‎دور ر « المعرفة » في الحياة الخلقية . ولو أننا حاولنا الآن أن نفصل في هذا النزاع الأخلاق الذي قام بين سقراط من جهة ، وفلاسفة المسيحية من جهة أخرى ، لوجدنا أن الفيلسوف اليونانى الكبير قد جانب الصواب حينما عمد إلى التوحيد تماماً بين «العلم» و « الفضيلة ) ، فى حين أن فلاسفة المسيحية قد تطرّفوا ‎في الاتجاه المضاد حينما راحوا يؤكدون أن « الفضيلة لا تعلم » على الإطلاق . صحيح أن « الفضيلة » ليست مجرد « علم . وحين يكون الإنسان مفتقراً إلى هذا الضرب من « المعرفة » ، فلا بد لعلم الأخلاق من أن يضطلع بمهمة تلقينه مثل هذه « المعرفة ) . ومعنى هذا أنه لا بد للإنسان - قبل الإقدام على اتخاذ تصميماته الخلقية - من أن يكون ملما بتلك القواعد الأخلاقية التي سيكون عليه أن يعمل بها أو أن يخرج عليها . ونحن لا ننكر أن مثل هذه « المعرفة » لا تضمن لنا سلفاً إقبال صاحبها على أداء الفعل الخير ، أو تحقيق : السلوك القويم » ، وهنا قد يعود الفلاسفة النظرتون ) من أمثال شوبنهاور ) إلى الاعتراض ، فيقولون إن مهمة ( الأخلاق » الأولى هى الكشف عن « الحقيقة » في مضمار السلوك ، دون التعرض للحياة الخلقية بوصفها ( عملاً » أو « فنا » . وردنا على - هذا الاعتراض أن عملية الكشف عن معنى آرائنا الخلقية قد لا تخلو من تأثير هي نفسها - على سلوكنا العملي، لأنها تسلّط على مبادئنا الكامنة أضواء الوعى أو الشعور ، إن لم نقل بأنها قد تؤدى بنا إلى نبذ بعض الآراء الأخلاقية السائدة على ضوء ما تكشف عنه تلك الدراسة من « مبادىء جوهرية » . والحق أن الكثير من فلاسفة الأخلاق قد فطنوا إلى أن « أوامر الضمير » تمثل وصايا عقلية تقبل التحليل والتبرير وبالتالي فإنهم قد جعلوا « للعقل » Reason دوراً هاماً في صميم حياتنا الخلقية . ولا شك أن مثل هذا ( التحليل » العقلى إنما يضطلع بمهمة تربية الضمير : لأنه هو الذى يجعل أو امر الضمير أكثر اتساقاً وأشد توافقاً مع « القانون الحاقي » الموضوعي . ولعل هذا ما عناه فلاسفة ( المثالية ) ( خصوصاً من بين رجالات المدرسة الأخلاقية الإنجليزية ( حينما ذهبوا إلى أن مهمة الحياة الخلقية هي تسليط D الواعي أضواء الوعى أو الشعور على ذلك العنصر « العقلى » ، « الروحي » ، فما ذلك إلا بالدراسة التأملية لتلك القواعد الخلقية التي اصطنعها الإنسان في توجيهه لسلوكه ؛ وهذه هى نقطة البدء في كل دراسة أخلاقية - ويمضى. بعض فلاسفة الأخلاق إلى حد أبعد من ذلك فيقولون إن الدراسة الأخلاقية التي. يتم عن طريقها تسليط الأضواء العقلية على ( العوامل الروحية المؤثرة على السلوك الخير أو الحياة الخلقية القويمة ، لهى بمثابة واجب خلق أساسي يقع على عاتق الإنسان . وهنا تظهر الصلة الوثيقة التي تجمع بين النظر » و و « العمل ». في مضمار السلوك الخلقى : فإنه لمن الواضح أن « النظر » الأخلاق موجه منذ البداية نحو الحياة العملية ، كما أن ( العمل » الخلقى قائم بطبيعته على فهم صحيح لروح ( القانون الخلقى ، بوصفه مبدأ عقليا (1) D ولا ترانا في حاجة إلى التدليل على قيمة « الأفكار الخلقية » في حياة الأفراد والجماعات : فإن التجربة لتظهرنا على أننا حريصون دائماً على التمييز بين الفكرة الصائبة والفكرة الخاطئة ، بل وفي مجال الأخلاق أيضاً . فإننا كثيراً ما نعود إلى أفكارنا محاولين فحصها وامتحانها ، لأننا على ثقة من أن سوء تصرفنا لابد من أن يكون راجعاً إلى خطأ في التفكير أو التقدير أو التقييم أو وزن الأمور . صحيح أن ظروف الحياة هي من السعة والتعقد بحيث إنه هيهات للمبادئ الأخلاقية العامة أن تمدنا - في كل حالة - بالميزان العقلي الصحيح الذي يسمح لنا بتقييم كل. ولكن من المؤكد أن الإلمام بالمبادئ الأخلاقية العامة كثيراً ما يضع بين يدى المرء « معايير ثابتة ؟ يمكن تطبيقها على الحالات الجزئية . وحتى لو افترضنا أن كل ما يمكن أن تقدمه لنا ( الأخلاق الفلسفية » هو مجرد فكرة عامة عن حقيقة الخير ، أو طبيعة ( القيم » ، فستظل لهذه الفكرة العامة قيمتها الكبرى بوصفها « معياراً » للخير والشر بوجه عام. وليس ما يمنعنا بعد ذلك من أن نحاول تطبيق المبادئ الأخلاقية على الحالات الخاصة ، وليس من شك فى أن ميدان ( التطبيق العملى « كثيراً ما يكون مناسبة طيبة لتصحيح بعض أفكارنا الخلقية ، أو لتعديل بعض مبادئنا الأخلاقية . وكثيراً ما تجيء « التجربة » ، فتكشف للفيلسوف الحدسى ( مثلا ) عن وجود ضرب من «التناقض بين بعض ( القواعد» التي توصل إليها عن طريق « الحدس » ، فيكون عليه من بعد أن يعاود النظر فى مذهبه الأخلاقي ، حتى يقضى على ما فيه من أسباب التناقض - ولا شك أننا إذا لم نحرص - بين الحين والآخر - على مراجعة مبادثنا الأخلاقية وضبطها ، عن طريق النظر إلى آثارها في الحياة العملية وطريقة تطبيقها على الحالات الخاصة ، ومواقف السلوك الجزئية ، ولكن من الواضح أن الحلات الخاصة نفسها يمكن أن تتدرج تحت ( فئات ) Classes ، ومن ثم فإنه ليس ما يمنع « علم الأخلاق» من تصنيف تلك « الفئات » والعمل على فهمها في ضوء القوانين الأخلاقية العامة ، وأن يدع التفاصيل ( أو الجزئيات ) تهتم بنفسها ، خصوصاً وأن كل كرامة الإنسان ، وكل ما لديه من استقلال ذاتى ، (1) . إن الانحراف المهنى ليوقع في ظن الفلاسفة أن الإنسان موجود «نظرى» ، والمعرفة ، والتغيير من عالمه وعالم الآخرين . وحتى حين يقوم الإنسان بعملية « إدراك » الأشياء من حوله ، وانفعالات ، وقدرة على التقييم » . بل هو أيضاً إنسان ( عامل ، ويسعى جاهداً في سبيل المشاركة في تحقيقها . وحينما جعل سقراط من الحكمة » المثل الأعلى للحياة الخلقية ، فإنه لم يكن يعنى بها مجرد « البحث النظري الصرف ، ، وكان على إدراك . الحكيم ود هو ذلك الانان دلالات » . وتبعاً الذي يتمتع بقدرة نفاذة ما في الحياة من « قيم لذلك فقد ذهب سقراط إلى أن «الحكيم » هو الرجل الذي يملك حقلية متفتحة لا تغلق عينيها عن أية ( قيمة » ، ولا تكف مطلقاً عن رؤية الأشياء والأشخاص دون أن ينكر في الوقت نفسه أن « الحكيم » أيضاً هو الرجل الذى لا يكف عن الاكتشاف والبحث والتعلم . وهذا هو السبب في أن كل زيادة نموه ره الخلقي ८ ويعمل شيء يسهم في على إثراء القيمة الضمنية لحياته الخاصة . وإن كان يريد أن يفهمهم من الداخل» ، وحرية ، وإن المرء ليلتقى في حياته العادية بالعديد من الموجودات ، ولكن قليلون هم أولئك الذين « يراهم » بالمعنى الأخلاقي لهذه الكلمة ، وبالمثل ، ولكن لكى ينزلق السطح على السطح ، غير متلامسة ، أو أن يفقد ذاته نهائياً في أية ذات أخرى (١) ، ولكن من المؤكد أن كل شخص يحن - في قرارة نفسه -- إلى أن يصبح مرئيا » من جانب شخص آخر ، من جانب الآخرين ؟ وهل يمكن أن تكون في الحياة ، ودون أن يشعر به أحد ،