المبحث الثاني: عناصر البنية السردية لا شك أن السرد بصورة عامة يتكون من عناصر وهذه العناصر في توظيفها تشكل عامل ابداع عبر بنائها وترابطها وتسلسلها. لذا سنقف على كل شكل من الأشكال السردية ونحللها الى عناصرها. إذ يقوم بربط عناصر السرد، فهو سلسلة من الوقائع المتصلة تتسم بالوحدة والدلالة وتتلاحق من خلال البداية ووسط ونهاية ([66]). ويمكن دراسة الحدث في النصوص السردية السابقة في الآتي: الحدث في الاخبار: لابد من القول في البداية بأن الاخبار بكافة أنواعها تعتمد على الحدث أو الفعل وهذا ما نلحظه في الحدث في النوادر والاخبار التاريخية وكذلك الاخبار المنامية إذ ركز على الرؤيا التي رآها الحسين (عليه السلام) قبيل استشهاده وتمثلت بصورة رمزية هي (الكلب الابقع يلغ دمائهم) الذي عبره الحسين بشمر بن ابي ذي الجوشن الضبابي الذي كان مصاب بداء البرص. على حين الاحداث تتعدد في الحكاية الفكاهية بدءاً من العشاء (تعشى أبو كعب القاص) ثم ذهابه الى المسجد، ثم الجلوس في زاوية المسجد وصولا الى القص، ثم الذهاب لبعض المساجد وقد أصاب الشيخ مسجدا كثير البواري دافئ، ولم تفصل بينه وبين الشيخ مسافة ويبدأ القص وتتحرك بطنه والحدث المهم أو الذروة هو التفريج بـ(فسوة) والتستر بذلك بقولوا الا إله الله…ولعل السمة الجمالية المهيمنة في هذا النص تتمثل في تفجير طاقة اللغة لتصوير هيئة القاص الأكول الشره الذي اكل طفشيل وهو الطعام المصنوع من اللوبياء وشرب نبيذ التمر وهو كما ذكرنا من مهيجات الريح في البطن ثم توظيفه لكلمة (تفريج) وهي ذات دلالتين أولهما فرج فتح وثانيهما كشف الغم وتكمن أهميته لأنه يثير الضحك لدى السامعين وهو هدف الحكاية. وعادة في السرد القديم ولا سيما في الاخبار والحكايات والنوادر يبدأ السارد بنقطة محددة تمثل البداية ثم يسرد الاحداث الى نقطة النهاية من دون استباق للأحداث أو تنبئ بالمستقبل ([67]). • الشخصية: تعد الشخصية ركناً اساسياً من عناصر الخطاب السردي؛ لأنها تشكل ((مزيج من الفعاليات البيولوجية والذاتية والفكرية والحوادث الاجتماعية)) ([68]) لكن الصفة الغالبة على الشخصيات في السردي الجاحظي تاريخية، وهناك من يقسم شخصيات الجاحظ على الشخصية المتسلطة أو القاهرة ومنها الحجاج والشمر بن ابي ذي الجوشن… والشخصية المقهورة ومنها الحسين بن علي (عليه السلام) والأعرابي في خبر الحجاج…. ([69]) لكن يمكن دراسة الشخصية بحسب النوع السردي في الآتي: • الشخصية في الخبر: الشخصية في الاخبار غالب ما تكون أحادية ومنها شريح القاضي، والحسين بن علي (عليه السلام)…ويمكن تقسم الشخصيات الجاحظية على: الشخصيات البرجوازية ومنها الحجاج والمأمون وثمامة…. الشخصيات الأسطورية ومنها بلقيس بنت ذي مشرح، الشخصيات الهامشية الساذجة منها الرجل والاعرابي في النادرة وهذه الشخصيات تتسم بالسذاجة ولا يهتم السارد بوصفها بقدر اهتمامه بالحدث لان هدفها الفكاهة والاضحاك ليس الا. • الشخصية في الحكاية: هناك شخصيات رئيسة في الحكاية هي (رجل) و(كلب) والملاحظ أن شخصية الرجل نكرة غير معروفة لأن الهدف من الحكاية اثبات وفاء الكلب. يقوم الجاحظ بوصف الشخصية بحسب طبيعة السرد