خليل مطران (شاعر القطرين)  كاتب كبير وشاعر ملهم يعد إمام المجددين في الشعر العربي الحديث والشاعر الوحيد البارز الذي قدم من بلاد الشام إلى مصر في نهاية القرن التاسع عشر. وقد أصاب حظاً عظيماً بدراسته على يد إبراهيم اليازجي وخليل اليازجي إذ يبدو أثر هذين المعلمين واضحاً في ثقافة خليل مطران لا سيما في عنايته باللغة العربية. كان صاحب فكر تحرري ناهض الاستبداد العثماني المتمثل بالسلطان عبد الحميد واضطر إلى الهروب من بلاده إلى فرنسا عام 1890 بسبب إحدى قصائده. أقام مدة من الزمن في باريس يدرس الأدب ويطالع التاريخ فأعجب بالشعراء الفرنسيين ولا سيما "ألفريد دي موسيه" ، اتصل برجال الحركة الوطنية التركية في باريس وانضم إلى حزب تركيا الفتاة المعارض فتابعت الحكومة التركية تضييقها عليه من خلال قنصليتها في باريس و وجهت له السلطات الفرنسية إنذاراً لوقف نشاطه فغادر فرنسا قاصداً مصر عام 1892. وفي مصر عمل محرراً في جريدة الأهرام لسنوات عدة ثم أنشأ المجلة المصرية وكانت أول مجلة اختصت بالشؤون الأدبية في الشرق. دخل بعد ذلك إلى عالم الاقتصاد وأصبح مورده الوحيد ولكنه أصيب بخسارة كبيرة أفقدته كل ما يملك فنظم قصيدة المشهورة (الأسد الباكي) عام 1912 صور فيها حالته النفسية المتعبة. توفي خليل مطران عام 1949 وترك إرثاً أدبياً مميزاً سماه ديوان الخليل ، كما عمل في ترجمة أهم الأعمال الأدبية لشكسبير ، مظاهر التجديد في شعر مطران  اتفق أكثر الباحثين على أن مرحلة التجديد الشعري تبدأ بدعوة خليل مطران التي أعلنها عام 1905 في مجلته: المجلة المصرية ، تطعيم الشعر العربي بمذاهب الشعر الغربي  تحرير الشعر من قيود ذوي السلطة والجاه ، والتكرار في الموضوع القديم وكل ما هو زائف في الشعر وقد وضح منهجه في التجديد في مقدمة ديوانه بقوله: (هذا الشعر ناظمه ليس بعبده ولا تحمله ضرورات الوزن على غير قصده يقال فيه المعنى الصحيح باللفظ الصحيح ولا ينظر قائله إلى جمال البيت المفرد بل ينظر إلى جمال البيت في ذاته و موضعه وإلى جملة القصيدة في تركيبها وتناسق معانيها وتوافقها مع ندور التصور وغرابة الموضوع ومطابقة كل ذلك للحقيقة وشفوفه عن الشعور الحي وتحري دقة الوصف واستيفائه فيه على قدر). ومن ملامح التجديد في شعر الخليل أنه استطاع أن يدخل القصة إلى الشعر مع عنايته الفائقة بكل تفاصيل القصة ومقومات الفن فيها ولكن أبرز ملامح التجديد تجلى بـ "ظهور تباشير المذهب الرومانسي في شعره" ويعد كثير من النقاد والباحثين خليل مطران مؤسس المدرسة الرومانسية في الشعر العربي فقد كان شاعراً موهوباً استوعب جيداً النزعة الرومانسية في الأدب الفرنسي وأعاد صياغتها وتقديمها للمتلقي العربي بلغته وأسلوبه الخاص لذلك استطاع أن يطور هذه النزعة في الشعر أكثر من جميع الشعراء الصغار الذين ينقلون مباشرة عن مصدر أجنبي وقد حمل شعره بذور الرومانسية العربية وتمثلت إرهاصات هذا المذهب في شعر مطران بما يلي:  عنايته بالخيال الشعري المجنح والتصوير الدقيق لعوالم النفس  تلون شعره بألوان الحزن والكآبة  صور نفسه في كثير من شعره فرداً وحيداً كئيباً سلبياً مستسلماً  استعمل الوقت