إن التداخل بين الأدب والفكر أمر لم يتم الحسم فيه إن لم يكن من المستحيل الحسم فيه ، خاصة حين نتأمل كتب تاريخ الأدب وما تحفل به من أسماء لمفكرين وفلاسفة وصناع أفكار ، فمن الصعب التأريخ لتبارات أدبية أو مدارس إبداعية دون تأمل تفاعلات جوارها المعرفي ، لذلك لا يستقيم الحديث عن الأدب والتأريخ له بمعزل عما عرفته المرحلة التاريخية أو الموجة الفكرية من أسماء لمفكرين أسهموا في تشكيل أسئلة المرحلة وقضاياها ، فهل يمكن التأريخ للأدب الإنجليزي مثلا في القرن الثامن عشر دون الإشارة مثلا إلى بيركلي وهيوم ؟ غير أن تناول مؤرخ الأدب لهؤلاء وغيرهم ليس من باب التأريخ للفكر والفلسفة ، ولكنه يمارس حقا طبيعيا تحركه أسئلة دارس الأدب ، بل وتجعل حتى تأريخه لهم يندرج ضمن انشغالاته بالأدب والدراسات الأدبية دون أن يتجاوز ذلك إلى التعمق في تاريخ الفلسفة أو الاقتصاد أو غيرها مما نبغ فيه هؤلاء هناك إشكال آخر ينضاف إلى الإشكال السابق ، ويرتبط بالاقتصار على الكتب العظيمة ، فهذا الانحصار في النوعية من الكتب قد تكون له فوائد جمة على المستوى التربوي . إلا أنه على المستوى الإبداعي قد يؤدي إلى امتداد القديم في الجديد ، وإلى تكريس أعراف أدبية تتحول بموجب ذلك إلى قواعد جافة تقتل الإبداع ، فالمطلوب بناء رؤى جديدة وتجاوز ما كان سابقا ، لأن ذلك يسهم في خلق أنواع أدبية جديدة تتمرد على القديم ،