المبحث الأوَّل: الغُسْلُ للوقوفِ بعَرَفة يُستحَبُّ الاغتسالُ للوقوفِ بعَرَفة، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة , 1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، ويومَ النَّحْر، 2- عن نافعٍ أنَّ ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما كان يغتسِلُ لوقوفِه عَشِيَّةَ عَرَفةَ ثانيًا: أنَّه قُربةٌ يجتمِعُ لها الخَلْقُ في موضعٍ واحدٍ؛ فشُرِعَ لها الغُسْلُ؛ وذلك باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية , والشافعية ، والحنابلة الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ: عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما في حديثه الطَّويلِ في صِفَةِ حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فلما كان يومُ التَّرْوِية توجَّهوا إلى مِنًى، فأهلُّوا بالحج، وركِبَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فصلَّى بها الظُّهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ والفَجرَ، ثم مكث قليلًا حتى طلَعَتِ الشَّمسُ، وأمَرَ بقُبَّةٍ مِن شَعْرٍ تُضْرَبُ له بنَمِرةَ، فسار رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا تشكُّ قريشٌ إلَّا أنَّه واقِفٌ عند المشعَرِ الحرامِ، المطلب الأوَّل: حُكْمُ خُطبةِ عَرَفةَ والشَّافعيَّة , فَرُحِلَتْ له، فخطَبَ النَّاسَ، وقال: إنَّ دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم، كحُرمَةِ يومِكم هذا، )) أو خُطبةٌ واحدةٌ؟ اختلف أهلُ العِلْمِ في ذلك على قولينِ: القول الأوّل: أنَّ خُطبةَ عَرَفة خُطبتانِ يُفصَلُ بينهما بجِلْسةٍ خفيفةٍ، وذلك قياسًا على خُطبةِ الجُمعةِ وابنُ عُثيمين الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ: عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما في حديثِه الطَّويلِ في صِفَةِ حَجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((حتى إذا زاغَتِ الشَّمسُ أمَرَ بالقصواءِ، فَرُحِلَتْ له، وقال: إنَّ دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم، )) المبحث الرابع: الجمعُ بين الصَّلاتينِ يومَ عَرَفة يُسَنُّ للحاجِّ الجَمْعُ بين الظُّهرِ والعصرِ بعَرَفةَ تقديمًا في وقتِ الظُّهْرِ. الأدِلَّة أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ 1- فِعْلُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في حديثِ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه: ((ثمَّ أَذَّنَ، ثم أقام فصلَّى الظهرَ، ولم يُصَلِّ بينهما شيئًا )) 2- عن ابنِ شهابٍ، قال: أخبرني سالمٌ، أنَّ الحجَّاجَ بنَ يُوسفَ، عام نزَلَ بابنِ الزُّبَيرِ رَضِيَ اللهُ عنهما، إنَّهم كانوا يَجمعونَ بين الظُّهْرِ والعَصر في السُّنَّة، فقلت لسالمٍ: أفعَلَ ذلك رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال سالمٌ: وهل تتَّبعونَ في ذلك إلَّا سُنَّتَه؟ )) نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ ، وابنُ رُشْدٍ والنوويُّ ، وابنُ دقيق العيد ، اختلف أهلُ العِلْمِ في سَبَبِ الجمعِ بعَرَفة والمُزْدَلِفةِ على ثلاثةِ أقوالٍ: فلا يَجمَعُ مَن كان دونَ مسافَةِ قَصْرٍ، كأهلِ مكَّة، وهذا مذهَبُ الشَّافعيَّة ، والحَنابِلة ، الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ: ثمَّ أقام فصلَّى الظهرَ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا )) وهو وصْفٌ مناسبٌ ومعهودٌ للجَمْعِ، بدليلِ عَدَمِ الجَمْعِ في مِنًى القول الثاني: أنَّ سَبَبَ ذلك النُّسُكُ، فيجوزُ الجَمْعُ للحاجِّ، كأهلِ مكَّة، وهذا مذهَبُ الحَنَفيَّة ، وهو وجهٌ للشافعيَّة ، وقولٌ للحَنابِلة ، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ ، واختارَه الطبريُّ ، وابنُ باز الأدِلَّة: أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ ثم أقامَ فصلَّى الظُّهْرَ، ولم يُصَلِّ بينهما شيئًا . حتى أتى المُزْدَلِفةَ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا )) وَجْهُ الدَّلالةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَمَعَ، ولم يأمُرْهم بتركِ الجَمْعِ، فإنَّا سَفْرٌ)، ولو حَرُمَ الجمعُ لبَيَّنَه لهم، إذ لا يجوزُ تأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ، ولا يُقِرُّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الخطأِ، كما أنَّه لم يُنقَلْ عن أحدٍ مِن أهْلِ مكَّةَ التخلُّفُ عن الصَّلاةِ معه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثانيًا: أنَّ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه مع كَوْنِه أتمَّ الصَّلاةَ؛ لأنَّه اتَّخَذَ أهلًا بمكَّةَ، إلَّا أنَّه لم يترُكِ الجمْعَ ثالثًا: أنَّه قد نَقَلَ الإجماعَ على سُنِّيَّة الجَمْعِ بعَرَفةَ والمُزْدَلِفةِ جماعةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ؛ مِمَّا يدلُّ على أنَّ سَبَبَ الجمعِ النُّسُكُ لا السَّفَرُ. وهو قولُ أبي يوسُفَ، وابنُ عُثيمين وذلك للآتي: وكذلك في سائِرِ سَفَرِ حَجَّتِه، فإنه لو كان للنُّسُكِ لجمَعَ مِن حينِ أحرَمَ وإنْ صَلَّوْا متفرِّقينَ فاتت مصلحةُ كثرَةِ الجَمْعِ، أمَّا في مُزْدَلِفةَ فهم أحوَجُ إلي الجمعِ، ومراعاةِ أحوالِ العِبادِ القولُ الأوَّل: لا يَقْصُرُ المكِّيُّ، والشَّافعيَّة في الأصحِّ ، والحَنابِلة ، وبه قال جمهورُ السَّلَفِ ، واختارَه داودُ الظَّاهريُّ ؛ فيُتِمُّ الصَّلاةَ، ولا يَقصُرُ، وإنَّما يقصُرُ مَن كان سَفَرُه سفرًا تقصُرُ في مِثْلِه الصَّلاة، وهذا مذهَبُ المالِكيَّة ، وقولٌ للشافعيَّة ، وروايةٌ عن أحمَدَ ، وبه قالَتْ طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ ، وابنُ تيميَّة ، والشنقيطيُّ ، وابنُ باز ، وابنُ عُثيمين الأدِلَّة: أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه في صِفِّة حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثمَّ أذَّنَ، ثم أقام فصلَّى الظُّهرَ، ثم أقام فصَلَّى العصرَ، ولم يُصَلِّ بينهما شيئًا . حتى أتى المُزْدَلِفةَ، ولم يُسَبِّحْ بينهما شيئًا )) وَجْهُ الدَّلالةِ: ولم يَثْبُتْ شيءٌ يدلُّ على أنَّهم أتَمُّوا صلاتَهم بعد سلامِه في مِنًى، وسائرُ الأمراء هكذا لا يُصَلُّون إلَّا ركعتينِ، فعُلِمَ أنَّ ذلك سُنَّةُ الموضِعِ فقال: يا أهلَ مكَّة، أتِمُّوا صلاتَكم؛ وَجْهُ الدَّلالةِ: ولم يُرْوَ عنه- رضي الله عنه- أنَّه قال لأهلِ مكَّةَ شيئًا فكيف إذا أتمُّوا الظهرَ أربعًا دون سائرِ المُسلمينَ؟! وأيضًا فإنَّهم إذا أخذوا في إتمامِ الظُّهْرِ- والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد شَرَعَ في العَصْرِ- لكان إمَّا أن ينتظِرَهم فيُطيلَ القيامَ, وإمَّا أن يَفوتَهم معه بعضُ العَصْرِ بل أكثَرُها؛ رابعًا: أنَّ لهم الجَمْعَ، فلَفَّقَ بينها ما يحصُلُ به مسافةُ القَصْرِ سواءٌ كان التحديدُ بالمسافةِ أو بالزَّمَن سادسًا: أنَّها منازِلُ السَّفَرِ، فأقام بمكَّةَ إلى يومِ التَّرْوِيةِ، سابعًا: أنَّ كلَّ ما يُطْلَقُ عليه اسمُ السَّفَرِ لغةً تَقْصُرُ فيه الصَّلاةُ، ثامنًا: أنَّه لو كان سببُ الجمعِ والقَصْرِ النُّسُكَ؛ ولو كان سبَبُه النُّسُكَ، لكانوا إذا أحرَموا في مكَّةَ بحَجٍّ أو عُمْرةٍ جازَ لهم الجمعُ والقَصْرُ والشَّافعيَّة ، والحَنابِلة ، الأدِلَّة: قال: ((إنَّ ابنَ عُمَرَ كان إذا لم يُدْرِكِ الإمامَ يومَ عَرَفةَ جمعَ بينَ الظُّهْرِ والعَصْرِ في مَنْزِلِه )) أن ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما هو أحدُ مَن روى حديثَ جَمْعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الصَّلاتينِ, وكان مع ذلك يجمَعُ وَحْدَه, فدلَّ على أنَّه عرَفَ أنَّ الجمعَ لا يختصُّ بالإمامِ ثانيًا: أنَّ الجمعَ بين الصَّلاتينِ يومَ عَرَفة إنَّما كان للحاجَةِ إلى امتدادِ الوُقوفِ؛ ليتفرَّغوا للدُّعاء؛ لأنَّه موقِفٌ يُقصَد إليه من أطرافِ الأرضِ، فشُرِعَ الجمعُ؛ فيستويانِ في جوازِ الجمعِ تكون الصَّلاةُ بأذانٍ واحدٍ وإقامتينِ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ، والحَنابِلة ، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ: حديثُ جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّاهما بأذانٍ وإقامتينِ, السُّنَّةُ أن يكونَ الأذانُ بعد الخُطبةِ، وقولٌ للمالِكيَّة ، ورُوِيَ عن أبي يوسُفَ ، وابنُ عُثيمين الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ: عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما في حديثِه الطَّويلِ في صِفَةِ حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فأتى بطْنَ الوادِي، فخطَبَ النَّاسَ. ثم أذَّنَ، ثمَّ أقامَ فصَلَّى الظُّهرَ، ثمَّ أقام فصلَّى العصرَ، الأدِلَّة: عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما في حديثِه الطَّويلِ في صِفةِ حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثم أذَّنَ، ثمَّ أقامَ فصَلَّى الظُّهرَ، ثمَّ أقام فصلَّى العصرَ،