2. الأخـــلاق والقيــم العليــا:تمتزج العقيدة بالأخلاق ، فتجعل منه محكمة داخلية في نفس المسلم ، ينصف من نسه قبل أن ينتصف هو من الآخرين ، وتحمله على الامتثال والالتزام بالأحكام عن طواعية واختيار في كل معاملاته على مستوى الأفراد والجماعة والأمة ، ومن الواضح أن القانون الإسلامي يعلق أهمية غير قليلة على القيمة الأخلاقية. وقد ألمحنا آنفاً إلى بعض الآيات القرآنية الكريمة التي توجب الالتزام بقانون الأخلاق الإسلامية في العلاقات الدولية ، تماماً كما هي ملزمة في العلاقات الفردية. وقد جاءت السنة النبوية وأعمال الخلفاء الراشدين وسيرتهم في الجهاد والعلاقات الدولية تطبيقاً عملياً لذلك ، ثم بنى الفقهاء كثيراً من أحكامهم في العلاقات الدولية والجهاد على هذا الأصل العظيم. ومن ذلك: الحفاظ على الكرامة الإنسانية ، وإعلاء مكانة الجوانب الشعورية والنفسية والتحرز عن الغدر حتى ولو غدروا بنا ، وتحريم المثلة بالأعداء في الجهاد وتحريم قتل غير المقاتلين ، وتحريم استعمال آلات أدوات يعم ضررها ، وقد أدرك بعض الكاتبين في القانون الدولي _من غير المسلمين_ قيمة هذه الخاصية ومكانتها ، حيث إن الإسلام بوصفه منهجاً للحياة ، فإن يشدد على أهمية المبادىء الخلقية في العلاقات الدولية ، التي دفعت المسلمين لاتخاذ موقف رائع من التسامح نحو غير المسلمين ، والتحلي بمبادىء إنسانية يعكسها لنا مضمون الأحكام التي استنبطوها لحالة الحرب ولسير المعارك مع الأعداء. والواقع التاريخي الإسلامي _وهذا يصدق على البشر أجمعين_ يظهر لنا أن أي نظام اجتماعي ، يفقد معناه لإذا خلا كلياًمن المبادىء الأخلاقية والقيم العليا الفاضلة. وهذا الارتباط بين الأخلاق والتشريعات أفاض على الأحكام هيبة واحتراماً في عقول المخاطبين بالتشريع ، وأورثها سلطاناً على النفوس ، كان به الفقه الإسلامي شريعة مدنية ووازعاً أخلاقياً في وقت معاً ، ومن الزاجر الديني الباطن إلى جانب القضاء الظاهر، فلا يحتاج الإنسان إلى قوة مصلتة عليه دائماً لتلزمه الخضوع لإيجابه ، ولا في الإفلات من سلطان حكمه غنيمة _إن استطاع الإفلات_ سواء كان عظيماً أو ضعيفاً. كما ترتب على هذا أيضاً أن يكون لمخالفة الحكم الشرعي جزاء يتحمله المخالف ، وهو يشمل الثواب عند الطاعة والعقاب أو الضمان عند المخالفة. والجزاء قد يكون دنيوياً يتولاء الحاكم وقد يكون جزاء أخروياً عند الله تعالى يوم القيامة ، ولكن للتوبة أثر في سقوط العقاب عند الله تعالى واها أثر في سقوط بعض العقوبات في الدنيا.مقـــارنة: أما في القوانين الوضعية فلا نجد لذلك مثيلاً ، حيث إن القانون الوضعي لا يلتفت إلى الأحكام الأخلاقية ، ولا يعاقب على مخالفتها.