والإلزام نقيض الحرية وعصرنا الذي بهيم بالحرية وبعدها حقاً شرعياً للفرد والجماعة ، وقيادة الجماهير والشعوب وجدانيا إذ تخوض معاركها الباسلة من أجل التحرر فكيف يتصور أن نعطل حرية الفن ونقيده بأغلال الإلزام ، ثم نرجوه لمثل هذه الأمانة الصعبة ؟ واختلاف النظرة إلى الحرية باختلاف البيئات والعصور ، ولكن يبقى هناك دائماً أن الإنسان تطلع إلى الحرية منذ كان ، ويتجه في مسعاه إلى الحرية بتأثير الدوافع المادية فحسب ؟ هكذا تقول النظرية الماركسية فى التفسير المادى للتاريخ لكنها لا تعطينا تفسيراً مقنعاً ، يكفي لأن يعطى قيمة جديدة للحرية فى عصرنا ، لا تقوم حياته بدونها وأقول إنسانية الإنسان ، حيت الطعام وافر والحاجات المادية مقضية ميسرة ٢٤٠ ومفهوم الحرية في الأدب والفن ، لا ينفصل عن مفهوم الحرية العامة التي يدين بها إنسان العصر إن الحرية لا تعنى الإباحة والفوضى والتحلل ، واختلاط مفهومها بشوائب ضالة من الفوضى والتحلل والإفلات . فالأصل في الحرية على غير ما يتصور بعضنا ، أن تكون قيداً والتزاماً وجوهر الفرق بينها وبين العبودية أن قيود الحر مفروضة عليه من تلقاء نفسه ، أما قيود العبودية فيفرضها الغير قسراً ، على وجه القهر والإلزام . وحرية الكلمة أرقى أنواع الحريات لأنها أداة التعبير الحر ، ومظهر الاحترام لكرامة الإنسان في أخص ما يميزه عن الحيوان الأعجم . • وحين تمارس حرية الكلمة فى المجال العام تزيد مسئوليتها خطراً ، لا يتجاوزه إلى سواه ، إلى النطاق الجماعي للأمة وهذا التقدير لحرية الأديب ، حين يتحتمل ، بمقتضى حقه فى حرية الكلمة ، تبعة المشاركة في التوجيه الفكرى للأمة والتأثير على وجدانها العام ، وأبسط تفريط فى هذه التبعات أو تهاون بتلك القيود ، يضع الأديب والناقد دون مستوى الحرية للكلمة المسئولة قائدة وناقدة لكنها قيود تفرضها قوانين الفن ، ويلتزم بها الأديب الحر دون أن تجبره عليها سلطة آمرة ! فمن الجانب الفني ، باسم الحرية ، من جهد البناء الفنى وعناء المكابدة الخالقة ، والتحلل من القوانين والضوابط الفنية الجمالية ، وينزع منه . زمام القيادة المعنوية التي تعتمد عليها الأمة في حماية وجودها وحراسة مثلها ومن الجانب الموضوعي ، لا يجوز أن ننسى أن حرية الأديب هي حرية فرد في مجتمع وليست حرية فرد في الخلاء وكما أن ممارسة الأديب لحريته كاملة ، كما أن خيانة جندى يبيع سيفه لأعداء وطنه ، تهدر حقه فى الحياة ، دون أن تمس شرف الجندية أو تصمها بالعار ! خلاصة الموقف أن للحرية فى الأدب حرمتها وقداستها ، لكن بشرط أن يتحرر مفهوم الحرية فلا يختلط بالتحلل والابتذال ،