الفصل الأول "العناية بالتاريخ بعد الاسلام " لعل ازدياد اهتمام العرب المسلمين بالكتابة التاريخية بعد الإسلام يعود إلى جملة 1- العناية بسيرة الرسول ﷺ ومغازيه وأحاديثه وأخبار عصره مما دفع إلى نشوء هذا الفرع من التاريخ الإسلامي الذي سمي بالسيرة والمغازي واختصر أحياناً باسم "المغازي". 2- ظهور مشاكل جديدة بعد الفتوحات الإسلامية تتعلق بالإدارة السياسية والمالية في الأقاليم المفتوحة. 3- الخلاف حول مسألة "الخلافة" التي ظهرت كأهم مشكلة في خضم الأحداث إلى جانب مواضيع خلافية فكرية ومذهبية واجتماعية عديدة. 4- كان لتأسيس ديوان الجند "الديوان" وهو السجل الذي تسجل فيه أسماء المقاتلة وعيالهم أثراً في دفع عملية التدوين والاهتمام بأخبار القبائل وأنسابها. 5- وضع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه التقويم الهجري الجديد فكان تقويماً ثابتاً شجع على توقيت الأحداث أي تاريخها مما شجع الكتابة في التاريخ. 7- تشجيع الخلافة العباسية على تدوين التاريخ لدوافع عديدة رسمية أو شخصية، خاصة وإن العباسيين كانوا من آل البيت وهم أحوج ما يكونون لدعم سلطتهم السياسية إلى التاريخ الذي يروي إنجازات الرسول ﷺ وذريته من آل بيته وإثبات حقوقهم في القربى والحرمة وما إلى ذلك. بالإضافة إلى ما يمنحه التاريخ لقارئه من ثقافة عامة وسعة اطلاع وخاصة لفئة الموظفين والكتاب في الدواوين الرسمية. 8- الشعور لدى العلماء بأن الاهتمام بالتاريخ الإسلامي يخدم العلوم الدينية الأخرى ويتممها ويوضحها خاصة وإن العديد ممن اهتم بالتاريخ من الأوائل كانوا محدثين أو مفسرين أو فقهاء، فكان الغرض من تدوين التاريخ هو الحفاظ على الشريعة ومن هنا جمع عديد من الفقهاء والعلماء بين الفقه والتاريخ. وكان العمل بعلم المغازي والسيرة النبوية مكملا للفقه والحالة نفسها تنطبق على علم الطبقات والتراجم فهو من ضرورات المؤرخ والفقيه في آن واحد، وقد جمع العديد من العلماء بين التاريخ الإسلامي وعلوم الشريعة لإدراكهم بحتمية التلازم ومنهم الطبري وابن كثير والذهبي وابن عساكر والسخاوي وغيرهم كثير. 9- الدافع العلمي كان محفزاً قوياً في الكتابة التاريخية عند المسلمين وقد ساعد على ذلك سهولة التنقل بين إقليم وآخر وبلد وآخر "الرحلة في طلب العلم" كما ساعد على ذلك ازدهار حركة الترجمة من الثقافات الأخرى إلى العربية وخاصة في بيت الحكمة البغدادي تحت رعاية وإشراف الدولة. 10- التجارة والحج: إن النشاط التجاري وكذلك مواسم الحج تستدعي معرفة البلدان والمسالك وهذا ما حفز الكتاب على الكتابة في صفة هذه الأقاليم وأحوالها وطبائع شعوبها. 11- أما السفارة فقد ازدهرت في العصر العباسي ولدينا بعض الأخبار عن السفارات التي تبودلت بين الدولة العباسية والبيزنطيين أو الخزر والبلغار والصين وشمالي الأندلس وفرنسا وقد نتج عن بعض هذه السفارات مذكرات طريفة تتعلق بمشاهدات هؤلاء السفراء أمثال ابن فضلان في أوائل القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي إلى بلاد البلغار وإقليم الفولجا ومناطق بحر قزوين وكذلك أبي دلف الخزرجي إلى الصين في القرن الرابع الهجري أيضا وفي هذه المذكرات وغيرها مثل مذكرات لسان الدين ابن الخطيب الكثير من المعلومات التاريخية. 12-قِدم الأمة العربية في التاريخ وامتداد رقعة تواجد العرب فقد ذكروا في النقوش الأثرية والكتب السماوية قبل الإسلام أن هذا الإدراك والوعي عند العرب جعلهم يهتمون بتناقل أخبارهم ومآثرهم قبل الإسلام وامتد هذا الاهتمام بعد الإسلام. 13- تاريخية الإسلام فالإسلام يحمل فكرة تغوص في أعماق التاريخ أنها عقيدة إبراهيم عليه السلام، وتحدث عن أساطير الأولين وأنباء القرى وحفز على الرغبة في معرفة تفاصيلها وتدوينها.