومات الفرضية العلمية الجيدة: تتميز الفرضية العلمية بمقومات اساسية يتعين على الباحث مراعاتها عند صياغة فرضيات بحثه ويجب توافرها لتكون الفرضيات العلمية صحيحة وفيها مصداقية ومن اهم هذه المقومات مايلي صياغة بشكل واضح ومحدد، ولهذا يجب تحديد معنى الاحباط والعوامل التي تؤدي إليه، وكذلك يجب تحديد أنواع ومدى السلوك الذي سيعتبر عنفا لأنه كثيرا ما يخلط بين السلوك العدواني والسلوك الغضبي. ولكنه نفاذ رؤية وتخمين ذكي يستند الى الحقائق والخبرة حتى تكون للفرضية دلالتها. 4ـ صياغة الفرضية بطريقة تسهل امكانية اختبارها واثبات صحتها اوخطئها: وهي الحالة التي كثيرا ما تصادف طلاب الدراسات العليا(الماجستير-الدكتوراه) لاختيارهم فرضيات متميزة لا تصلح للاختبار. 6ـ ان تحدد الفرضية علاقة بين متغيرات معينة: ففي حالة عدم توافر هذه الخاصية في الفرضية المصاغة فإنها لا تصلح أساسا للبحث. فالأول قد يتعجل في تبني فرضيات تخمينية، ويعتبرها فرضيات علمية، وفي هذا الإطار توجد خطوات أساسية لاختيار الفرضيات الجيدة يتعين على الباحث استخدامها نوجزها فيما يلي 1ـ يقوم الباحث بتجميع البيانات، التي يعتقد أنها ترتبط بموضوع بحثه، وقد يصل الى ذلك عن طريق عمل بحثي استطلاعي حول مشكلة البحث يحاول من خلاله جمع بيانات الدراسة، ويحدث هذا الأسلوب كثيرا في الدراسات السلوكية والاجتماعية، وهذا يمثل الفرضية الأولى التجريبية، وأحيانا قد يدمج الباحث فرضيات الجوانب المختلفة للموضوع في فرضية واحدة او اثنتين الا ان ذلك يشكل صعوبة، في إثبات صحة او خطأ الفرضيات ويفضل ان يبدأ الباحث دراسته بعدة فرضيات محددة وواضحة بدلا من استخدام فرضية مطولة تضم عدة نقاط. 2ـ ان يصوغ الباحث فرضياته في صيغة الفعل المضارع الذي يعني في نفس الوقت ما سيكون وذلك لأن الفرضيات هي توقعات للنتائج او أنها استنتاجات محتملة على ان قيمة البحث العلمي لا تعني بالضرورة إثبات صحة الفروض العلمية التي ساقها الباحث بل ان اثبات عدم صحتها ايضا يعتبر إضافة علمية طالما ان الفرض العلمي او المشكلة جديرة بالبحث كما اشرنا ايضا. 3ـ بعد ان يتبنى الباحث فرضية او عدة فرضيات يعتبرها اكثر الإجابات احتمالا على السؤال الذي يقوم بفحصه يبدأ بعد ذلك باستخدام”التعليل الاستنباطي”كي قرر ما نوع البيانات التي يجب ان يتوقع إيجادها إذا كانت فرضية او فرضيات صحيحة او بمعنى آخر ان يقرر الباحث ما يجب ان يترتب منطقيا على التعميم الذي يقوم باختياره. ثم يقوم باختبار الفرضية وفي مثل هذه الحالة ينبغي ان يؤخذ في الاعتبار عاملين أساسيين: أ ـ البعد الزمني للبحث:بمعنى ان الإجابات المحتملة للموضوع، فإذا كان البحث يتصل بالماضي، سيسلك الباحث الاتجاه التاريخي(أي يعتمد على المنهج التاريخي) في اختيار الفروض. فإن الباحث يلجا الى الدراسات والأبحاث الميدانية، وإذا كان البحث يتصل بالمستقبل، وتغيير واقع معين، فالمألوف هنا ان يلجأ الباحث إلى الاتجاه التجريبي(أي المنهج التجريبي). ب ـ تحديد الفرض من البحث:فإذا اقتصر البحث على الجانب الكشفي فيعتبر بحثا استطلاعيا تسجيليا وتوثيقيا(مثلا) ولا يتضمن هذا البحث افتراضات علمية معينة، وما هو يستلزم أكثر من نوع من أنواع البحث معا بدرجات متفاوتة. شروط نجاح الفرضية العلمية: يتوقف نجاح الفرضية العلمية، على توفر شروط محددة أهمها ـ وضوح الفرضية: بمعنى ان يقوم الباحث بتحديد الفرضية العلمية، والمفاهيم الغامضة التي تتضمنها الفرضيات او النظريات، بالإضافة الى التعرف على المقاييس او الوسائل التي يستخدمها الباحث للتحقق من صحة الفرضية التي وضعها. ـ الشمول والربـط: أي ان الباحث يقوم باعتماد الفرضيات او النظريات على جميع الحقائق الجزئية المتوافرة، بحيث يكون هناك ارتباط بينها وبين النظريات التي سبق التوصل إليها. المقارنة بين الفرض العلمي والنظرية: ولكن ليس كل فرضية نظرية علمية، 1ـ اذا فسرنا النظرية نجد أنها نتيجة بحث علمي متكامل يتوفر فيه جميع شروط البحث العلمي، ولكن ليس بالضرورة ان توضح النظرية كل جوانب الموضوع، كما يظهر من خلال استخدامها عمليا وتطبيقيا. 3ـ ارتباط النظرية بشيء يخضع للملاحظة والقياس، لتتمثل فيها الصفة العلمية التي تعين على التوقع والاستنتاج، بالقدر الذي يسمح به الموضوع نفسه. إذ ان يكون الموضوع نفسه على درجة من التعقيد او التشابك الذي يستحق المزيد من الانتباه والتدقيق(15). وتختلف الفرضية عن النظرية في الدرجة، وعندما يسأل الباحث نفسه في بداية الدراسة عن الفكرة او النتيجة التي يريد الوصول إليها من خلال بحثه، فالأسلوب العلمي يرفض الثبات المطلق لأي نتائج يتوصل إليها الباحث، مهما أمدتها الأدلة والبراهين المتوفرة، بأنها حقائق بلغت درجة عالية من الصدق. ولا شك في ان أي بحث علمي يهدف أساسا إلى التوصل إلى نظرية او تعميم مقبول منطقيا. وتعني كل هذه المصطلحات كل ما أسفرت عنه الدراسة من نتائج. أما كلمة”نظرية” فتعني تفسير مجموع الظواهر في إطار معين، أما كلمة”استنتاج”فقد تنطبق على نتائج البحث او نتائج إحدى مراحل البحث، اذ أن الفرضية لا تأتي إلى ذهن الباحث بطريقة عشوائية، فالفرضية العلمية ليست مجرد تخمين او تكهن. ففي الوقت الذي تبني فيه الفرضية على المعرفة العلمية والدراسة،