بوصف جسماني وسيكولوجي، ففي الحكاية الفكاهية هناك شخصيتان هما: القاص (أبو كعب) والشيخ (إمام المسجد)، وقد جاءت الشخصيتان في إطار اجتماعي ديني. فالقاص في سرد الجاحظ وظيفته اجتماعية ترفيهية والشيخ وظيفته دينية وثمة مفارقة سردية فالقاص رجل هدفه دنيوي رجل شره كثير الاكل والشرب، رجل ضخم الجثة عظيم البطن وهذا ما لمح به الجاحظ (وطبق وجه المحراب بجسمه وفروته وكسائه)، فهو يبحث عن مكان مليء بالناس دافئ من البرد ومستور من المطر وقد وجد ضالته في أحد المساجد. على حين أن الشيخ هدفه ديني فهو رجل ضعيف البنية يجلس في زاوية المسجد في المحراب الذي هو غائر في الحائط يسبح الله ويذكره، أما الحكاية اللغز فنلحظ أن الراوي هو من يقدم الشخصية بل نجد في الحكاية ثلاثة رواة هم: الراوي الأول(الجاحظ)، والراوي الثالث (شيخ بني العنبر) والشخصية الرئيسة هي (رجل من بني العنبر) اسره بنو شيبان فبعث رسالة ملغزة الى اهله بيد رسول واشترطوا عليه ان يكلم الرسول بين أيديهم فكلمه وألغّز في الكلام، وتأتي وظيفة الرسول في الحكاية في توصيل الرسالة من دون علمه بدلالتها الرمزية، اركبوا ناقتي الحمراء= انزلوا الدهناء. وجاء مفتاح هذه الشفرة بقوله: سلوا حارثاً عن امري للمكان دور فاعل في القص السردي؛ ذلك بأنه يقوم ((بالدور نفسه الذي يقوم به الديكور والخشبة والمسرح)) ([72]). والمكان في أغلب سرد الجاحظ تاريخي، مرتبط بالشخصيات التاريخية منها شريح القاضي الحجاج و صعصة بن صوحان لكن قد يحدد الراوي ـ المكان من ذلك (اقمت في بلدكم) في خبر شريح القاضي فالبلد مكان مفتوح ، كذلك الصحراء في خبر الحجاج لكنه في نهاية الخبر قال (اخرجوه) أي أنه كان في خباء أو خيام في تلك الصحراء أما خبر صعصعة فقد وردت مكة ومكة ايضاً مكان مفتوح، على حين كان المكان في الحكاية الفكاهية المسجد، ولا يمكن تجاوزه بالأساليب الفنية الأخرى كالاستباق والاسترجاع. فالمكان الذي جرت فيه الحكاية (الجامع) وهو مكان مغلق وقد وصفه الراوي بأنه مستور بالبوري عن البرد والمطر مزدحم بالناس محرابه غائر في الحائط. أمَّا الزمن فيمكن أن يقسم على زمنين الأول عام وهو زمن الخطاب (زمن الجاحظ) والثاني الزمن الخاص الذي نلحظه في الحكاية وهو وقت العشاء وما بعده أي ليلٍ. وربما يظهر الزمن بشكل ضمني داخل الحكاية، وأن لم يدل عليه دليل كالظروف ومنها الليل في الحكاية الفكاهية والحكاية اللغز أو قت الظهيرة في خبر الحجاج والاعرابي، أو التاريخ أو شهرة الشخصية لكن سير الاحداث يدل على الزمن كما ان الأفعال الماضية تدل على الزمن ومنها(كانوا) في خبر الهدهد، لأن النادرة لا تهتم بالزمن بقدر اهتمامها بالحدث المفاجئ لأن هدفها الاضحاك. وظف الجاحظ أغلب الاشكال السردية في كتبه ومنها الاخبار بأنواعها والنوادر والحكايات. ووجود هذه الاشكال السردية في الادب العربي اذ تم رصد هذه الاشكال في مجتمعه ومنها الاخبار الخرافية والشعبية والاسطورية والحكايات الفكاهية والملغزة. وظف الجاحظ الاخبار المنامية بدافع سياسي هو النيل من دولة بني أمية التي قتلت الحسين (ع). تباينت عناصر الاشكال السردية وهي الحدث والشخصيات والمكان والزمان،