الهجرة في سبيل الدعوة إلى الحبشة (1):ولما رأى النبي الأذى يشتد بأصحابه أمرهم بالهجرة إلى الحبشة: "فإن بها ملكا لا يظلم لديه أحد، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله إلى أرض الحبيبة مخافة الفتنة وفراراً إلى الله بدينهم، وفي هجرة المسلمين إلى الحبشة لابد وأن يعرض سؤال، لماذا فكر النبي في الحبشة ولم يفكر في غيرها من أقاليم الجزيرة العربية؟، الواقع أن تفكير النبي في الحبشة ينطوي على معرفة كبيرة بظروف وأحوال الجزيرة العربية كما أن فيه لفته كموطن مؤقت لاتباعه سياسية من جانب النبي موجهة إلى قريش. لم يلجا المهاجرون إلى قوم من العرب في الجزيرة العربية، لأن القبائل العربية كانت مرتبطة بقريش ارتباطاً تجارياً ودينيا قويا، وهي لذلك حريصة على حسن العلاقة حرصاً على مصالحها المادية، فلم تكن لذلك تستطيع إيواء الخارجين عليها، وقد تجلى موقف القبائل واضحا بعد هجرة النبي ﷺ إلى يثرب، فقد اتخذت جانب قريش فى صراعها ضد يثرب وتحرشت بالمسلمين وحار اليمن فكانت الأحوال فيها غير مستقرة، والخلافات الداخلية تمزقها إلى للنفوذ الفارسي ووقوعها فى مجال التصارع جانب خضوعها الدولي الذي تعدى السياسة إلى الدين فكان التنافس شديدا بين المسيحية واليهودية فيها، وهي بذلك غير صالحة لأن يجد فيها المهاجرون الماوى الأمين، وكذلك كانت الحال في مملكة الخيرة (المناذرة)، كما لم تكن مدن الحجاز الأخرى مهيأة في ذلك الوقت القبول هجرة المسلمين إليها، فيران كانت لها الخلافات الداخلية (الأوس والخزرون مجرد يقوم الصراع على اليهودين وباقل الأموال إلى جانب علاقات قريشن التجارية المدينة ي بطونها سواء من اليا من الا و من والخزرج، أما خير فكانت مدينة يهودية ذات صلات طيبة مع قريش، فضلا عن أن اليهود كانوا منصرفين إلى مصل الحليم عدم الدخول في عداء مع القبائل العربية، إلى جانب حرصهم الشديدراغبين في على القضاء على دعوة محمد الله رغم تأكدهم من صدق دعوته، ولكن مصالحهم الذاتية وخروجهم الدائم على الدين، جعل ذلك يبدو أمرا عاديا بالنسبة لهم. إذن فقد كانت بلاد الحبشة هي أقرب إقليم هادئ إلى محة يمكن أن يجد فيه كما يمكن أن يحصلوا على معاشهم، فقد كانت الحبشة متجرا لقريش ووجها وكان القريشيون يغشونها للتجارة فهم على معرفة وعلى خبرة بمزاولة العمل فيها. كما كانت تكمن وراء الهجرة إليها حكمة سياسية، فالحبشة تطمع منذ أجيالفي فتح الأقاليم العربية، وكان ملوكها يراقبون من أجل ذلك أحوال الجزيرة مراقبة شديدة، وقد سبق للحبشة أن أرسلت حملة لفتح مكة، وخرجت الحبشة من الجزيرة كلها، إلا أن الصراع الدولي على امتلاك طرق التجارة لم ينته بعد، فالهجرة إلى الحبشة تؤدى إلى غرضين: الغرض الأول: أن المهاجرين يلقون ترحيباً من ملك الحبشة، أملا في أن يتمكن بمساعدتهم من التدخل في شئون مكة الداخلية، وفعلا لقي المهاجرون احتفاء وحسن معاملة من النجاشي ملك الحبشة.والغرض الثاني: هو لفت نظر قريش إلى أن عداوتها للمسلمين قد تضطرهم إلى الالتجاء إلى قوة خارجية ربما تتدخل لحمايتهم، فتتعرض مكة لغزو . أو تتعرض للإضرار بمصالحها الاقتصادية، لذلك فإن من مصلحتها أن ول أوجست قريش خيفة من هذه الهجرة وحسبت لها حسابا كبيرا، نسارعت إلى إرسال بعثة إلى النجاشي، تحمل الهدايا له ولرجاله وتطلب إليه رد أن تؤدى هذه الصلة الجديدة التى أن : تعاود الحبشة الكرة على مكة من مرة أخرى الكر هؤلاء المهاجرين، وربما لتداول معرفة موقف الحبشة من الوضع في مكة، فقد القت على موقفهم، فبذل لهم الحوت والرعاية ).