فرنسا على القيام بحملة صليبية الى الشرق، اذ كانت الهدنة القائمة بين الصليبين ويبين الملك العادل أخى صلاح الدين الايوبى أن تنتهى، وكانت مدينة بيت المقدس نفسها في يد المسلمين بعد أن استردها صلاح الدين، بل كانت فلسطين كلها في ايديه باستثناء صور وبعض المدن المتبقية للافرنج على الساحل الشامي. بعد أن تكتل الشرق الأدنى الاسلامى على يد صلاح الدين، ولقيت ترحيبا من البابا الروماني الرسلت الثالث (۱۱۹۸ - ۱۲۱۶م) الذي بادر بارسال الدعاة الى كل مكان فى الغرب لحض الناس على الاشتراك فيها. غير أن الامبراطورية الغربية والدول الأوروبية الأخرى لم تستطع وقتذاك تلبية تلك الدعوة بسبب الظروف التي ألمت بها والتي لم تسمح لها بالمساهمة الفعلية في حرب خارج أراضيها. بعد فتوح صلاح الدين الكبرى فى حطين والبيت المقدس. فاذا ظرنا الى الامبراطورية الغربية مثلا نجد انها كانت فى شغل شاغل عن الفكرة الصليبية الحرب التي ثارت بين أوتو الرابع وفيليب دوق موابيا ممثل بيت الهو هنشتاوفن . الأمر الذى حال بين كل من المانيا وفرنسا وانجلترا وبين المساهمة الفعلية ى حرب صليبية جديدة . ولذلك بقيت زعامة تلك الحملة المزمع قيامها في يد البابوية الاقطاعيين من أهل الغرب. اذ كان من الشروط التي تم الاتفاق وفعلا قامت الحملة على هذا الأساس، واذا سرت حسابها نهائيا مع الدولة البيزنطية، عملت عل يتحويلها بعد ذلك عن غرضها الرأيسي وعن الشواطئ المصرية الى مشروع هدم الدولة البيزنطية نفسها والاستيلاء على القسطنطينية، والخلاصة أن هذه الحملة الرابعة تعبر عن ذروة اطماع الصليبيين في الدولة البيزنطية . ولم يكن الصليبيون بحاجة إلى من يقنعهم بضرورة هذا المشروع الذي تقدمت به البندقية، وفى نظر قادة هذه الحملة عدوا قديما للصليبيين كنا اسلفنا ، اذ كان الكسيس ابن الامبراطور السجين المخلوع يطلب النجدة ضد عمه المغتصب للعرش. وكانت الامبراطورية الألمانية تريد أن تسوى حسابها هي الاخرى مع الدولة البيزنطية التي وقفت ضد مشاريعها التوسعية في ايطاليا منذ أيام الامبراطور والذي يهم هنا أن هذه التيارات كلها جاءت موافقة لاهواء البندقية ورغباتها، وجعلت كلمتها هي الأولى في أوساط الصليبيين، كما وعدهم بتزويدهم بما يحتاجون اليه بمجرد نجاحهم في اقامة ابيه فى الامبراطورية البيزنطية . هذا، بل أن أهالي العاصمة البيزنطية اعتبروا الحملة واساطيلها قوة اجنبية معادية أعادت الى أذهانهم الذكرى الأليمة المتعلقة بأحداث الحملة الصليبية الأولى، والتي أحدثت جرحا لم يندمل بعد. وتطورت الحال بين بيزنطة واللاتين وانتهت الحوادث بقرار الامبراطور الكسيس الثالث واستيلاء الصليبيين على القسطنطينية واعادة اسحق انجيلوس واقامته امبراطورا فى أغسطس سنة ١٢٠٣م، بحيث تكون هناك كنيسة واحدة هي الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، أما السبب الثالث والأخير فهو أن التنظيم