إن السيرة النبوية ـ على صاحبها الصلاة والسلام ـ هي في الحقيقة عبارة عن الرسالة التي حملها رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم إلى المجتمع البشرى قولًا وفعلًا، وقلب بها موازين الحياة، وأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور، ولا يتم إحضار هذه الصورة الرائعة إلا بعد المقارنة بين البيئة التي ‏سبقت هذه الرسالة وبين ما آلت إليه بعدها‏. وعن تاريخ الحكومات والإمارات ‏والنظم القبلية التي كانت سائدة في ذلك الزمان، ‏والأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية‏. وإليكم تلك الفصول‏:‏ ‏ موقع العرب كلمة العرب تنبيء عن الصحارى والقِفَار، والأرض المُجْدِبة التي لا ماء فيها ولا نبات‏. ‏ وقد أطلق هذا اللفظ ‏منذ أقدم العصور على جزيرة العرب، ‏ ‏ وجزيرة العرب يحدها غربًا البحر الأحمر وشبه جزيرة سيناء، وجنوبًا بحر العرب الذي هو امتداد لبحر الهند، وشمالًا بلاد الشام وجزء من بلاد العراق، على ‏اختلاف في بعض هذه الحدود، ولجزيرة العرب أهمية بالغة من حيث موقعها الطبيعي والجغرافي؛ فإنها في وضعها الداخلي محاطة بالصحاري ‏والرمال من كل جانب؛ ولأجل هذا الوضع صارت الجزيرة حصنًا منيعًا لم يستطع الأجانب أن يحتلوها ويبسطوا ‏عليها سيطرتهم ونفوذهم‏. ‏ ‏ وأما بالنسبة إلى الخارج فإنها تقع بين القارات المعروفة في العالم القديم، وناحيتها الشمالية الشرقية مفتاح لقارة أوربا، وكذلك تلتقي كل قارة بالجزيرة بحرًا، ‏والفنون‏. ‏ ‏ أقوام العرب وأما أقوام العرب فقد قسمها المؤرخون إلى ثلاثة أقسام؛ وغيرها‏. وتسمى بالعرب ‏القحطانية‏. وتسمى بالعرب العدنانية‏. ‏ ‏ أما العرب العاربة ـ وهي شعب قحطان ـ فمَهْدُها بلاد اليمن، ‏ فاشتهرت منها قبيلتان‏:‏ حِمْيَر بن سبأ، وليست لهم قبائل دون سبأ‏. ‏ ‏ ‏1 ـ قُضَاعة‏:‏ ومنها بَهْراء وَبِلىٌّ والقَيْن وكَلْب وعُذْرَة ووَبَرَة‏. ‏2 ـ السَّكاسِك‏:‏ وهـم بنو زيـد بـن وائلة بن حمير، وذو أصبح‏. والخزرج، وأولاد جَفْنَة ملوك الشام المعروفون بآل ‏غسان‏]‏‏. وانتشرت في أنحاء الجزيرة، وإفسادهم طريق البر بعد احتلالهم بلاد ‏مصر والشام‏. ويقال‏:‏ بل إنهم هاجروا بعد السيل حين هلك الحرث والنسل بعد أن كانت التجارة قد فشلت، وكانوا قد ‏فقدوا كل وسائل العيش، ويؤيده سياق القرآن ‏{‏لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن ‏رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ‏ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ ‏وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ ‏أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ‏}‏ ‏[‏سورة ‏سبأ‏:‏15‏:‏ 19‏]‏ ‏ فقد ‏يشير إلى هذا بقاء حمير مع جلاء كهلان‏. ويمكن تقسيم المهاجرين من بطون كهلان إلى أربعة أقسام‏:‏ ‏ ‏1 ـ الأزْد‏:‏ ‏ وكانت هجرتهم