استعمالاً مجازياً قصد بها التعبير عن خلجات نفسه بمفردات عذبة سلسة بسيطة  وقصيدته (المساء) تعد أنموذجاً عالياً من نماذج الشعر الرومانسي العربي ؛ داءٌ ألَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شَفَائِي           مِنْ صَبْوَتِي فَتَضَاعَفَتْ بُرَحَائِي  يَا لَلضَّعِيفَيْنِ اسْتَبَدَّا بِي وَمَا          فِي الظُّلْمِ مِثْلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ  قَلْبٌ أَصابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالْجَوَى          وَغِلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنِ الأَدْوَاءِ  إِنِّي أَقَمْتُ عَلى التَّعِلَّةِ بِالمُنَى         فِي غُرْبَةٍ قَالوا تَكُونُ دَوَائِي  شاكٍ إِلى البَحْرِ اضْطَرابَ خَوَاطِرِي     فَيُجِيبُنِي بِرِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ  ثاوٍ عَلَى صَخْرٍ أَصَمَّ وَلَيْتَ لِي          قَلْباً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ  يا لَلْغُرُوبِ وَمَا بِهِ مِنْ عِبْرَةٍ              للِمْسْتَهَامِ وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي  وَخَوَاطِرِي تَبْدُو تُجَاهَ نَوَاظِرِي        كَلْمَى كَدَامِيَةِ السَّحَابِ إزَائِي  فَكَأَنَّ آخِرَ دَمْعَةٍ لِلْكَوْنِ قَدْ              مُزِجَتْ بِآخِرِ أَدْمُعِي لِرِثَائِي  وَكأَنَّنِي آنَسْتُ يَوْمِيَ زَائِلاً            فَرَأَيْتُ فِي المِرْآةِ كَيْفَ مَسَائي  ومع قدرة مطران على التحليق في آفاق شعرية جديدة إلا أنه لم ينسلخ عن الأصالة العربية في بناء القصيدة وقوة نظمها والتزام البحور العروضية في ضبط موسيقاها الخارجية وهو في التزامه هذا بين حيوية الشعر العربي وقدرته على مواكبة التغيرات الطبيعية والنفسية للإنسان. لذا يجمع أكثر الدارسين أن التجديد في الشعر العربي انطلق من ديوان الخليل فبعد إرهاصات الرومانسية العربية التي أشرقت من شعره نجد اكتمال عناصر القصة الشعرية في قصائد عدة منها: مقتل بزر جمهر ، وكان استحداث الشعر القصصي من أهم إسهامات خليل مطران في تجديد الشعر العربي الحديث وقد لجأ مطران إلى هذا النوع ليعبر عن أفكاره الخاصة ؛ يَا يَوْمَ قَتْل بُزَرْجُمَهْرَ وَقَدْ أَتَوْا          فِيهِ يُلَبُّونَ النِّدَاءَ عِجَالاَ  مُتَأَلِّبِينَ لِيَشْهَدُوا مَوْتَ الَّذِي            أَحْيَا البِلاَدَ عَدَالَةُ وَنَوَالاَ  يُبْدُونَ بِشْراً وَالنَّفوسُ كَظِيمَةٌ         يُجْفِلْنَ بَيْنَ ضُلُوعِهِمْ إِجْفَالاَ  وَيَلُوحُ كِسْرَى مُشْرِفاً مِنْ قَصْرِهِ     شَمْساً تُضِيءُ مَهَابَةً وَجَلاَلا  هُمْ حَكَّمُوهُ فَاسْتَبَدَّ تَحَكُّماً             وَهُمُ أَرَادُوا أَنْ يَصُولَ فَصَالاَ  وَإِذَا الوَزِيرُ بُزَرْجُمُهْرُ يَقوده            جَلاَّدهُ مُتَهَادياً مُخْتالا  وَتَرُوحُ حَولَهُمَا الْجُمُوعُ وَتَغْتَدِي       كَالمَوْجِ وَهْوَ مُدَافَعٌ يَتَتَالَى  سَخِطَ المَلِيكُ عَلَيْهِ إِثْرَ نَصِيحَةٍ       فَاقْتَصَّ مِنْهُ غَوَايَةً وَضَلاَلاَ  نَادَاهُمُ الْجَلاَّدُ هَلْ مِنْ شَافِعٍ           