قال لي رشيد عندما وقف لاستقبالي في غرفة الضيافة بفندق ريجينا في كالياري، وأن الأخبار المتناقضة وغير الواضحة أحيانا التي تصله باستمرار من عنابة, وحدها جعلته يبقى في سردينيا ليلة أخرى، أنه يعود ربما إلى فرنسا خلال تلك الليلة. رأيت القلق بـاد عـلى وجهه الشاحب، وتراجعت ابتسامته الخفيفة تاركة المجال لحزن كبير يسكنه كان مضطربا ولا يكف عن النظر إلى هاتفه كما لو أنه ينتظر مكالمة مهمة أو رسالة نصية قصيرة تتوقف عليها بقية حياته. لم تكن السيجارة تفارق شفتيه الجافتين. يحمل الواحدة تلو الأخرى بيد مرتعشة لا تقوى أحيانا على إشعال الولاعة بشكل طبيعي. تيقنت أنه كان حاضرا معي في ذلك الفندق بجسده فقط، حتى أنه نسي أن يطلب لي القهوة وعصير الفواكه كما كان يفعل خلال الليالي الأربع التي مضت. ولم أفهم أنا إلى غاية تلك اللحظة ما علاقة تمديد بقائه في جزيرة سردينيا، بالأخبار القادمة من قريته والتي يقول إنها متناقضة. وكنت إلى غاية تلك الليلة أيضا لم أعرف بعد، السر الذي حمله إلى سردينيا تاركا عائلته في فرنسا . كان خوفي عليه أكبر من خوفي على تتمة قصته. لم أخبره أن الندوة التي أحضرها قد اختمت أشغالها، وأن بقائي في الجزيرة إنما كان لسماع بقية القصة، غير أن الفصل الأخير من روايته لم يعد بداية من تلك اللحظة، أكثر أهمية من حياته أو حياة والده أو أحد أفراد عائلته في زبوجة، فقد اعتقدت أن الأمر يتعلق حتما بواحد منهم يكون قد وقع له أي مكروه، من دون أن أجد أية علاقة لذلك بمجيئه إلى سردينيا أصلا.