فإِنَّ شَعَثَ النَّفس إذا جُمع على العلم التأم واجتمع، وإذا شغل به وبغيره أزداد تفرُّقًا وشتاتًا، وإِنَّما تُجمع الهِمَّة على المطلوب بتفقد ثلاثة أمور : أولها : الحرص على ما ينفع، فمتى وُفِّق العبد إلى ما ينفعه حرص عليه. ثانيها : الأستعانة بالله في تحصيله. إذا لم يكن عون من الله للفتى عليه اجتهاده فأول ما يجني ثالثها : عدم العجز عن بلوغ البغية منه. في وقد جمعت هذه الأمور الثلاثة الحديث الذي رواه مسلم ابن الحجاج ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير، عن محمد بنيحيى بن حَبَّان، عن أبي هريرة الله الله ، فمن أراد جمع . همته على العلم، الجد بالجد والحرمان بالكسل لأنَّه ينفعه، بل كل خير الدُّنيا والآخرة إنَّما هو ثمرة من ثمرات العلم وليستعن بالله عليه، ولا يعجز عن شيء منه ؛ قال الجنيد له: ما طلب أحدٌ شيئًا بجد وصدق إلا ناله، فانْصَبْ تُصِب عن قريب غاية الأمل فانهض بهمَّتك واستيقظ من الغفلة؛ فُتحت له أبواب الخيرات وتسابقت إليه المسرات. أو مأكل، أو مشرب، لم يَشَم رائحة العلم. واعلم بأنَّ الـعـلـم لـيـس يـنـالـه مَن هَمه في مطعم أو ملبس فاحرص لِتَبْلُغَ فيه حظًّا وافرا واهـجـز لـه طـيـب الـمـنـام وغلس وإنَّ ممَّا يعلي الهِمَّة ويسمو بالنَّفس : أعتبار حال من سبق، وتعرف همم القوم ا الماضين. فأبو عبد الله أحمد ابن حنبل كان - وهو في الصبا - ربما أراد الخروج قبل الفجر إلى حِلَق الشُّيوخ، فتأخذ أُمه بثيابه وتقول - رحمة به - : (حتى يُؤَذِّنَ النَّاسِ أو يُصبحوا». وقرأ الخطيب البغدادي لله «صحيح البخاري» كله على إسماعيل الحيري في ثلاثة مجالس ؛ أثنان منها في ليلتين من وقت صلاة المغرب إلى صلاة الفجر، واليوم الثالث من ضحوة النَّهار إلى صلاة المغرب ومن المغرب إلى طلوع الفجر. قال الذهبي في تاريخ الإسلام»: «وهذا شيء لا أعلم أحدًا في زماننا يستطيعه».