لِبُزَرْجُمهْرَ فَقالَ كُلٌّ لاَ لاَ  وَأَدَارَ كِسْرَى فِي الجَمَاعَةِ طَرْفهُ     فرَأَى فَتَاةً كَالصَّبَاحِ جَمَالاَ  تَسْبِي مَحَاسِنُهَا الْقُلُوبِ وَتَنْثَنِي        عَنْهَا عُيُونُ النَّاظِرِينَ كَلاَلاَ  فَأَشَارَ كِسْرَى أَن يُرَى فِي أَمْرِهَا    فَمَضَى الرَّسُولُ إِلى الفَتَاةِ وَقَالا  مَوْلاَي يَعْجَبُ كَيْفَ لَمْ تَتَقَنَّعِي            قَالَتْ لَهُ أَتَعَجُّباً وَسُؤَالاَ  فَارْجِعْ إِلَى المَلِكِ الْعَظِيمِ وَقُلْ لَه      مَاتَ النَّصِيحُ وَعِشْتَ أَنْعَمَ بَالاَ  أُنْظُرْ وَقَدْ قُتِلْ الحَكِيمُ فَهَلُ تَرَى          إِلاَّ رُسُوماً حَوْلَهُ وَظِلاَلاَ  مَا كَانِتِ الْحَسْنَاءُ تَرْفَعُ سِتْرَهَا         لَوْ أَنَّ فِي هَذِي الجُمُوعِ رجَالاَ  يبدو جلياً في هذه الأبيات أن خليل مطران تأثر بالأدبين الفرنسي والإنكليزي تأثراً كبيراً في استحداثه الشعر القصصي الأمر الذي تؤكده عودته إلى التراث الإنساني واستلهام ما فيه من سير الملوك والممالك وإسقاط ما فيها من عبر على الواقع الذي يعيشه مجتمعه في محاولة لبث الوعي بين الجماهير وحضها على رفض الواقع السيئ ، 1- الزمان: يوم قتل الوزير بزر جمهر  2- المكان: ساحة عامة في مملكة كسرى تطل عليها شرفة قصره  الشخصيات الفرعية: الجماهير ، وما تهادى الجلاد مختالاً بسوق الوزير الحكيم إلا تمثيل حسي لنفسه الوضيعة التي تتباهى بقوة الظلم والطغيان وأما الفتاة الحسناء فكان سفورها دليلاً على شخصية رافضة للظلم مؤمنة بقوة الحق. 4- الحبكة القصصية (العقدة والحل):  استطاع مطران أن يحكم حبكته القصصية على بساطتها ويمنحها وحدة عضوية تتلاحق فيها الأحداث حتى تبلغ الذروة ثم تنحدر إلى الحل . و وصف جموع الجماهير و وصف الملك الظالم والحديث عن سبب هذا الحدث الجلل (سخط المليك عليه إثر النصيحة) و يصف جبن هذه الجماهير و خذلانها ، مع أنها تفور غيظاً وحنقاً على ظلم كسرى وجبروته ولكنها تؤكد تبرؤها من الوزير الحكيم (فقال كل: لا , يرى كسرى فتاة سافرة رائعة الجمال تثير انتباهه لا بجمالها فقط بل بسفورها وتركها للعادات السائدة في لبس النساء ، ما كانت الحسناء ترفع سترها              لو أن في هذي الجموع رجالا  عمد مطران إلى سرد أحداث القصة سرداً مباشراً بصوته متخذاً دور الراوي دون أن يغفل صوت الحوار في صناعة الحدث وكشف معالم الشخصيات ، جاء الحوار على لسان الجلاد قصيراً مختزلاً تطغى عليه لغة الوعيد والطغيان (هل من شافع لبزر جمهر ، لا)  وما غايته إلا الكشف عن عجز الناس وجبنهم وتقاعسهم عن الدفاع عن وزيرهم المصلح. وأما حوار الرسول مع الفتاة كان حواراً وظيفياً ينم على شخصية لا قيمة لها في سير الحدث بينما أتى حوار الحسناء طويلاً متمكناً مشحوناً بالغضب والقهر والحزن واليأس. وقد أبدع مطران في الفن التصويري الوصفي واستطاع خلق دلالة محورية في ربطه بين الأمر المادي (سفور الفتاة) وبين الأمور النفسية (الجبن ، استطاع خليل مطران صنع جسر معنوي ربط بين الماضي والحاضر قارب بين لغة القصيدة والعربية وشكلها وأساليبها ولكنه منحها روحاً جديدة تعبر عن معاناة الإنسان العربي وطموحاته ،