يبدو أن من المسائل الضرورية التي ينبغي باستمرار معاودة ومراجعة التفكير فيها، التي تساهم في تطوير هذه العلاقة وإلى بيان المحفزات وعناصر التشجيع التي تدفعنا إلى مواصلة هذه العلاقة وتطويرها بشكل مستديم. لهذا تنبع ضرورة بحث وجوه علاقتنا بالثقافة وذلك لأن هذه العلاقة من مؤشرات التطور والدينامية الاجتماعية، والسؤال الذي يبرز في هذا الإطار هو: كيف نطور علاقتنا بالثقافة؟ 1) توطيد وتعميق علاقة الحب مع الثقافة: هي أن تكون علاقتنا بها علاقة حب وعشق ورغبة ذاتية عميقة، تتجه إلى توطيد أواصر العلاقة مع هذا الكنز الإنساني المليء بكل ما يفيد الإنسان في حاضره ومستقبله. وتوضيح الفوائد والآثار الايجابية التي يجنيها الإنسان والمجتمع، فكلما توسعت دوائر المعرفة والعلم في المجتمع كان أقرب إلى تدبير شؤونه بطرق وأساليب حضارية، وكلما تقلصت هذه الدوائر كان المجتمع أقرب إلى شريعة الغاب والبعد عن أبجديات التعامل البشري. فهي المكون الأساسي لتطوير علاقتنا بالثقافة وعلاقة الحب تخلق القدرة الذاتية لممارسة الثقافة النظرية الاجتماعية تجاهها. بدون العناية بالعوامل والأسباب التي تجعل هذه العلاقة نابعة من الرغبة الذاتية وبعيدة عن أشكال الفرض والقسر. وغرس الرغبة والحب كانا هما العامل الأساسي الذي ساهم في تطوير علاقة تلك المجتمعات بالعلم والمعرفة والثقافة. من الأمور التي لا تنفع معها أساليب القسر، لأنها لا تؤدي إلى علاقة حقيقية قادرة على تطوير نظرات الإنسان تجاه الثقافة ودورها في الحياة. 2) بناء المؤسسات الثقافية والعلمية: إلا بوجود المؤسسات والحوامل الثقافية والاجتماعية التي ترعى شؤون الثقافة وتحتضن المثقفين والمهتمين بشؤونها، يزيد من وعي الناس ويقربهم عبر وسائله الحضارية إلى الاهتمامات الثقافية والحضارية. فإنها قاصرة ولدواع ذاتية مرتبطة بطبيعة الأعمال الشخصية، فعملية تطوير علاقة المجتمعات الإنسانية بالثقافة تحتاج إلى بناء المؤسسات والمنتديات التي تأخذ على عاتقها مهمة تطوير علاقة المجتمع بالثقافة كاهتمام وممارسة وأبعاد وآفاق المجتمع بالثقافة. ويؤكد علم اجتماع المعرفة أهمية (التراكم) كعملية ضرورية لنمو الثقافة إذ إن كل ثقافة تمثل في فترة ما مجموع العناصر المادية والمعنوية التي تجمعت لدى الأجيال الراهنة، يساهم بشكل جاد في تطوير علاقة ذلك المجتمع الذي تتواجد وتنشط فيه تلك المؤسسات بالثقافة والمعرفة. وتجعل لحركتهم هدفاً ومقصداً وتبعدهم عن كل أشكال العبثية والفوضوية، فتطوير هذه العلاقة ليس وصفة جاهزة أو مقولة ثابتة وإنما هو مشروع مفتوح وإطار واسع يستوعب كل المبادرات والفعاليات الإنسانية التي تتجه إلى غرس المعاني النبيلة والرفيعة في حياة الإنسان الاجتماعية. ومن المؤكد أن الفعالية الإنسانية الأساسية التي تطور علاقة الإنسان بالثقافة هي حينما يتمكن هذا الإنسان من أن يحول قيم الثقافة ومبادئها إلى حياة وممارسة سلوكية. لأنه حينما تتحول الثقافة إلى حياة ووقائع مجتمعية متعددة وتصبح جزءاً أساسياً من النسيج الاجتماعي، فإن الإنسان عبر تجاربه وخبراته سيضيف إلى الثقافة قضايا وأموراً حيوية، أن يبذل المهتمون بشؤون الثقافة جهوداً في سبيل تحويلها إلى حياة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى وأبعاد.