أكرم السلمي وعلى الرغم من حداثة هذا الموضوع، وتضع الحدود بين الحقوق الخاصة والمصالح العامة. هذا الاهتمام التشريعي لدول العالم المختلفة كان متفاوتاً، إلا أن الإسلام كان سباقاً في وضع النظم والقوانين التي تضمن تحقيق مبادئ الحوكمة المختلفة، وهي تتمثل أساساً في قواعد الحوكمة، كالأمانة والعدالة وغيرها. إن أحكام الإسلام كانت دائماً تحرص وتحث على الرشد والصلاح في جميع الأمور، كما قال تعالى ﴿وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بِالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى باللّه حسيبًا﴾ [النساء: 6]، وقال رسول الله: ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما. أما الشق الثاني: فيسائل المسلم أمام العباد حول حقوقهم وتنفيذ العقود معهم. وفي هذا الإطار حث الإسلام على الشفافية في تصرفات المسلمين وتعاملاتهم، ومن دواعي الشفافية الإفصاح، أو قال: حتى يتفرّقا، ومن مبادئ الحوكمة في الإسلام المسؤولية، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته (البخاري: 81). فالمسلم مطلوب منه تحمل المسؤولية عن كل ما أوكلت إليه من أعمال، ومن مبادئ الحوكمة في الإسلام العدل والقسط، والعقل الرجيح، وأنزل سبحانه وتعالى الميزان وهو العدل في القلوب وفي معاملات الناس، وحث على خلق العدالة في الحكم، كما قال تعالى: ﴿إن اللَّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن اللَّه نعمَّا يعظكم به إن اللَّه كان سميعا بصيرا﴾ [النساء: 58]. ويلاحظ أن مبادئ الحوكمة في الإسلام تتسع لتشمل قيماً ومبادئ لم تتطرق إليها القيم الغربية، والتي اشتقت منها مبادئ الحوكمة المطبقة حالياً، وكذلك تشمل الحاجات الروحية بالإضافة إلى الحاجات الدنيوية في المجتمع المسلم. كل ما سبق يدلل بشكل جلي أن الدين الإسلامي كان الأسبق في وضع أسس وقواعد كثير من الأنظمة وليس أولها نظام الحوكمة،