خاصة التي تفشت في البلدان العربية الإسلامية تحت راية الصليبيين ونذكر منها بلاد الأندلس التي لا تزال واجهة لاستذكار مستهدفات ومخلفات الحروب الصليبية، ويرجع بعض الباحثين بداية الاستشراق الانكليزي إلى ما قبل الحروب الصليبية حيث توجه نفر من الانكليز إلى الأندلس للدراسة في جامعاتها ومدارسها. ومن أبرز الباحثين الذين قاموا برحلات واسعة في البلدان العربية الإسلامية خاصة الأندلس التي كانت تعتبر جنة الله في الأرض، أما سوريا فكانت مهداً للعلوم ومعنى الحضارة الإسلامية هو المستشرق أولارد أوفابات، وكان من بين الباحثين الذين تأثروا بالحضارة العربية فألهمته اللغة العربية فاهتم بها واعتزم على تعلمها وإتقانها حتى يتمكن من دراسة العلوم الإسلامية، فتوافد المستشرقون على المشرق العربي لغرض الدراسة كواجهة مبدئية تحت قناع الغايات السياسية والدوافع النفسية، فاختلفت اتجاهات الاهتمامات بالعلوم العربية الإسلامية في الشرق من ترجمة وجمع المخطوطات ودراستها، ولا يمكن ذكرها كلها بناء على بوادر البحث والتنقيب الشاسعة والتي استوفت جميع العلوم العربية، كل هؤلاء حملوا ثقافة عربية وترجموا الكثير عنها وصنفوا الكثير من أمهات الكتب في العربية وعلومها، ويمكن الإشارة من هذا المنظور أن ما دعت إليه الكنيسة الأنكليكانية كان بداية وميلاد رسمي للحركة الاستشراقية. ومن هذا المنطلق كانت واصلة لفتح نافذة التعرف على العالم الشرقي العربي الإسلامي، فكان مد النفوذ غير المباشر قد اتخذ من شركة الهند الشرقية أولاً كواجهة تطوير الأعمال بهدف إتمام عمليات السيطرة على الهند والاستحواذ على ثرواتها وجعلها سهلة المنال لحكومة التاج البريطاني، حيث نجد هذه الأخيرة سعت فيما بعد وبخطوات حثيثة إلى إقامة مراكز البحوث الاستشراقية وتوسيع نطاقها في الهند مثل الجمعية البنغالية. ويمكن القول أن القرن السابع عشر هو الانطلاقة الحقيقية للاستشراق الانكليزي. هذا وقد شهد القرنان السابع عشر والثامن عشر الميلاديان ظهور عدد من المستشرقين الانكليز، كان الاستشراق الإنكليزي بين أول وأوثق وأوسع ما عرفته أوروبا من استشراق منذ اتصال بريطانيا بالشرقين الأوسط والأقصى اتصالا ثقافيا وعسكريا واقتصاديا واستعماريا في : الأندلس، فقد طلب الرواد الانكليز الثقافة العربية عن طريقين : أولهما طريق المتضلعين منها أمثال الفيلسوف الإسباني إبراهيم بن عزرا من مدينة طليطلة الذي وفد على لندن ودرَّس فيها ما بين الأعوام 1158ــ1159م، اضافة إلى كونها دَيْنَاً مزدوجا للعرب والمستشرقين. مما حمل كبير الأساقفة لود على انشاء كرسي للعربية في جامعة أكسفورد، وتشجيع الجامعات على توفير الدراسات الشرقية وتعميمها. تجددت بفضله الصلات الاقتصادية والسياسية بين إنكلترا والشرق الأدنى على الرغم من الحرب الأهلية في القرن السابع عشر. وأقبل الطلاب في إنكلترا وفرنسا والهند على النصوص السنسكريتية ومصادر ثقافتها إقبالا حتم على مديري الجامعات إنشاء قسم خاص بها في العلوم الشرقية امتد أثره في القرن التاسع عشر إلى ألمانيا ثم إلى غيرها من عواصم العلم حتى يومنا هذا. فاتصل الشرق الأدنى بأوروبا في الثقافة والسياسة والاقتصاد اتصالا وثيقا لم يعرف من قبل وتبين منه أن العربية أصل كل ثقافة إسلامية في أية لغة من اللغات. وتخريج مدرسة دي ساسي الفرنسية جيلا كاملا من المستشرقين الأوروبيين، وانشاء كرسي للعربية في جامعة لندن، وتبعهم عدد كبير من الرواد والرحالة والعلماء. ولما عاد الانكليز إلى انكلترا تعاونوا على التدريس والترجمة والتحقيق والتصنيف فتوفر لجامعة كمبريدج ثلاثة من مشاهير المستشرقين، ولمسدن في الهند الذي نظم الاستشراق في كلية فورت وليم تنظيما علمياً. وهكذا انتهى تطور الاستشراق إلى هذا المذهب العلمي الذي استمر من مطلع القرن التاسع عشر حتى اليوم، وانما يفهم من المذهب العلمي التخصيص لا التعميم. فما كانت الدراسات الشرقية قط مجرد نوع من أنواع الرياضة لمن يسمح له وقته وثروته بذلك، والسير إمري النائب السابق في الهند فقد تعلم الفارسية والتركية،