شهد الفقه الإسلامي عصر ازدهار وتقدم في حياة أئمته الذين قامت مدراسهم في أمصار الأمة الإسلامية بالقرنين الثاني والثالث، الذين اشتهر منهم الأئمة الأربعة وأصحابهم، وكان التأليف في هذه الفترة استنباطا للحكم من أدلته المستمدة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وسائر الأدلة التبعية المختلف فيها، وكان أسلوب الكتابة سهلا ميسرا لا تعقيد فيه، وأبواب الاجتهاد مفتوحة في الاجتهاد المطلق، وطرائق الاستدلال بينة، وقلما توجد التفريعات الفرضية البعيدة الاحتمال، ثم خلف ذلك الرعيل تلاميذ آخرون قصر جهدهم عن الإنتاج المبتكر فسلكوا في التأليف طرقا ملتوية شاقة، بعدت عن الطريقة السهلة التي عرف بها المتقدمون، فاستهواهم الولع بالإيجاز تارة والتطويل أخرى، يجعل القارئ يسير في مسالك متعرجة، يبتديء المؤلف بوضع كتاب موجز، يدعى "متنا" ثم يشرحه تلميذه من بعده، ثم تكون الحواشي والتقريرات والهوامش ويكون بعد هذا اختصار الشروح الكبيرة إلى متوسطة وصغيرة، واختصار المتون كذلك في عبارة مكثفة، أو نظمها شعرا يجمع إلى الركة الإيجاز المخل، ثم يشرح هذا النظم ويخشى ويختصر.