على رأى سيدهم وكبيرهم عمران بن عمرو مُزَيْقِياء، فساروا يتنقلون في بلاد اليمن ويرسلون ‏الرواد، ثم ساروا بعد ذلك إلى الشمال والشرق‏. وهم أزْد عُمَان‏. وهم أزد شَنُوءة‏. ‏ ‏ وعَطَف ثَعْلَبة بن عمرو مزيقياء نحو الحجاز، فأقام بين الثعلبية وذى قار، ولما كبر ولده وقوى ركنه سار نحو ‏المدينة، فأقام بها واستوطنها، ابنا حارثة بن ثعلبة‏. وتنقل منهم حارثة بن عمرو ـ وهو خزاعة ـ وبنوه في ربوع الحجاز، ثم افتتحوا الحرم ‏فقطنوا مكة وأجلوا سكانها الجراهمة‏. وسار جَفْنَة بن عمرو إلى الشام فأقام بها هو وبنوه، وهو أبو الملوك الغساسنة؛ كانوا قد نزلوا بها أولًا قبل انتقالهم إلى الشام‏. وعوف بن عمرو‏. ‏ ‏ ‏2 ـ لَخْم وجُذَام‏:‏ ‏ وكان في اللخميين نصر بن ربيعة أبو الملوك المناذرة بالحيرة‏. ‏ ‏ ولاقـوا هنـاك ما لاقوا بالبحرين، ثم نزلوا نجدًا، ‏ ‏ وقد جاءت الحفريات والتنقيبات ‏بتفاصيل واسعة عن هذه المدينة، ومنها إلى فلسطين، فاتخذها قاعدة لدعوته، ومعه زوجته سارة، فأراد ذلك الجبار أن يكيد بها، وعرف الظالم أن سارة امرأة صالحة ذات مرتبة عالية عند الله ، ووهبتها سارة لإبراهيم عليه السلام‏. ‏ ‏ ورجع إبراهيم عليه السلام إلى قاعدته في فلسطين، ثم رزقه الله تعالى من هاجر ابنه إسماعيل، وصار سببًا لغيرة ‏سارة حتى ألجأت إبراهيم إلى نفي هاجر مع ولدهـا الرضيـع ـ إسماعيل ـ فقدم بهما إبراهيم عليه السلام إلى ‏الحجاز، وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم الذي لم يكن إذ ذاك إلا مرتفعًا من الأرض كالرابية، وليس بمكة يومئذ ‏أحد، ولم تمض أيام حتى نفد ‏الزاد والماء، وهناك تفجرت بئر زمزم بفضل الله ، ‏ ‏ وجاءت قبيلة يمانية ـ وهي جُرْهُم الثانية ـ فقطنت مكة بإذن من أم إسماعيل‏. وقد صرحت رواية البخاري أنهم نزلوا مكة بعد إسماعيل، وأنهم ‏كانوا يمرون بهذا الوادى قبل ذلك‏. وكان إبراهيم عليه السلام يرتحل إلى مكة ليطالع تركته بها، إلا أن ‏المصادر المعتمدة حفظت لنا أربعة منها‏:‏ ‏ ‏1 ـ فقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه أرى إبراهيم في المنام أنه يذبح إسماعيل، فقام بامتثال هذا الأمر‏:‏ ‏‏{‏فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ ‏الْبَلَاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏الصافات‏:‏103‏:‏ 107‏]‏ ‏ وقد ذكر في سِفْر التكوين أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة، لأن البشارة بإسحاق ذكرت بعد سرد القصة بتمامها‏. ‏ ‏ وماتت ‏أمـه، فسأل امرأته عنه وعن أحوالهما، ‏فشكت إليه ضيق العيش فأوصاها أن تقول لإسماعيل أن يغير عتبة بابه، وفهم إسماعيل ما أراد أبوه، كبير جرهم وسيدهم على قول الأكثر‏]‏‏. ‏ ‏ فأوصى إلى إسماعيل أن يُثَبِّتَ عَتَبَة ‏بابه‏. ‏ ‏ ‏4 ـ ثم جاء إبراهيم عليه السلام بعد ذلك فلقى إسماعيل، وهو يَبْرِى