الداخلية والمخابرات هما المجال الوحيد الذي يصرف عليه بسخاء، ويجد التوافق الكامل والتنسيق المتقدم في البلاد العربية على اختلاف نظمها المعرفة والفكر يتحولان على مستوى الأنظمة إلى الوظيفة الأمنية، فنقصد به استغلال الدين وسطرة رجاله على التحكم بالغيب تفسيراً وتأويلاً واحتكارهم لهذه السلطة المعرفية من أجل ترويض الناس من خلال كل آليات التحريم والتحليل المعروفة. ولقد وصل الأمر بهم إلى تكفير كل فكير، حتى ولو دخلوا معه في صراع مفتوح وذلك أنهم ينتجون نماذج من البشر مسلوبة المرجعية الذاتية، وبالتالي جاهزة للانقياد للاستبداد السياسي والديني معاً. بذلك يتلاقى التجريم (السياسي المخابراتي الأمني) مع التحريم الديني كي يقضيان على الفكر وقدرته على إنتاج المعرفة، فهذه تهدد بنمو الوعي وبالتالي بالثورة والتمرد من خلال التساؤل عن المشروعية الراهنة وسطوة الأصوليات الدينية المغرقة في انغلاقها ومرجعيتها الأحادية، لا يبقى من معرفة ممكنة للفكر عند الناس العاديين إلا علم تدبير الحال هنا يتم استخدام الذكاء، وتوظف طاقات الذهن من أجل تدبير الحال إما بالتحايل والإخفاء والتمويه والمداهنة (مما أطلق عليه أحدهم اسم الدفاع بالحيلة) للسلطات تجنباً لغضبها ونقمتها،