أولا : التعريف بالمصطلح : قبل أن نتناول المصطلحين الواردين في عنوان البحث أعني كلمتي " الغزل " و " الكيدي وهي التسمية التي أثرتها على غيرها من المسميات الأخرى التي أطلقها الأدباء والنقاد علي هذا اللون من الغزل وسيأتي بيان ذلك - أعرض في إيجاز لمكانه المرآة عند العرب ومنزلة الشعر الذي دار حولها . فالمرآة عند العرب ولا تزال بفضل الإسلام كانت يعدونها جزءاً من عرضهم ، ولم يكن شيء يثيرهم كسبي نسائهم ، وهم بعيد عن الحي ، فكانوا يركبون وراءهم كل وعر ، حتى يلحقوا بهن وينقذوهن ويغسلوا عار سبيهن ، وهو عار عندهم ليس فوقه عار . ويقول أحمد الشايب : " المرآة لها التوقير والإجلال لنفعها في السلم والحرب ، الجراح ، وتشجع المقاتلين ، وتنسخ الوبر والصوف ملابس وبيوتا ، وهي ظاهرة جمال ومصدر أنس ، ولذة ومتاع وربة أسرة ، وقائمة على تربية الأبناء ، لا يجرؤ الشعراء علي الحديث إليها إلا في احترام وإجلال ، يضعونها حيث يضع اليونان آلهتهم ، معتذرين أو ملتمسين يلقبونها خير الألقاب كما في قولهم : يا ربة الدار قومي - غير صاغرة ضمني إليك رجال القوم والقربا في ليلة من جمادى ذات أنه لا يبصر الكلب في ظلماتها الطنبا ومن ثم ندرك سر تمسك الشاعر العربي في القديم وحرصه الشديد على بدء القصيدة بالنسب واستحضار صورة المرآة ، بذكرها وجزع علي هجرها أو ظعنها ، ووقف على أطلالها ، يندب شجوه ، ويبكي حظه ، ويقول الدكتور الحوفي : إن الرجل العربي قد : " أعز المرآة وأحبها ، ويتذكر ماضيه السعيد . يقول عمرو بن كلثوم في معلقته : علي آثارنا بيض حسان تحاذر أن تقسم ، أو تهونا. ومما يدل علي مكانه المرأة عند العرب إجلال الأزواج لزوجاتهم بمخاطبتهن بخير الألقاب وكني التعظيم ، ونسبة بعض الشعراء إلى أمهاتهم مثل : شبيب بن البرصاء ، وابن ميادة ، ومنظور بن حية وابن زبانة التميمي ، والسليك بن السلكة وغيرهم كثير ، بل انتسبت بعض القبائل إلي الأم مثل : بجيلة ، وخندف ، وطهية نسبة إلي طهية بنت عبد شمس ، شعراء الحماسة ويقول جورجي زيدان : " فقد كان للمرآة عندهم رأي ، وإرادة ، بعض القراء لا يفهم منزلة الغزل في الشعر ، إن مزية الغزل سببها أن حب الجمال حب الحياة ، وكلما كان نصيب المرء من العوامل الاجتماعية القوية التي تزجي الأمم إلى التفوق والاستعلاء. الإنسان هو فن الغزل ، ولقد لقي الغزل عناية كبيرة من الشعراء سجلوا فيه عواطفهم وخواطرهم ، تناولوا المرآة فذكروا محاسنها وصفاتها وسحرها ، وما يفعل فيهم من الشوق والحنين ، العرب بشيء احتفالهم بالغزل ، سواء أكان صادراً عن القلب تفرد له القصائد وتحبر له الأشعار ، أم كان تقليد امستحبا تفتح به المطولات ويستراح إليه بعد رحلة الشعر ، فيوصل به الحديث ويعقد عليه الحوار . " فالغزل ألصق الفنون الأدبية بحياة الرجل والمرأة ، ولعله أشهرها وأقربها إلى قلوب الناس جميعاً ، فالمرأة نصف الرجل وتمام عيشه ، وحياته وهنائته ، وهي مبعث الرضا والغضب والمل والألم ، والشقاء والرضاء ، وهي المعين والإلهام ، والجمال والجلال ، فلا غرابة أن يسعي الرجل إلي نيل رضاها في كل حين . اشترك العربي مع جميع الأمم في التعبير عن هذا الشعور ، حتي ليكاد ديوان الغزل يشكل أكبر الدواوين واعظمها ، أما عن التعريف بمصطلح الغزل : فقد جاء في لسان العرب : الغزل حديث الفتيان للفتيات ، واللهو مع النساء ومغازلتهن ومحاورتهن ومراودتهن ، والتغزل التكلف لذلك.