المذهب المالكي في المشرقمدخل : يعد المذهب المالكي من المذاهب السنية الأربعة ، وضع أسسه وأصوله الإمام مالك بن أنس معتمدا بالإضافة الى الكتاب والسنة أعمال أهل المدينة ثم الإجتهاد . وكان المذهب المالكي أكثر انتشارا في العالم الإسلامي ولكنه كان المذهب الأول في بلاد المغرب . وساهمت عدة عوامل في نشره منها قوة شخصية تلاميذ مالك وأعمالهم العلمية في مجال الفقه . ينتهي نسبه إلى عمرو بن الحارث ذي أصبع الحميري من ملوك اليمن. العربي الصريح.ولد في ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، ولا تربطه بالصحابي أنس بن مالك الخزرجي سوى صلة الإسلام.* نشأته ومشايخه: بدأ الإمام مالك يطلب العلم صغيرا تحت تأثير البيئة التي نشأ فيها وتبعا لتوجيه أمه له، فقد حكي أنه كان يريد أن يتعلم الغناء فوجهته أمه إلى طلب العلم . لعل أشدّهم أثرا في تكوين عقليته العلمية التي عرف بها هو أبو بكر بن عبد الله بن يزيد المعروف بابن هرمز المتوفى سنة 148 هـ، فقد روي عن مالك أنه قال: ( كنت آتي ابن هرمز من بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل ). يقضي معه اليوم كله من الصباح إلى المساء سبع سنوات أو ثماني، وكان ابن هرمز يجله ويخصه بما لا يخص به غيره لكثرة ملازمته له ولما ربط بينهما من حب وتآلف ووداد.وأخذ الإمام مالك عن الإمام ابن شهاب الزهري و هو أول من دوّن الحديث ومن أشهر شيوخ المدينة المنورة وقد روى عنه الإمام مالك في موطئه 132 حديثا بعضها مرسل. وقد بلغ عدد شيوخه على ما قيل 300 من التابعين و600 من أتباع التابعين.* من صفاته: عرف عن الإمام مالك أنه كان قوي الحافظة، و جيد التحري في رواية الحديث مدققا فيذلك كل التدقيق، حيث كان ( رحمه الله ) إذا أراد أن يحدّث توضأ وسرح لحيته وجلس متمكنا في جلوسه على صدر فراشه في وقار وهيبة وحدّث، ولا أحدّث إلا على طهارة متمكنا. وكان يكره أن يحدّث في الطريق أو وهو قائم.بعد حياة عريضة حافلة توفي ( رحمه الله ) في ربيع الأول سنة 179 هـ، عن عمر يناهز خمسا وثمانين سنة، حيث صلى عليه أمير المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم العباسي وشيع جنازته واشترك في حمل نعشه ودفن في البقيع رضي الله عنه وأرضاه .:اهم ـ ـ مؤلفاته : لديه العديد من المؤلفات مثل :كتاب في النجوم وحساب مدار الزمان ,منازل القمر ,رسالة في الاقضية ويعتبر الموطأ أهم مؤلفات الإمام مالك فهذا المؤلف ليس كتاب فقه و حسب كما زعم البعض وإنما هو كتاب حديث وفقه فكان تأليفه نتيجة غير مباشرة للمحنة التي تعرض لها الإمام واستغرق في تأليف هذا الكتاب مدة 11 سنة وأطلق عليه الموطأ أي الميسر المعبد واشتهر هذا الكتاب شهرة صاحبه واعتمد في منهجه حديث الرسول وقول الصحابة و التابعين ثم عمل أهل المدينة المجمع عليه مالك والسياسة : لم يحاول مالك أن يهتم في السياسة والحكم برأي إلا في نطاق الشريعة ، وفي هدي من روح الإسلام ولقد تعرض للأذى بسبب ذلك شأنه شأن الإمام أبي حنيفة. وقد لقه الأذى أنه كان يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " وليس على مستكره طلاق" فقال الوشاة لأبي حعفر المنصور هذا الذي ذكره : ان مالكا كان يفتي بألايمين على مستكره ومهنى ذلك أن ما أبرمتموه من بيعة الناس بالإستكراه ينقضه مالك .فكان الأذى الذي لحق بمالك من جراء تصميمه على صحة الحديث والتحديث به في وقت كان مالك بن العباس مهددا بسبب خروج محمد النفس الزكية ، فغضب جعفر ودعا به ، وجرده من ثيابه وضربه بالسياط ومدت يده حتى خلعت كتفه . ولكن الأذى الذي لحق مالكا أهاج الناس مما أقلق المنصور وأضطر إلى حزل والي المدينة المنورة جعفر بن سليمان وأرسل للإمام يستقدمه لكنه أعتذر من ترك المدينة وتأجل اللقاء إلى موسم الحج ، فكان استرضاء المنصور لمالك أثناء لقائهما من التكريم ما جعل مالك يعفو هذه الزلة للحكم العباسي ويثني على المنصور وعلمه وفضله. أن الإمام يؤيد بني أمية ولا بني العباس لأن كلا النظامين نظام ملكي بعد عن الشورى والإسلام ، وقد عاش مالك في الهدين ولكنه تعامل معهما بحذر وكان يتجنب مجابههما ، فكان يدعو الناس الى الرضى بالسئ أحسن من الإنتقال الى الأسوأ ، ففي الخروج (أي الثورة) فوضى وفساد واضطراب .* آثاره:أهم مؤلفاته وأجل آثاره كتابه الشهير الموطأ وهو الكتاب الذي طبقت شهرته الآفاق واعترف الأئمة له بالسبق على كل كتب الحديث في عهده وبعد عهده إلى عهد الإمام البخاري.