بدأت أوّل مظاهر هذهِ الحضارة حينَ انتشرَ الدين الإسلاميّ وبدأت الدعوة إليه، وخُصوصاً حينَ تأسست للمُسلمين دولتهُم وعاصمتهم النبويّة في المدينة المنوّرة، بقيادةَ النبيّ الكريم عليهِ الصلاةُ والسلام، التي اعتنت بجوانب الحياة الإنسانيّة والدينيّة على حدٍّ سواء، فقد سُنّت التشريعات القضائية العادلة، وطُبّقت أحكام القانون الإلهي في الأرض الذي يعود بالحقّ على أصحابه، وينزع الظُلم من أيدي الظالمين فلا جورَ ولا عُدوان، فلا حضارة بوجود فوضى وظُلم. وامتدّت سلسلة تاريخ الحضارة الإسلاميّة في عهدِ الخُلفاء الراشدين الذين انتهجوا المنهجَ النبويّ في الأرض، فوسّعوا رُقعة البلاد الإسلاميّة ونشروا فيها القيَم والمبادئ التي هيَ صُلب الحضارة الإسلاميّة، واستمرّوا على طريق العدل والتشريع الحكيم. وجاءَ بعد ذلك الأمويون والعباسيون، وغيرهم الذين أقاموا حضاراتٍ تمتدّ بجذورها إلى مبادئ الإسلام وقيمه، فاعتنوا بالعِلم وأسسوا حضارة علميّة لا تُضاهى، حيث انتشرت وخُصوصاً في زمان العباسيين الذهبيّ الحركات العلميّة والصناعيّة، التي ظهرَ فيها العِلم بأبهى حُلّة وبرزَ فيهِ العُلماء في شتّى فُنون العِلم وصنوفهِ المُختلفة، وكذلك الحال في التطوّر العمرانيّ الذي تميّزت بهِ الحضارة الإسلاميّة، التي اشتهرت بالإبداع العمرانيّ وفُنون البناء الإسلاميّ الراقي، خُصوصاً في عهد الأمويين وكذلك حضارة الأندلس الجميل لقد جعل الله سبحانه وتعالى العالم العربي مهبطا للرسالات السماوية ومعقلا للإنسانية وموضعا للقيادة العالمية. اختار الله العرب لنشر الإيمان بوصفهم أمة قائدة للعالم الجديد. إن الجيل الأول من المسلمين هم الذين غيروا وجه التاريخ وأثروا في الحضارة الإنسانية. فتح العرب نصف الأرض في نصف قرن. وإن العرب أصبحوا بفضل بفضل تعاليم الإسلام أصحاب الدعوة والرسالة وانقلبوا في داخل أنفسهم فانقلبت لهم الدنيا وعلموا أن الله قد ابتعثهم ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدينا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. إن تاريخ العرب حافل بالمغامرات، ولعل العرب أكثر الأمم مغامرة. وإن هذه المغامرات لها فضل كبير في بناء هذه الحضارة التي نعم في ظلها العقل والعلم والإنسانية. وكانت حضارتهم هي الحضارة المثلى التي تمجد الناس، لم يكن للعرب دور أساسي في تاريخ العالم وتاثيرهم على الحضارة العالمية قبل الإسلام. لقد مكن الإسلام العرب خلال حقبة وجيزة من قيادة أفضل تجربة حضارية إنسانية امتزج فيه الدين بالعقل وبالبناء الحضاري. تحول العرب بعد ظهور الإسلام من أمة ضعيفة هزيلة إلى أمة قائدة في الحضارة الإنسانية. وتغير حال العرب المسلمين بعد ظهور الإسلام والانقلاب الحضاري العجيب والذي يعد لغز من ألغاز التاريخ. الإسلام فهو دين سماوي قائم على التوحيد، وحقق ثورة في حياة العرب في الماضي، بفضل الإسلام تحول العرب من العزلة الخانقة إلى قمة الحضارية. برزت الأمة الإسلامية على المسرح العالم وهي تحمل ميزات اساسية وهي: الأتساع والانفتاح والإنسانية. وكان للعرب بفضل الإسلام دورهم القيادي في أن يهبوا العالم الهدوء والاستقرار لفترات طويلة من الزمن، إذ حرصت رسالة الإسلام أن تهب الإنسانيةحياة يتوفر فيها كل اسباب الأمن والسلام في كل بقعة أشرقت عليها شمسها وانبثق ضياءها.