نظريا ت القوة و التطور والنظريات المجردةيصف بعض الفقهاء هذه النظريات بالصفة العلمية على أساس إنها تخضع للتحقيق العلمي ، وتستند إلى عوامل اجتماعية وتاريخية ، وتتمثل هذه النظريات في ثلاث : نظرية القوة ، ونظرية التطور الأسري ، ونظرية التطور التاريخي .أولاً- نظرية القوة : ترد هذه النظرية أصل الدولة إلى القوة والغلبة ، فالدولة إنما تنشأ عندما يفرض القوي سلطته على باقي الأفراد الذين يمتثلون لقوته . ويتجلى مضمون النظرية في أن الجماعات الإنسانية الأولية كانت تعيش في حالة صراع مستمر مع بعضها . وقد نتج عن هذا الصراع انتصار جماعة منهم على غيرها من الجماعات أي أصبح هناك غالب يفرض إرادته على المغلوب ، ويمد سلطانه على إقليم معين ، ولقد كان الفقه التقليدي يذهب إلى إن قوة المنتصر في هذا الصراع تمثلت في القوة المادية وحدها ، على إن القوة قد أخذت في نظر الفقه الحديث مدلولا أوسع مدى . حيث يعتقد الفقه الحديث إن القوة ليست مجرد القوة المادية ، وإنما تتسع لتشمل كل ما يتميز به الحاكم من قوة النفوذ الأدبي ، ولعل كثيرا من وقائع التأريخ تؤيد صحة النظرية ، فقد كانت الحياة البشرية الأولى تقوم على الإغارة والحروب ، ونتيجة لانتصار الأقوى كانت تتوحد جماعات وتقوم المدن السياسية أو الدول ، فكانت الغلبة لعنصر القوة على عنصر الرضا والاتفاق في نشأة الدولة . بل أن التاريخ الحديث يشهد على أهمية عنصر القوة ، فكثير من الدول نشأت نتيجة لاستخدام القوة والالتجاء إلى الحروب . وقد انتقدت النظرية –كتفسير لأصل نشأة الدولة – من عدة جهات :1-إن كانت نظرية القوة قد اتفقت مع الواقع في حالات كثيرة ، وفسرت نشأة الدولة فيها ، إلا أنها لا تصلح لتفسير نشأة الدولة في جميع الأحوال . فثمة دول لم تنشأ عن طريق القوة ، إذ إن العديد من الدول الحديثة في آسيا وأفريقيا قد نشأت نتيجة لاستقلال المستعمرات ، وليس بناءاً على عنصر القوة .2-لا يكفي عنصر القوة وحده لإيجاد الدولة ، والقيم الاجتماعية ، كلها عوامل لا تنكر في نشوء الدولة . والواقع أنه يندر أن تكون القوة وحدها هي المنشئة للدولة في العصر الحديث ، ويتعذر أن تنشأ القوة وحدها دولا عظيمة وبصورة مستقرة ودائمة . ثانياً- نظرية التطور الأسري : ترجع هذه النظرية أساس الدولة إلى الأسرة ، وأساس سلطة الحاكم في الدول إلى سلطة رب الأسرة . ويتلخص مضمون هذه النظرية في إن أصل الدولة يعود إلى الأسرة ، وإن الأسرة هي الصورة المصغرة للدولة . نمت الأسرة وأصبحت عائلة ، وباجتماع بضعة عائلات تكونت العشيرة ، ثم اتسعت العشيرة إلى عشائر عدة ، التي اتسعت إلى قبائل عدة ، وحينما استقرت هذه القبائل على بقعة من الأرض تكونت القرية ، ثم نمت هذه القرية إلى قرى عديدة ، ومن اجتماع هذه القرى بعضها ببعض تكونت المدن السياسية والتي تطورت بعد ذلك وأخذت شكل الدولة بمفهومها الحديث ولئن كانت الأسرة هي الخلية الأولى للدولة ، فإن سلطة الحاكم في الدولة إنما يرجع أساسها الأول على فكرة السلطة الأبوية وما كان لرب الأسرة من سلطة على أفرادها . بيد إن النظرية لاقت عدة انتقادات :1-إذا كان أنصار هذه النظرية يؤكدون إن الأسرة هي الخلية الأولى للدولة ، إلا أن علماء الاجتماع يرون خلاف ذلك ، ويؤكدون إن الأسرة لم تكن هي الخلية الاجتماعية الأولى . وذلك لأن غريزة الاجتماع والتكاتف ضد مخاطر الطبيعة هي التي جمعت الأفراد في بداية التاريخ البشري ، ولم تظهر الأسرة أو السلطة الأبوية إلا في مرحلة لاحقة ، بعد أن اختص الرجل بزوجة له . فثمة دول خرجت في نشأتها عن القاعدة التي قررتها النظرية للتطور . وكثير من الدول الحديثة لم تنشأ وفقاً للتطور السالف بيانه ومن أمثلة ذلك في العصر الحديث ، الولايات المتحدة الأمريكية .3-إن إرجاع أساس السلطة العامة في الدولة إلى سلطة رب الأسرة وتشبيه السلطة الأولى بالثانية ، هو في حقيقة الأمر محل نظر . ذلك إن سلطة رب الأسرة لها صفة شخصية مرتبطة بشخص رب الأسرة ذاته تزول بزواله أو باستقلال أفراد الأسرة عنه . أما السلطة السياسية في الدولة فإنها سلطة مجردة غير شخصية ، أو غير مرتبطة بشخص الحاكم ، فهي دائمة ومنفصلة عن شخص من يمارسها .4- ويتخوف البعض ، من أن تشبيه السلطة السياسية في الدولة بالسلطة الأبوية في الأسرة ، ويدعي أنه رب الأسرة ، حتى يتهرب من محاسبة شعبه ، كما يحاسب سائر الحكام في الدول الديمقراطية من قبل شعوبهم أو من قبل المؤسسات الدستورية المخصصة لذلك . ثالثاً- نظرية التطور التاريخي : تختلف نظرية التطور التاريخي عن النظريات السابقة في أنها لا ترجع أصل نشأة الدولة إلى عامل محدد بذاته ، وإنما إلى عوامل متنوعة ، وتتباين أهمية هذه العوامل من دولة إلى أخرى ، فقد تتزايد أهمية بعضها بالنسبة لدولة معينة وتقل بالنسبة لدولة أخرى . وأساس هذه النظرية ، إن الدولة ظاهرة طبيعية نتجت من تفاعل عوامل مختلفة عبر فترات طويلة من التطور التاريخي الذي أدى إلى تجمع الأفراد للتعايش معا . وتطورت الأحوال بعد ذلك بظهور فئة حاكمة لهذه الجماعة فرضت سيطرتها عليها ، وقبضت على ناصية الأمور فيها ، ونظرا لاختلاف العوامل الاقتصادية والاجتماعية والعقائدية والظروف التاريخية التي أدت إلى ظهور الدولة من بلد لآخر ، فقد كان من الطبيعي أن يحدث اختلاف في الدول كنتيجة لاختلاف العوامل التي ساهمت في قيام كل منها ، وتبعا لذلك ، اختلف النظام السياسي وشكل الحكومة في كل دولة من الدول . وبالتالي يصعب وضع نظرية عامة محددة لبيان أصل نشأة الدولة بصفة عامة . و تعتبر هذه النظرية ، أكثر النظريات أنصارا ،