يتناول النص وظائف السلطات الإدارية المستقلة في تنظيم المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشيراً إلى أن دور الدولة فيها ليس انسحاباً مطلقاً بل إنشاء سلطات مستقلة للضبط، وهو ما يعني تدخلات تتنازل عنها الدولة لهيئات أخرى لضمان التوازن والمنافسة وتوزيع الموارد. تشمل أدوات الضبط: التنظيم، إصدار القرارات، التحقيق، التحكيم، القمع، وتوقيع الجزاءات. يُعرّف الضبط بتعريفات متعددة حسب آلياته. تتمثل سلطة التنظيم بوضع قواعد عامة، معترف بها صراحةً لبعض السلطات كـمجلس النقد، لجنة البورصة، مجلس المنافسة، ومصدرها القانوني هو القوانين المنشئة لها. أثار إسناد هذه السلطة جدلاً دستورياً في فرنسا، حيث أكد المجلس الدستوري ضرورة تقييدها وتحديد مجالها، بينما في الجزائر، بررها فقهاء بأنّ النصوص الدستورية التي أسندت سلطة التنظيم لرئيس الجمهورية والوزير الأول لم تكن حصرية. أما السلطات التي لم تُمنح سلطة تنظيم صريحة، فمنحتها الدراسات الفقهية سلطة تنظيمية غير مباشرة كمشاركة في إعداد التشريعات من خلال الإستشارات والاقتراحات والتعليمات (الملزمة داخلياً). تتمثل سلطة إصدار القرارات الفردية بمنح تراخيص وإعتمادات، وتوقيع عقوبات على المخالفين، خاضعة لسلطتها التقديرية. أما سلطتي التحقيق والتحكيم، فتُعتبران رقابة مسبقة، فالـتحقيق يجمع المعلومات عن النشاطات ضمن اختصاصاتها، وقد يُثير جدلاً دستورياً خاصةً فيما يخصّ سلطة التحري عن المخالفات، والتي سمحت بها بعض التشريعات تحت رقابة قضائية لحماية حقوق الأفراد. أما التحكيم، فهو إصدار قرارات نافذة، معترف به صراحةً لبعض السلطات، ويختلف عن التحكيم القضائي التقليدي بإمكانية مباشرته دون اتفاق مسبق، وبطبيعة القرار الصادر عنه. تُخول السلطات الإدارية المستقلة صلاحيات أخرى كإصدار الإعذارات والملاحظات والأوامر. سلطة القمع وتوقيع الجزاءات، تُعتبر ضرورية لفعالية الضبط، حيث تُفرض عقوبات إدارية على المخالفين، تختلف عن العقوبات الجزائية في طبيعتها، جهة إصدارها، وقابلية الطعن فيها. تنقسم العقوبات الإدارية العامة إلى مالية (غرامات) وغير مالية (حرمان من حقوق أو إمتيازات). يثير منح سلطة توقيع العقوبات للسلطات الإدارية المستقلة إشكالية دستورية، لكنها مُبرّرة بإمتيازات السلطة العامة، ومُقيّدة بضوابط لضمان حقوق الأفراد. تخضع هذه السلطة لرقابة قانونية وقضائية، من خلال الطعن الإداري أو القضائي، مع اختلاف آجال الطعن واختصاص المحاكم حسب السلطة الإدارية المستقلة المعنية. قد يُوقف تنفيذ القرارات القمعية برفع دعوى إستعجالية أو بموجب نصوص قانونية خاصة لكل هيئة.