المحصول بقلم : جمال الغيطاني | مصر قبل اقتراب الظل من شجرة الكافور العتيقة ، افترشوا الأرض بجوار الزرع ، جلسة ما بعد نضج المحصول ، تجت البسلة من النداوة التي تخفف الأوراق وتمتص اللون الأخضر ، إن عبد الموجود راض ، ينظر إلى الولدين جابر الكبير وعبد العال الصغير ، لم يتبق مجهود كبير . قرقر الشاي في البراد ، الصوت الوحيد في السكينة التي تتوسط النهار . توقف على الطريق الذي يعلو قليلاً نزل ثلاثة ، لم يستطع تمييز ملامحهم ، تلفتوا حولهم كأنهم يبحثون عن شيء ما مدوا أيديهم عند نزول المنحدر ، بدا أولهم غير عابيء بالطين المبلول ، قال عبد الموجود لنفسه ، ظنهم من المباحث جاءوا للاستفسار عن شخص ما ، أولهم شاب في عمر عبد العال ، طويل يبدو أنه من مصر . صافح بقلب مليء بالترحيب . لم بيد رجلاً من الأكف الخشنة ، ممكن نقعد ؟ ، قال عبد الموجود . با سلام تشرفونا يا بك ، تشربوا شاي ؟ قال الشاب . . يا عم الحاج . وبصل وبطاطس وباذنجان ، وربنا بعمل ما فيه خير الطرفين ، يبدو أن عم عبدالموجود يعرف ما جاء من أجله تماماً ، قال إنه موظف بأحد الفنادق الحديثة في مصر ، فندق ضخم سيفتح أبوابه بعد سبعة أيام ، سيقدم الأكل لأكثر من ألف شخص با ، صاحب الزرع موجود ، والنقود موجودة وعربات النقل جاهزة ، والرجال الذين يعيشون وينقلون موجودون في الفندق ، هز عبد الموجود رأسه أه ، ، خير ماعملوه ، تفكير سليم وتدبير تمام ، في هذه اللحظة وصل عبد العال الصغير ، ومثل هذه لا يعرضها التاجر في السوق أبداً ، لم تفت الملاحظة | الأفندي ، صمت عبد الموجود ، التفت إلى الإثنين الآخرين ، بدا له ألا يسترسل في التفاصيل العملية ، من الذوق أن يهتم بضيوفه الذين نزلوا عليه فجأة ، تساءل عما إذا كان الأستاذان يعملان أيضاً في الفندق ؟ قال صاحب الحقيبة السوداء ، إنه صديق البيك فقط ولا يفهم في أمور الفنادق . وهنا سأل جابر مفتتح حديث البيع والشراء عن الكميات التي سيطلبها الأفندي ، قال عبد الموجود مقطباً عينيه و الأرض كلها من هذه الناحية الا نزرع إلا الخضر . أشار إلى الجهة الشرقية ، لا يوجد عمار بعد البلدة ، إذ رمح الجمل في الصحراء بتوه فيها ولا ايسعى أحد خلفه . هز الأفندي رأسه ، استحسن السائق مذاق البسلة ، طلب من عبد العال الصغير أن يجني للأسطى ، قال الأفندي إن هذا لا يمكن ، . ثم إنها حاجة بسيطة ليدخل بها الأسطى على الأولاد ، . يعني الكيلو بكم ؟ نظر عبد العال الصغير إلى والده ، نظر إلى زميليه وكأنه أدرك حقيقة ظلت خفية عليه : إن السعر في السوق ثلاثون قرشاً ، والصنف الممتاز الذي يأكلون منه الآن لا يقل عن أربعين قرشاً إذا وجد ، قال صاحب الحقيبة السوداء ، تشتري كل شيء بنفسها ، لأنه دار ولف فعلاً ، إن السعر هنا مناسب جداً والمحصول جيد جداً ، قدم جابر الكبير كيساً به حوالي ثلاثة كيلو جرامات إلى السائق ، تساءل عبد العال الصغير بصوت جاد عن عنوان اللوكاندة في مصر ، بسط الأفندي يديه مطمئناً ، قال إنه سيجيء إليهم بنفسه خلال أيام ، لن يكلفهم عناء الذهاب إلى مصر القبض الثمن ، الدخول إلى اللوكاندة صعب لأنها في مكان بعيد أولا ،ما عليهم أن يوقعوا الفواتير وايصالات الاستلام ، قال عبد الموجود دائما ، قال عبد الموجود وفي تساؤله موافقة ، ألن تصل النقود إلى هنا ؟ أو ما الأفندي ، إذن كما تشاء و تمضي ، اقترب عبد العال من الأقندي ، ألا يمكن معرفة اليوم والمبعاد حتى ينتظروهم ، حاول عبد الموجود أن يصعد المنحدر وراءهم ، لكن الأفندي أقسم أن يبقى كل في مكانه . احتكت العجلات بالأرض ، تضاءل الصوت تدريجياً حتى استقر الصمت ، بدا الأمر مفاجئاً حيث سأل عبد الموجود نفسه ، الجري هنا وهناك للاتفاق مع من ايساوي و من لا يساوي للمشاركة في استئجار عربة نقل ، نزول السوق في الليل والبرد يقص أطرافهم قصا ، ربما باعوا المحصول في ساعة ، لم يتحدثوا إليه مباشرة لم يروه إلا من مسافة ، يجيء في عربة ويذهب في عربة ، أحدهم يجيء إليهم بالفاتورة والنقود ، يأخذ لنفسه مافيه النصيب ومن قبله الواقف أمام الميزان ، ثم يبدأ بحثهم عن طريقة للعودة من مصر ، قال عبد العال الصغير : إنه يعرف ذلك كله ، لكن قلبه غير مطمئن لهذا الأفندي ،قال جابر : إن شكله يشبه ضباط المباحث ، إنهم عادة يتظاهرون بالود ، صاح عبد الموجود متسائلاً عما يمكن أن تهتم به المباحث هنا قال جابر ، ربما يبحثون عن قطعة ملاح . . أو يستقصون أثر شيء ما ، ضرب عبد الموجود يده بالأرض . يا أولاد : الأفندي لم يطلب لنفسه شيئاً ، . تصاعدت رائحة القش المحروق ، نقلت الظهيرة ، لم تهتز الفروع والأوراق ، وفرف السوق الذي أكل عمره مقداراً إثر مقدار ، إنه لا يطمع في المزيد من النقود ، كتفه اليمنى مرتفعة قليلاً ، يقف محدقاً باليسر الكليل ، يندلي فكه الاسفل ، في اليوم التالي استعان بعصا امن جريد النخيل لأن الوقفة طالت بالأمس ومفاصله تؤلمه ، فات الزمن الذي كان يرفع فيه و الفأس ، ويهوى بها على الأرض من طلوع الشمس وحتى غروبها في اليوم السابع ازداد تدلي فكه الأسفل ، قبل طلوعه : هل ضرب سعراً مرتفعاً ؟ هل بان عليه الطمع ؟ قال عبد العال : إنه لم يطمع وإنه أظهر الكرم ، لكن ربما الجهوا إلى غيط آخر ، وربما كانوا يشغلون أنفسهم أثناء سفر طويل ، لقد لمح ضحكة على وجه السائق ، لكن عبد الموجود لم يصغ . بعد الفجر مشى في الندى الباكر إلى نقطة المرور ، . انت عبد الموجود ؟ قال نعم يا سيد الكل . لن تتأخر اللوكاندة عنه أكثر مما تأخرت ،وراءهم وما أمامهم لن يطولوا عنب الشام ، لف على البلدة ، رجاهم باسم النبي أن يدلوا شاباً يرتدي قميصاً أسود سيجيء في عرية سوداء ومعه صاحبه الذي يمسك حقيبة سوادء حقيبة مربعة . . بالضبط مريعة ، ورجاهم أن يصفوا له الطريق إلى الغيط ، الأفندي من مصر ولا يعرف الناحية ، وطارد أطفالا صغاراً ظن أنهم يعرفون بمجيء الأفندي ، لكنهم يخقون ذلك عنه وصاح زاعفاً على كل سيارة تمرق فوق الطريق . من تصدمه عرية لادية له ، إنه يرفع عصا الجريد مهدداً جابر الكبير وعبدالعال الصغير ،