أحمد بن سعيد بن أحمد البوسعيدي ، دخل الحياة السياسية في عام 1147هـ ( 1734م ) بانظمامه إلى الإمام سيف بن سلطان الثاني اليعربي الذي بعثه في مهمة إلى الإحساء ، وعينه بعد عودته مستشارا له في عام 1149 هـ (1736م) ، وتولى في عام 1150هـ (1737م) إدارة ميناء صحار، مما أدى إلى تخوف سيف بن سلطان الثاني من أن يستقل عنه بحكم مدينة صحار، غير أن أحمد التقى في طريقه برزيق بن بخيت النخلي، فعلم الإمام سيف بما قام به رزيق فسجنه ثلاثة أشهر، وعندما وصل الإمام إليها قابله أهلها ، فوصفوا له أحمد بن سعيد بالإخلاص والطاعة ، وبعث أحمد ابنه الأكبر هلال إلى الإمام ليدلل على طاعته ، ثم أعاده إلى أبيه بعد بضعة أشهر. استبقى الإمام سلطان بن مرشد اليعربي - الذي بويع بالإمامة في 9 ذي الحجة 1154(15 فبراير 1742م) بعد عزل الإمام سيف بن سلطان الثاني - أحمد بن سعيد واليا على صحار، واستعان الإمام سيف بن سلطان الثاني بالفرس بعد عزله من الإمامة فحاصروا صحار، وساند الإمام سلطان بن مرشد واليه على صحار أحمد بن سعيد بفك الحصار عنها، غير أنه قتل في عام 1157هـ (1744م) أثناء دفاعه عن المدينة ، فبويع بلعرب بن حمير اليعربي إماما في ۲۰ ربيع الثاني 1157هـ (2 يونيو 1744م). وقد تصدي أحمد بن سعيد للحصار ونجح في إرغام الفرس على عقد صلح وفك الحصار عن صحار، وتضمنت بنود الصلح انسحاب القوات الفارسية من صحار مقابل أن يدفع لهم أحمد بن سعيد مبلغا ماليا سنويا، ويعترف تقي خان بأحمد بن سعيد حاكما على صحار وبركاء. واستعمل استعمل أحمد بن سعيد أسلوب الحصار الاقتصادي فتعمد إهمال دفع الجزية المتفق عليها، وأبقى جنود الحامية الفارسية بدون رواتب أو إمدادات، فساعد على تدهور أوضاع الحامية الفارسية ونفاذ ذخيرتها، وانتشار السخط بين جنودها لعدم استلامهم رواتبهم، فوجد أحمد بن سعيد الفرصة سانحة أمامه لطرد الفرس من عُمان، فتقدم إلى مسقط على رأس قوة عسكرية في عام 1157هـ (1744م) وتمكن من طردهم منها، مما أدى إلى تنامي رضى الناس عنه بين أوساط القبائل العُمانية التي بايعته ليكون إماماً على عُمان. اختلفت المصادر في تحديد السنة التي تولى فيها أحمد بن سعيد إمامة عُمان ، فبينما يرى البعض بأنه تولى الإمامة في عام 1157هـ ( 1744م ) على اعتبار انتصاره على الفرس في ذلك العام وتوقيعه معاهدة الصلح معهم ، يرى آخرون بأن عام 1162هـ ( 1749م ) هو العام الذي بويع فيه بالإمامة ، على اعتبار قيام شيوخ بني غافر بسجن الإمام بلعرب بن حمير اليعربي وبالتالي مبايعة أحمد بن سعيد بالإمامة ، بينما حدد عبدالله بن حميد السالمي في كتابه "تحفة الأعيان" عام 1167هـ ( 1753م) تاريخا لبيعة أحمد بن سعيد ، على اعتبار العام الذي وقعت فيه معركة فرق التي انتصر فيها أحمد بن سعيد وقتل بلعرب بن حمير، وقدر وندل فيليبس في كتابه" تاريخ عُمان " أن بيعته كانت بين عامي 1153 و 1162هـ ( 1741 – 1749م) ، والأرجح أن أحمد بن سعيد تولى الإمامة في 22 من جمادى الأخرى 1162هـ ( 9 أغسطس 1749م ) عندما انتهى حكم الإمام بلعرب بن حمير نهائيا، فأصبح أحمد بن سعيد هو الحاكم الأوحد في عُمان بعد أن بايعه علماء عُمان رسميا في ذلك التاريخ. اتخذ الإمام أحمد الرستاق عاصمة لحكمه ، ثم سيطر على سمائل وإزكي ونزوى وبهلاء ، وأعاد تعمير مسقط ومطرح بعد التدمير الذي لحق بهما من جراء الغزو الفارسي ، ثم أتاه محمد بن سليمان اليعربي الذي كان واليا للإمام سلطان بن مرشد على سمد الشأن فسلمه حصنها فولاه على نخل. وواجه الإمام أحمد بن سعيد بعد نجاحه في توحيد عُمان وتحريرها من السيطرة الفارسية اضطرابات داخلية ، كان أهمها محاولة اليعاربة استعادة الحكم ، فتوجه بلعرب بن حمير الذي خلع من الإمامة في عام 1162هـ / 1749م ومن سانده من القبائل الغافرية القاطنة بالظاهرة إلى نزوى رغبة في استعادته الإمامة ، انتصر فيها الإمام أحمد وقتل بلعرب بن حمير وبعض شيوخ القبائل ، ثم تحسنت العلاقة بينه وبين اليعاربة ، فتزوج