يملك مطعما متخصصا لبيع السمك في سوق حي النور الشعبي ، لا علاقة له بتلك الكلمة الإنجليزية التي يوصف بها الرجل ذو المروءة والشهامة ، لم أكن قد رأيت قريبي ذلك منذ سنوات طويلة ، ولا زرت مطعمه إلا مرة واحدة برفقة والدي حين كنت طفلاً ، كما جاء بعض أقاربي الآخرين الذين يتشتتون في الجوار ، لكنني فوجئت به وقد مضت خمسة عشر يوما على حادثة الزفة المسروقة ، وتنبعث رائحة السمك المقلي كثيفة تخنق جو الغرفة ، ورأيت شريطه العسكري ينفلت مجددًا بعد أن زال مفعول الصمغ ، وفرغت العلبة الصفراء كما يبدو ، وأن أحافظ على عربتي بتغيير الأقفال الهشة التي عليها ، باستخدام أقفال أمريكية أو ألمانية ، فهب واقفا وهو يرد : - لا يوجد مجرم اسمه إدريس ولا متاريس في هذه المنطقة التي أعمل فيها قبل أن تولد ، أهل العرس هم الذين استلفوا عربتك ، . انتبه إلى حديثك . كان قد عاد إلى الجلوس مرة أخرى ، وجهه الموشوم بتلك الخطوط الرأسية التي تحيله إلى أهل الشمال ، كان قد عاد إلى الجلوس مرة أخرى ، وجهه الموشوم بتك الخطوط الرأسية التي تحيله إلى أهل الشمال ، وألمح في عينيه نظرة غريبة ، كأنها نظرة رجاء أن أذهب من أمامه بلا مشاكل . ولم استطع أن أستوعب ذلك الكلام الغريب الذي سمعته ، وقد رأيت إدريس مرتين في يوم واحد ، وزارني جيش كونه وأرسله لغزو عيادتي ، وقد دخل القسم في تلك اللحظة ، سرق حذاء ممزقا من أمام مسجد في وقت الصلاة ، يتمشى به في السوق واقتنصه . علي أن أغيّر قفل العربة بقفل أقوى كما نصحني ، إن عاد إدريس بإحدى ألاعيبه وأربكني مرة أخرى . لم أقل للشرطي شيئا وخرجت من عنده ، وتشغلني فكرة أن أنقب حي النور وحدي باحثا عن ذلك المقتحم ناديت على عز الدين ، وقلت الفضل الله الذي انتبهت إلى أن يده اليسرى مخامدة قليلاً ، كأنه أصيب بجلطة ما : - لم أسمع أنك أصبت بجلطة في الرأس . متى حدث ذلك ؟ قال وهو يجلس أمامي ويحاول تحريك يده اليسرى ، ولم تكن استجابة كاملة - لا جلطة ولا شيء يا ابن أخي ، إنني دست بقدمي على شيطان رضيع في أحد الأزقة أثناء عودتي إلى بيتي في الليل . . أنا الآن بخير بعد أن عالجني الشيخ ، ليس من اعتقاده بمسألة الشيطان الرضيع الذي داسه بقدمه ، فقد كان الشيخ الحلمان ، هو المعالج النفسي أو المعالج الروحاني الذي يتدرب عنده العجوز حامد رطل ، الرجل الفصيح الذي أنهكني بسبعة وخمسين مريضا ، . بالمناسبة أين إدريس هذه الأيام ، لقد اختفى فجأة وكان يأتي باستمرار العشاء عندي . . يحب السمك الجنتلمان . وفي هذه المرة عند بائع سمك ( جنتلمان ) ، ويا الجنوني الشخصي الذي حتما سأجنه إن بقيت في هذا الحي ، ترى ماذا دار بين النصاب وقريبي ؟ ، وأخاف في تلك اللحظة أن تكون ثمة مصيبة قد ارتكبت باسم صداقتي . هذه زيارة التثبيت كارثة بلا شك وليست زيارة ودية ، وحتى حين كان يأتي إلى منزلنا منذ سنوات بعيدة ، وطالبًا العون من والدي . - لا تقل لي أنه أخذ منك مالا ؟ - طبعا أخذ . . ألم ترسله لاستلاف ثلاثة آلاف جنيه لتجديد أثاث العيادة وصيانتها ؟ - أنا أرسلته ؟ - نعم حسب ما قال . - وهل تعطي أي شخص يطلب مالا باسمي ، بهذه السهولة من دون أن تتأكد يا فضل الله ، هل جننت ؟ لا بد أنني كنت حادّا ومرتبكا ، وخاطبت قريبا في الخامسة والستين بأسمه خاليا من لقب العم كما هو مفترض ، وقطعا أحس في تلك اللحظة بغبائه وكان يبعد عني مسافة عدة شوارع ، ولم يقطعها اليسألني قبل أن يجود بماله ، إضافة إلى الصلة شبه المقطوعة بين أسرتنا وبينه ، والتي لا تسمح قطعا باستلاف مبلغ هائل كهذا ولا حتى مبلغ تافه منه . . حصيلة شهر من السمك الجنتلمان . وأحس بالشفقة تجاهه وتجاهي ، والحنق على ذلك العسكري المتخاذل خضر الذي يدعي بأن لا وجود لإدريس أو متاريس في منطقة يعرفها جيدًا ويعمل فيها قبل أن أولد . وأتمنى أن يكون شريطه العسكري ما يزال متأرجحا على كتفه ، ولا يقدم بلاغا بحادثة النصب في قسم الشرطة ، لأن لا إثبات لديه ولا شهود كما أخبرني ، وحتى لو عثروا على إدريس ، فلن يستطيع أحد إدانته في هذا الموضوع بالذات ، ما دامت العدالة نهض فضل الله يائسا ، ولا أريد سؤاله عن النقود التي أنفقها عند الحلمان ، حتى لا تشل ساقه الأخرى أيضا . وأفكر في تلك الثلاثة آلاف جنيه ، لقد كان إدريس أكثر وعورة مما تصورته ، ويتصيد الحسناوات القلقات في طوابير المستشفى ، ويؤجر عربة مسروقة لعريس مسكين . ولكن بمجهودي الشخصي ، وأعرف لحسن الحظ أشخاصا عديدين يمكنهم أن يغربلوا الدنيا كلها بحثا عنه . . لا أريد أن أفقد عيادتي ، لأن فقدها يبدو لي بلا معنى ، خرجت من باب الغرفة مسرعًا ، وانطلقت إلى عربتي ، سهلة التي تسمي نفسها سماسم ، وتمد يدها لتحيتي ،