وفى هذه الأثناء (في فقد أسلم رجلان من صفوة قريش اشتهرا بالبار عناصر قوية من القريشيين والقوة، هما حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب، وكان كلاهما رجلا قويا مرهوب الجانب جريئاً في إظهار رأيه والوقوف في وجه مخالفيه، وكان من اليسير ان تبكا مع مناونى الإسلام، فتسيل الدماء وتقع الحروب الأهلية، التي كان لهم "الملا" حريضاً على عدم وقوعها، ولم يتردد الرجلان عن تحدى قريش،بهما ساعد المسلمين وقويت قلوبهم نسبياً واضطرت قريش إلى أن تهادن بعضالوقت حتى تدبر موقفاً إزاء هذا الوضع الجديد.وقد وصلت أخبار هذه المهادنة مسامع المسلمين في الجيشة مبالغا فيها. حتى لقد قيل إن قريشاً تابعت النبي وتحولت إلى الإسلام،لكنهم ما كادوا يصلون إليها حتى كانت قريش قد اتخذت لنفسها خطة أشد تجاه بالـ المسلمين ومن ينصرهم، فلم يستطع أي من العائدين دخول مكة إلا في جوار وحمى ذوي النفوذ أو سرا وكانت هذه العودة بعد شهرين تقريباً من الهجرة إلى الحبشة، وعادت الضغوط للازدياد من جديد على النبي وأتباعه، فيرسل النبي ﷺ المستضعفين من الصحابة مرة أخرى إلى الحبشة، وقد عاد فيها من لم يستطع دخول مكة من المهاجرين الأول ومعهم عدد أكبر من العددأدركت قريش أن ما تقوم به من الأذى للمسلمين لن يحول دون إقبال الناس على الدين الجديد، كما رأت بني هاشم يقومون دون النبي فلا تستطيع أن تبلغ منه لذلك قررت أن توقع على هذا البطن القرشي عقوبة قاسية، لعلها تجبره على التخلي عن موقفه في حماية النبي ﷺ وتضطره إلى تسليمه أو الكف عن نصرته، ورأت أن يكون عملها جماعيا ترتبط به كل البطون المكية وحلفاؤها، فعقدوا فيما بينهم في أواخر العدد السادس من البعثة النبوية خلفا على بنی هاشم وبني عبد المطلب يقضي بأن لا ينكحوا إليهم، ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شبا ولا يبتاعوا منهم، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم، وعلى الجانب الآخر انحاز بنو هاشم وبنو عبد المطلب باستثناء أبي لهب وعبد العزي عما الرسول إلى أبي طالب واستقروا جميعاً بصحبة النبي وخديجة في شعب أبي طالب للحفاظ على أن والله وكان ذلك في الشهر الأول من العام السابع من البعثة النبوية،وهكذا حصروا بني هاشم والمسلمين في شيعب خارج مكة يُسمى "شعبابي طالب" وقامت قريش على هذا الحصار الاقتصادي والاجتماعي ثلاث سنوات، على أجهد المحاصرون أيما إجهاد وكان يسمع صياح أطفالهم من شدة الجوع، وظل النبي يدعو إلى دينه بين العرب، كما حفل القرآن الكريم بالآيات التي تشدد النكير على قريش، وتجدر الإشارة هنا إلى أن حلف الفضول الذي عقدته بعض بطون قريش على منع الظلم في مكة، فلم يتناد اصحابه بنصرة المظلومين ممن كان يقع عليهم العذاب،كان يخشى أن يطالب بنو هاشم حلفاؤهم من أصحاب (الفضول) بالوقوف إلى جانبهم، ومن أجل ذلك كان حرصهم على الإجماع والتواثق على ذلك في صحيفة. لأنهم أعتبروا الدعوة الإسلامية ذات خطر كبير على مكة، لذلك اجتمعوا وتضامنوا على إيقاف هذا التيار (۱).وكان هذا العمل العدواني فرصة لأن يتسامع العرب في كافة أنحاء الجزيرة العربية بأنباء هذا الدين الجديد، حتى أحست قريش بفشل هذا الحصار، وبأنه يوشك أن يؤدي إلى أزمة داخلية في مكة، فقد تحركت عاطفة الرحم في بعض القرشيين وأخذوا يتحدثون عن محنة بني هاشم علنا على الملأ في المسجد الحرام،وبدأوا في إمداد المحاصرين ببعض الطعام، ولما حاول زعماء قريش إيقاف هذا المدد حدثت مشاحنات واشتباكات كادت تؤدي إلى فتنة. ثم تحزب بعض الرجال ضد الصحيفة وقاموا على نقضها،أن الحصار قد فشل في إجبار المحصورين على التسليم، فاضطروا إلى تمزيق الصحيفة، وعاد بنو هاشم والمسلمين إلى دورهم وإلى مزاولة حياتهم العادية في مكة،لكن النبي ﷺ لم يلبث كثيرا بعد نقض الصحيفة أن أصيب بصدمتين شديدتين كان لهما وقع شديد الأثر في نفسه، كما كان لهما أثر كبير في تغيير اتجاهه