نَبْلا له تحت دوحة قريبًا من زمزم، فلما ‏رآه قام إليه فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، وكان لقاؤهما بعد فترة طويلة من الزمن، وفي هذه المرة بنيا الكعبة، وأذَّن إبراهيم في الناس بالحج كما أمره الله ‏. ‏ ‏ وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، إلا أولاد نابت وقيدار‏. ‏ ‏ وقد ازدهرت حضارة الأنباط ـ أبْناء نابت ـ في شمال الحجاز، وكونوا دولة قوية عاصمتها البتراء ـ المدينة الأثرية ‏القديمة المعروفة في جنوب الأردن، ولم يستطع أحد أن يناوئها حتى ‏جاء الرومان وقضوا عليها‏. وبقاياهم في تلك الديار‏. ‏ ‏ فقد عقد بابًا عنوانه‏:‏ ‏[‏نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه ‏السلام‏]‏، ورجح الحافظ ابن حجر في شرحه أن قحطان من آل نابت بن ‏إسماعيل عليه السلام‏. وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة، يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده مَعَدّ، ومنه حفظت ‏العرب العدنانية أنسابها‏. وقد ورد أنه صلى الله ‏عليه وسلم كان إذا انتسب فبلغ عدنان يمسك ويقول‏:‏ ‏(‏كذب النسابون‏)‏، وذهب جمع من ‏العلماء إلى جواز رفع النسب فوق عدنان؛ مضعفين للحديث المشار إليه، ‏ وسيأتى‏. ‏ ‏ تشعبت منهم أربعة ‏قبائل عظيمة‏:‏ إياد وأنمار وربيعة ومُضَر، ومن جديلة‏:‏ القبائل الكثيرة المشهورة مثل‏:‏ عبد القيس، ‏والنَّمِر، وبنو وائل الذين منهم بكر وتَغْلِب، ‏ أما عنزة ‏فمنها آل سعود ملوك المملكة العربية السعودية في هذا الزمان‏. وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين‏:‏ قَيْس عَيْلان بن مضر، وأعْصُر‏. ومن إلياس بن مُضَر‏:‏ تميم بن مرة، وهُذَيْل بن مُدرِكة، وبطون كنانة بن خزيمة، وانقسمت قريش إلى قبائل شتى، من أشهرها‏:‏ جُمَح وسَهْم وعَدِىّ ومخزوم وتَيْم وزُهْرَة، وبطون قُصَىّ بن ‏كلاب، وهي‏:‏ عبد الدار بن قصى، والمطلب، وبيت هاشم هو الذي اصطفي الله ‏منه سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وسلم‏. ‏ ‏ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل، فجعلني من خير القبيلة، فجعلني من خير بيوتهم، ثم جعلهم فرقتين ‏فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا ‏وخيرهم نفسًا‏)‏‏. ‏ ‏ فهاجرت عبد القيس، وبطون من تميم إلى البحرين فأقاموا بها‏. وخرجت بنو حنيفة بن على بن بكر إلى اليمامة فنزلوا بحُجْر، قَصَبة اليمامة، ‏وسكنت بنو تميم ببادية البصرة‏. ‏ ‏ وأقامت بنو سليم بالقرب من المدينة، إلى ما ‏ينتهي إلى الحرة‏. ‏ ‏ وسكنت بنو أسد شرقي تيماء وغربي الكوفة، وبينهم وبين الكوفة خمس ‏ليال‏. ‏ ‏ وبقى بتهامة بطون كنانة، ‏وكانوا متفرقين لا تجمعهم جامعة حتى نبغ فيهم قصيِّ ابن كلاب، فجمعهم، وكون لهم وحدة شرفتهم ورفعت ‏من أقدارهم‏. الحكـم والإمـارة فـي العـرب ‏ الملك باليمن‏‏ الإمارة بالحجاز الحكم في سائر العرب ________________________________________ كان حكام جزيرة العرب عند ظهور دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين‏:‏ ‏ ‏1ـ ملوك مُتَوَّجُون ـ إلا أنهم في الحقيقة كانوا غير مستقلين‏. ‏ ‏ ‏2ـ رؤسـاء القبائـل والعشائر ـ وكـان لهم مـن الحكم والامتـياز مـا كـان للملـوك المتوجين، ومعظم هـؤلاء كانـوا ‏على تمـام الاستقـلال، ‏ ‏ وملوك مشارف الشام ‏[‏وهم آل غسان‏]‏ وملوك الحيرة، وما عدا هؤلاء ‏من حكام الجزيرة لم تكن لهم تيجان‏. ‏ من أقدم الشعوب التي عرفت باليمن من العرب العاربة قوم سبأ، وقد عثر على ذكرهم في حفريات ‏[‏أور‏]‏ ‏بخمس وعشرين قرنا قبل الميلاد، ‏ ‏ ‏1 ـ ما بين 1300 إلى 620 ق‏. عرفت دولتهم في هذه الفترة بالدولة المعينية، ظهرت في الجَوْف؛ أى السهل الواقع بين نجران وحضرموت، ‏ ‏ وكانت التجارة هي صلب معيشتهم، ‏{‏حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا ‏بُورًا‏}‏ ‏[‏ الفرقان‏:‏18‏]‏ ‏ ‏2 ـ ما بين 620 ق‏. ‏ م إلى سنة 115 ق‏. ‏ م ‏ وقد تركوا لقب ‏[‏مكرب‏]‏ وعرفوا بـ‏[‏ملوك سبأ‏]‏، ‏ ‏ ‏ م إلى سنة300 م ‏ وعرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الأولى؛ لأن قبيلة حمير غلبت واستقلت بمملكة سبأ، وهؤلاء الملوك اتخذوا مدينة ‏[‏ريدان‏]‏ عاصمة لهم بدل مدينة ‏[‏مأرب‏]‏، و ‏تعرف ‏[‏ريدان‏]‏ باسم ظفار، وتوجد أنقاضها على جبل مدور بالقرب من ‏[‏يريم‏]‏‏. ‏ وفي هذا العهد بدأ فيهم ‏السقوط والانحطاط، فقد فشلت تجارتهم إلى حد كبير لبسط الأنباط سيطرتهم على شمال الحجاز أولًا، ثم لغلبة ‏الرومان على طريق التجارة البحرية بعد نفوذ سلطانهم على مصر وسوريا وشمالى الحجاز ثانيًا، ولتنافس القبائل ‏فيما بينها ثالثًا‏. ‏ وهذه العناصر هي التي سببت في تفرق آل قحطان وهجرتهم إلى البلاد الشاسعة‏. ‏ ‏ وعرف ملوكها بـ‏[‏ملوك سبأ وذى ريدان وحضرمـوت ‏ويمـنت‏]‏، وتتابعت الانقلابات والحروب الأهلية التي ‏جعلتها عرضة للأجانب حتى قضى على استقلالها‏. مستغلين التنافس بين قبيلتى همدان وحمير، واستمر احتلالهم إلى ‏سنة 378 م‏. ولما أبوا خدّ لهم الأخدود وألقاهم في النيران، وهذا الذي أشـار إلـيه القـرآن في سـورة الـبروج ‏بقـوله‏:‏ ‏{‏قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ‏}‏ الآيات ‏[‏ البروج‏:‏4‏]‏‏. وكان هذا الحادث هو السبب في نقمة النصرانية الناشطة إلى الفتح والتوسع تحت قيادة أباطرة الرومان من ‏بلاد العرب، فقد حرضوا الأحباش، وهيأوا لهم الأسطول البحرى، ‏واحتلوا اليمن مرة ثانية، بقيادة أرياط سنة 525 م، ونصب نفسه حاكمًا على اليمن بعد أن استرضى ‏ملك الحبشة وأرضاه، وأبرهة هذا هو الذي جند الجنود لهدم الكعبة، وعرف هو وجنوده بأصحاب الفيل‏. ‏وكانا ـ فيما يقال ـ شرا من أبيهما، وبموته انقطع