ويرجو على الطاعة فيه الخير والحسنى في الدنيا والآخرة سواء. فلا تمتلئ قلوب بالطمع، ولا تمتلئ قلوب بالحقد ولا تسير الأمور كلها بالسيف والعصا وبالتخويف والإرهاب! ولا تفسد القلوب كلها وتختنق الأرواح كما يقع في الأوضاع التي نراها قد قامت على غير: «لا إله إلا الله» . وبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والمستوي الأخلاقي في الجزيرة العربية في الدرك الأسفل في جوانب منه شتى- إلى جانب ما كان في المجتمع من فضائل الخامة البدوية. تعبر عنه حكمة الشاعر: زهير بن أبي سلمى: يهدم، ومن لا يظلم الناس يظلم ويعبر عنه القول المتعارف: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» . كالذي يقوله طرفة بن العبد: وجدك لم أحفل متى قام عودي فمنهن سبقي العاذلات بشربة . .. إلخ وكانت الدعارة- في صور شتى- من معالم هذا المجتمع. كالذي روته عائشة رضي الله عنها: فيصدقها ثم ينكحها. كلهم يصيبها. ومر عليها ليال، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، ولا يستطيع أن يمتنع به الرجل. ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاطه، وكان في استطاعة محمد- صلى الله عليه وسلم- أن يعلنها دعوة إصلاحية، تتناول تقويم الأخلاق، وتطهير المجتمع، وتزكية النفوس، وتعديل القيم والموازين. وكان واجدا وقتها- كما يجد كل مصلح أخلاقي في أية بيئة- نفوسا طيبة، يؤذيها هذا الدنس وتأخذها الأريحية والنخوة لتلبية دعوة الإصلاح والتطهير. وربما قال قائل: إنه لو صنع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذلك فاستجابت له- في أول الأمر- جمهرة صالحة تتطهر أخلاقها، فتصبح أقرب إلى قبول العقيدة وحملها. بدلا من أن تثير دعوة أن لا إله إلا الله المعارضة القوية منذ أول الطريق! لم يوجه رسوله- صلى الله عليه وسلم- إلى مثل هذا الطريق. وأنه قبل تقرير تلك العقيدة تظل القيم كلها متأرجحة وتظل الأخلاق التي تقوم عليها متأرجحة كذلك بلا ضابط، وبلا سلطان، وبلا جزاء! فلما تقررت العقيدة- بعد الجهد الشاق- وتقررت السلطة التي ترتكن إليها هذه العقيدة. لما عرف الناس ربهم وعبدوه وحده. ومن سلطان الشهوات سواء. لما تقررت في القلوب: «لا إله إلا الله» . لا ليتقرر فيها سلطان العرب. ولكن ليتقرر فيها سلطان الله. لقد تطهرت من الطاغوت كله: رومانيا وفارسيا وعربيا على السواء. لا يقرن إليها اسما آخر ويكتب عليها: «لا إله إلا الله» ! وتطهرت النفوس والأخلاق، وفي أخلاقها، ولقد تم هذا كله لأن الذين أقاموا هذا الدين في صورة دولة ونظام وشرائع وأحكام كانوا قد أقاموا هذا الدين من قبل في ضمائرهم وفي حياتهم، لا يدخل فيه الغلب والسلطان. وعدا واحدا لا يتعلق بشيء في هذه الدنيا. وعدا واحدا هو الجنة. ومواجهة الجاهلية بالأمر الذي يكرهه أصحاب السلطان، في كل زمان وفي كل مكان، ولا اعتزاز بوطن ولا أرض. لما أن علم الله منهم ذلك كله،