الاقطاعي الذي فرضه اللاتين على كان لا يمكن أن فبينما كان الغرب فى الاقطاعية والمحلية التي مركزية الحكم والادارة. الغرب، كانت المدينة هي العمود الفقرى فى بيزنطة . كان نشاط الشرق تجاريا ويسود فيه الاقتصاد النقدي أو المالي. ومن هنا لم يكن من المتوقع أن تتأصل جذور النظام الاقطاعي في أرض غير مهيأة لتقبله . بل كان لابد أن تلفظه في أول فرصة مواتية . مما هيأ الجو لطرد أو اختفت، بل الذي حدث هو أنه تكونت فى مدينة نيقية بآسيا الصغرى سنة ۱۲۰٦م امبراطورية بيزنطة في المنفى على رأسها صهر الامبراطور المخلوع الثالث. واسم هذا الامبراطور في نيقية هو تيودور الأول لاسكاريس ( ۱۲۰٤ - ۱۲۲۲ م) . وقد ورد اسمه في الأصول والمصادر العربية تحت اسم الاشكرى». ويلاحظ أن الكتاب والمؤرخين العرب دأبوا في كتبهم وتأليفهم على تسمية أباطرة الدولة البيزنطية باسم «الأشكرى حتى انتهاء هذه الدولة على يد الأتراك العثمانين فى أواسط القرن الخامس عشر. وبقيت هذه الامبراطورية حتى القرن الخامس عشر. وتكمن أهمية هذه الدول البيزنطية في أن النجاح الفجائي السريع الذي أحرزه الصليبيون الغربيون لم يكن من المنتظر أن يستمر . وكانت هذه الحكومات البيزنطية في المنفى مصدر متاعب وقلاقل لدولة اللاتين في القسطنطينية . وأن يسود وبين اللاتين فى بيزنطة حسن الجوار ولكن زعماء الدولة الصليبية كانوا يتمون موقفا صلبا حبال الشعوب البلقانية وشعوب الشرق الأدنى. بل لم تلق عطقا وتولى الامبراطورية البيزنطية فى نيقية بعد قيودور لاسكاريس سنة ١٢١٢ م الامبراطور دوماكس فاتاتزيس (۱۲۲۲ - ١٥٤م) . ذلك أنه كان يرحب بالاتفاق مع اى قوة تعادى البابوية. وكايت البابوية وقتها فى صراع عنيف ضد الامبراطور فريدريك الثاني على المسائل الدنيوية. فكانت هذه فرصة مواتية لأن بجد الامبراطور فريدريك الثانى فى الدولة البيزنطية فى نيقية ميدانا لمساعدته في صراعه ضد خصومه، وأن تجد الامبراطورية البيزنطية كذلك فى فريدريك مساعداً لها ضد اللاتين. يضاف الى ذلك أن مجرد فكرة قيام امبراطورية ثالثة كان مسألة تجعل الامبراطور فريدريك يعمل بكل السبل على هدم تلك والفاحص المدفق يرى أن نهاية الامبراطورية اللاتينية بدت وشيكة بعد سنة ١٢٤٤م ، ولم يؤخر نهايتها سوى ما وقع بين الطامعين فى العرش البيزنطي بعد نهاية حكم فاتاتريس سنة ١٢٥٤ م . على أن ذلك العامل الذى أبقى على امبراطورية اللاتين في القسطنطينية، وجعلها تستطيع مواجهة المشاكل من كل ناحية قد انتهى باعتلاء ميخائيل الثامن باليولوجس عرش نيقية . وأن يعلن تحالفه مع جنوه بعد أن وعدها بجميع الامتيازات التي تتمتع بها البندقية. وكان من الطبيعي أن ترحب جنوة بهذا العرض المغرى والواقع أن التنافس التجاري بين جنوه والنبدقية كان عاملاً هاماً في توجيه كثير من حوادث الرق الأدنى خلال تلك الفترة من سواء بين الدول المسيحية ودولة الماليك في مصر والشام.