قال الإمام الشافعي: ( ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك ). ـ أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم. ـ محمد بن إدريس الشافعي.* من أبرز المؤلفات في هذا المذهب: ـ الموطأ للإمام مالك. ـ المدونة وهي آراء الإمام مالك الفقهية جمعها ودونها سحنون بن سعيد التنوخي. ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد لمحمد بن أحمد بن رشد القرطبي. ـ مختصر الخليل، أصول المذهب المالكي: يستدل بنصه، وبظاهره ويعتبر السنة تبيانا له.أما السنة ومفهومها عند الإمام مالك فطبيعي أن يسير في فهمها على ما سار عليه السلف وعامة المحدثين الذين كان من أئمتهم وأقطابهم، غير أنه ربما عمم في السنة لتشمل ما يعرف عند علماء الحديث بالمأثور. وهو بهذا المعنى يعطي لعمل أهل المدينة وإجماعهم مكانة خاصة، ويجعل من قبيل السنة كذلك فتاوى الصحابة، وفتاوى كبار التابعين الآخذين عنهم، كسعيد بن المسيب، ومحمد بن شهاب الزهري، ونافع، ومن في طبقتهم ومرتبتهم العلمية،3- عمل أهل المدينةمن الأصول التي انفرد بها مالك واعتبرها من مصادر فقه الأحكام والفتاوى. وقسّم الإمام الباجي عمل أهل المدينة إلى قسمين: قسم طريقه النقل الذي يحمل معنى التواتر كمسألة الأذان، ومسألة الصاع، وترك إخراج الزكاة من الخضروات، وغير ذلك من المسائل التي طريقها النقل، واتصل العمل بها في المدينة على وجه لا يخفى مثله، ونقل نقلا يحج ويقطع العذر.والقسم الثاني: نقل من طريق الآحاد، وهذا لا فرق فيه بين علماء المدينة، وعلماء غيرهم من أن المصير منه إلى ما عضده الدليل والترجيح.4- الإجماعلعل مالكًا أكثر الأئمة الأربعة ذكرا للإجماع واحتجاجا به، والموطأ خير شاهد على ذلك.ويضاف الى الأصول السابقة الأصول العقلية أو الإجتهاد كان للإمام مالك منهج اجتهادي متميز يختلف عن منهج الفقهاء الآخرين، وهو وإن كان يمثل مدرسة الحديث في المدينة ويقود تيارها، وأحيانا يتوسع في الرأي أكثر مما توسع فيه فقهاء الرأي في العراق،ومن الأصول العقلية المعتمدة في المذهب المالكي:1- القياس طبقا للمنهج الذي قاس عليه علماء التابعين من قبله. لأن الاستحسان في المذهب المالكي كان لدفع الحرج الناشئ عن اطراد القياس،3-  المصالح المُرسَلةمن أصول مذهب مالك المصالح المُرسَلة، فالمصالح المرسلة التي لا تشهد لها أصول عامة وقواعد كلية منثورة ضمن الشريعة، بحيث تمثل هذه المصلحة الخاصة واحدة من جزئيات هذه الأصول والقواعد العامة.4- سد الذرائعهذا أصل من الأصول التي أكثر مالك الاعتماد عليه في اجتهاده الفقهي، ومعناه المنع من الذرائع، أي المسألة التي ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل ممنوع، أي أن حقيقة سد الذرائع التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة.5- العرف والعادةإن العرف أصل من أصول الاستنباط عند مالك، وقد انبنت عليه أحكام كثيرة؛ لأنه في كثير من الأحيان يتفق مع المصلحة، والمصلحة أصل بلا نزاع في المذهب المالكي.6- الاستصحابكان مالك يأخذ بالاستصحاب كحجة، ومؤدى هذا الأصل هو بقاء الحال على ما كان، حتى يقوم دليل يغيّره.7- قاعدة مراعاة الخلافمن بين الأصول التي اختلف المالكية بشأنها "قاعدة مراعاة الخلاف"، فمنهم من عدها من الأصول ومنهم من أنكرها. ومعناها "إعمال دليل في لازم مدلول الذي أعمل في نقيضه دليل آخر". ومثاله: إعمال المجتهد دليل خصمه القائل بعدم فسخ نكاح الشغار في لازم مدلوله الذي هو ثبوت الإرث بين الزوجين المتزوجين بالشغار فيما إذا مات أحدهما. فالمدلول هو عدم الفسخ وأعمل مالك في نقيضه وهو الفسخ دليل آخر. فمذهب مالك وجوب الفسخ وثبوت الإرث إذا مات أحدهم ـ مدارس المذهب المالكي:1ـ المدرسة المدنية :تطورت هذه المدرسة ونشأت على يد رجال أفذاذ برزوا في العلم واحتلوا مكانة علمية بعد وفاته أمثال :عثمان بن كنانة ,عبد الله بن نافع الصائغ واتبعت هذه المدرسة منهج الاعتماد على الحديث بعد القران عبد الرحيم بن خالد الجمحي لكن هذه المدرسة عانت بسبب فتنة خلق القران 3-المدرسة العراقية:ازدهر المذهب المالكي خصوصا في البصرة وبغداد وذلك عن طريق عبد الرحمن بن مهدي ,يعقوب بن أبي شيبة ولكن بموتهم كان نهاية المدرسة 4-المدرسة المغربية:لقد غمر المذهب المالكي بلاد المغرب الإسلامي بواسطة تلاميذ مالك أمثال :البهلول بن راشد عبد الرحيم بن أشرس وازدهرت المدرسة في القيروان أيام سحنون وتعرض المذهب المالكي إلى محنة نتيجة ظهور دولة بني عبيد والتي توجه بعض من علمائها إلى التصوف ولكن استطاع المذهب العودة بظهور الحفصيين فكانت هذه المدرسة نتاجا لمدارس المالكية الثلاث .