الملك عن بيت ذى ‏يزن، وصارت اليمن مستعمرة فارسية تتعاقب عليها ولاة من الفرس، ثم المرزبان بن وهرز، ثم خسرو بن التينجان، ثم باذان، وكان آخر ولاة الفرس، فإنه اعتنق الإسلام سنة 628م، ‏وبإسلامه انتهي نفوذ فارس على بلاد اليمن‏. الملك بالحيرة ‏ ‏م ‏)‏ ولم ‏يكن أحد يناوئهم، حتى تجزأت بلادهم، وتولاها ملوك عرفوا بملوك الطوائف، ‏ وفي عهد هؤلاء الملوك هاجر القحطانيون، واحتلوا جزءًا من ريف العراق، ثم لحقهم ‏من هاجر من العدنانيين فزاحموهم حتى سكنوا جزءًا من الجزيرة الفراتية‏. ‏ ‏ أو مما يلى ‏الأنبار، وخلفه أخوه عمرو بن فهم في رواية‏. ‏ وجَذِيمة بن مالك بن فهم ـ الملقب بالأبْرش والوَضَّاح ـ في رواية ‏أخرى‏. ‏ ‏ وعادت القوة مرة ثانية إلى الفرس في عهد أردشير بن بابك ـ مؤسس الدولة الساسانية سنة 226 م ـ فإنه ‏جمع شمل الفرس، واستولى على العرب المقيمين على تخوم ملكه، وكان هذا سببا في رحيل قضاعة إلى الشام، ‏ولكن دان له أهل الحيرة والأنبار‏. وفي عهد أردشير كانت ولاية جذيمة الوضاح على الحيرة وسائر مَنْ ببادية العراق والجزيرة من ربيعة ومضر، ويمنعهم من الإغارة على تخوم ملكه، إلا أن يملك ‏عليهم رجلًا منهم له عصبية تؤيده وتمنعه، ومن جهة أخرى يمكنه الاستعانة بهم على ملوك الرومان الذين كان ‏يتخوفهم، وكان يبقى عند ملك الحيرة ‏كتيبة من جنود الفرس؛ ‏ ‏ وكان في عهد كسرى سابور بن أردشير، وقام ‏بالدعوة إلى الإباحية، فتبعه قباذ كما تبعه كثير من رعيته، ثم أرسل قباذ إلى ملك الحيرة ـ وهو المنذر بن ماء ‏السماء ‏[‏512ـ 554 م‏]‏ ـ يدعوه إلى اختيار هذا المذهب الخبيث، فعزله ‏قباذ، وولى بدله الحارث بن عمرو بن حجر الكندى بعد أن أجاب دعوته إلى المذهب المزدكى‏. ‏ ‏ وطلب الحارث بن عمرو، لكنه أفلت إلى دار كلب، فأرسل كسرى إلى النعمان يطلبه، فخرج ‏النعمان حتى نـزل سـرا عـلى هانئ بن مسعود سـيد آل شيبان، وأودعه أهله وماله، ثم توجه إلى كسرى، وأمره أن يرسل إلى هانئ بن مسعود يطلب ‏منه تسليم ما عنده، فأبي ذلك هانئ حمية، وآذن الملك بالحرب، ولم يلبث أن جاءته مرازبة كسرى وكتائبه في ‏موكب إياس، ‏ ‏ فقيل‏:‏ هو بعد ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بقليل، وأنه ‏صلى الله عليه وسلم ولد لثمانية أشهر من ولاية إياس بن قبيصة على الحيرة‏. ‏ وقيل‏:‏ قبل النبوة بقليل ـ وهو ‏الأقرب‏. ‏ وقيل‏:‏ بعد النبوة بقليل‏. ‏ وقيل‏:‏ بعد الهجرة‏. ‏ وقيل غير ذلك‏. وظل يحكم 17 ‏عاما‏[‏614ـ 631م‏]‏ ثم عاد الملك إلى آل لخم سنة 632م، فتولى منهم المنذر بن النعمان الملقب ‏بالمعرور، ولكن لم تزد ولايته على ثمانية أشهر حتى قدم عليه خالد بن الوليد بعساكر المسلمين ‏. في العهد الذي ماجت فيه العرب بهجرات القبائل سارت بطون من قضاعة إلى مشارف الشام وسكنت بها، فاصطنعهم ‏الرومان؛ ليمنعوا عرب البرية من العبث،