.وسط تلك تلك الأجواء الاحتفاليّة الصّاخبة تقدّم الدّكتور عمر لمصافحة صامويل و تهنئته ثمّ تسلّل منسحبا من غرفة الاستراحة قبل أن يلحظه أحد دلف مختبره في اضطراب هو ذلك الاضطراب ذاته الذّي يغمره كلّما وقعت عيناه على زجاجة خمرأو ارتكبت أمام ناظريه معصية سافرة ما. بين نهر" الرون" الذّي تزخر صفحة مياهه مراكب خفيفة صيفا وجبال "الألب" ذات حلبات التزلّج الأكثر شهرة شتاء تنتشر البحيرات و الكهوف و الغابات لتتنافس على مدار العام في إغراء المقيمين و الزّوّار بالانغماس في متع الطّبيعة الصّافية. لكن عمر لبث منيعا أمام عوامل الجذب المختلفة و بقي حرّا مثل ذرّة"غاز نبيل" مستقلّة بذاتها. حين شرع في التّحضير لرسالة الدّكتوراه في جامعة "غرونبل" واجهته مشكلة مستعصية في الحفاظ على مسافة أمان بينه و بين زملائه و الإيفاء بشروط الكليّة المتعلّقة بالنّشاط الاجتماعيّ واظب زملاؤه على دعوته لأمسية السّبت لمدّة أشهر و واظب هو على اختلاق الأعذار حتّى يتخلّف عن الملتقى الطّلابي الأكثر شعبيّة. من إدارة الكليّة التّي حرصت على التّأكّد من عدم انتسابه إلى جماعة إسلاميّة متطرّفة! و حتّى يثبت نواياه و لا يخسر منحته الدّراسيّة اضطرّ إلى تشذيب لحيته و تقليصها ليحتفظ ب"ذقن ماعز" أنيق. قبل انضمامه كانت مجرّد جمعيّة خيريّة تنشط في المحيط الطّلابيّ لا تمتّ بصلة إلى نظيرتها الخاصّة بالأطبّاء! فهي تعتبر الملاذ الأمثل للطّلبة الكسالى أو ممن يريدون ملء فراغ "النّشاط الاجتماعيّ" في سيرهم الذّاتيّة دون تكليف أنفسهم مشقّة كبرى. المرّة الأولى التّي ظهرت فيها زجاجات الخمر أمام أعينه وجها لوجه كانت في حفل أقامته الجامعة لتوديع أحد الأساتذة الكبار أحيل على التّقاعد كان عمر في سنته الأولى من الإعداد للدّكتوراه و لم يكن ليحضر الحفل لولا اهتمامه الشّخصيّ بمسيرة الرّجل العلميّة. بعد أن رفض عمر العرض بأدب و قد ترك في نفسي انطباعا حسنا لأنّه قبل الالتزام بقواعد اللّعبة دون مراوغة. لا يدري عمر بشكل مؤكّد علام افترّت شفتاه في تلك اللّحظة ابتسامة أم تكشيرة.