ابنة الإمام سيف بن سلطان الثاني اليعربي، وأنجبت له ابنه محمد . واستمرت الغافرية في معارضة الإمام أحمد بن سعيد حتى تمكنوا من هزيمة جيشه في سيح الطيب عام 1184هـ (1771م) ، ثم صالحهم الإمام بعد أن ضمن ولاءهم وصاهر ناصر بن محمد الغافري . تمرد على الإمام أحمد ولداه سيف وسلطان في أواخر سبعينيات القرن الثامن عشر الميلادي بالتعاون مع محمد بن سليمان اليعربي والي نخل ، وعندما علم الإمام ذهب إلى الحصن وضربه بالمدافع ، فتدخل قضاة الرستاق بين الإمام وولديه وعقد صلح بينهم ، وحاصر الإمام حصن نخل تأديباً لواليها على مساعدته ولديه على تمردهما ، وعقد الصلح بينهما وعاهده ألا يخونه مرة أخرى. كرر سيف وسلطان ابنا الإمام أحمد تمردهما على والدهما مرة أخرى في صفر 1195هـ(فبراير 1871م) ، فقام مشايخ القبائل بعقد صلح بين الإمام ووالديه ، غير أنهما عاد وتمردا على أبيهما مرة ثالثة في ذي الحجة 1195هـ(ديسمبر1871م) ، وذلك لما حظي به سعيد من الرعاية والاهتمام من قبل والدهم ، غضب الإمام أحمد على ما فعله ولداه ، في تلك الأثناء هاجم صقر بن رحمه القاسمي شيخ جلفار(رأس الخيمة) الرستاق بمساعدة جبر بن محمد الجبري خال سيف وسلطان ابني الإمام أحمد، مما دفع بالإمام وولديه إلى تسويه خلافاتهم لتخوفهم من سيطرة صقر القاسمي على الرستاق، وبالتالي ينهار حكمهم ، فأصدر عفوه عن والديه ، وتوجه إلى الرستاق للدفاع عنها ، غير أن القاسمي انسحب من الرستاق وعاد إلى بلاده فور سماعه بخبر الصلح. وعلى الرغم من الصراع بين الإمام أحمد والقواسم إلا أنه قد تخلله تعاون بين الطرفين كما حصل في عام 1185هـ ( 1772م) حيث تحالف الإمام مع القواسم لمواجهة القوات الفارسية بقيادة كريم خان ، وتعاون الإمام مع القواسم أيضاً عام 1186هـ (1773م) على مهاجمة ميناء بندر عباس ، قام الإمام أحمد بنجدة البصرة من الغزو الفارسي عام 1189هـ (1775م)، فأرسل الإمام حملة عسكرية بحرية في مقدمتها سفينته الرحماني بقيادة ابنه هلال، مما أدى إلى تقوية العلاقات بين الإمام أحمد والسلطان العثماني عبد الحميد الأول ( حكم : 1187-1203هـ / 1773-1789م) الذي خصص مكافأة سنوية للإمام ظلت تدفع حتى عهد السيد سعيد بن سلطان (حكم :1219-1273هـ/ 1804-1856م) ، كما سمح للتجار العُمانيين بالمتاجرة في العراق، وأمر برفع الرسوم التي كانت تفرض على تجارة البن، مما أدى إلى ازدهار التجارة العُمانية في البصرة، حيث وصل عدد السفن العُمانية التي كانت ترتاد البصرة سنويا إلى ما يقارب الخمسين سفينة، وعادت الرحلات السنوية لأسطول البن العُماني للبصرة. اهتم الإمام أحمد بن سعيد بعد تحقيقه وحدة عُمان الداخلية بالعمل على استتباب الأمن والنظام فيها فعين الولاة في المناطق ، وكان الإمام يشرف بنفسه على شؤون الولاة ويتابع سير أعمالهم ومدى اهتمامهم بشؤون الناس . كما عمل الإمام أحمد على نشر الأمن وحفظ النظام في عُمان ، كما أنشأ قوة برية أشرف بنفسه على تنظيمها وتسليحها ، وأعاد إعمار القلاع والحصون والأبراج لتعزيز التحصينت العسكرية ، كما اهتم بالأسطول الحربي الذي دافع عن السواحل العُمانية وحماية طرق التجارة من القرصنة. نتج عن الأمن والإستقرار في عُمان خلال عهد الإمام أحمد بن سعيد ازدهار الموانئ العُمانية ؛ وتوجهوا إلى مسقط بسبب مرافئها الآمنة وحاكمها الذي منح الجرية للتجار في ممارسة أعمالهم التجارية وشعائرهم الدينية ، واستغل الإمام أحمد بن سعيد السفن الحربية في حالة السلم لنقل التجارة فكانت تنقل بضائع من موانئ عُمان ، حيث تعيد السفن العُمانية تصدير البضائع التي تجلبها السفن إلى ميناء مسقط مثل : البن الذي كان يأتي من الحبشة واليمن ، فتنقله السفن العُمانية إلى البصرة، مما أدى إلى زيادة دخل الدولة من الرسوم الجمركية التي قدرت في عام 1178هـ (1765م) بمائة ألف روبية. كما اهتم الإمام أحمد بن سعيد كذلك بالزراعة والإقتصاد ، فوسع الأفلاج ، ودفن في محلة بيت القرن قريبا من قلعة الرستاق.