وهي الاسم الجاهلي بغداد (۱) ، وتضاربت أقوال كتاب العرب تضارباً كبيراً في أصل هذا الاسم الأخير ومعناه، لأننا نجد بعد ذلك أن بغداد أصبحت أحد المواضع الأربعة التي أطلق عليها المسلمون جنة الأرض، ولها اسم آخر يشوبه الإبهام هو ( الزوراء ( ولعله صيغـة عـربيـة لكلمة إيرانية قديمة أكسبها خضوعها للصور القياسية الشائعة معنى جديداً . وكثيراً ما خلط الرحالة الأوروبيون في القرون الوسطى بين بغداد وبابل كما خلطوا في بعض الأحيان بينها وبين سلوقية وطيسفون . ومن المحقق أنه كانت هناك محلة منذ عهد سحيق في المكان الذي أصبح بعد مقر الخلافة. وليس لدينا حتى اليوم دليل يؤيد الزعم القائل بأن بغداد رسمت في النقوش المسمارية بصيغة بكدادو » لأننا إذا أخذنا بهذا أصبح في مقدورنا أن نقرأ « حددو » بدلا من « كدرو » وهو الاسم المشكوك فيه لمكان ظهر لأول مرة على حجر من معالم الحدود للملك البابلي « مردخ بلادان» الأول الذي حكم من عام ١١٩٤ إلى ۱۱۸۲ ق م زد على هذا أنه ليس من المعقول أن اسماً لا شك في إيرانيته إلى مثل هذا العهد السحيق، ووضعت مدينة « ثلثي » في موقع بغداد بمصور بطلميوس كما أن مدينة ستاكة التي وردت بمصنف أكسينفون كانت مجاورة لموقع بغداد . ويطلق اسم بغداد على مكان آخر فقط في المشرق هو تل بغداد في الجنوب الشرقي من الرها أسفل خط عرض 38 شمالا . وأجمع كتاب العرب على أن المنصور لم يشيد مدينته في إقليم خلو من السكان، بأسماء محلات جاهلية أخذت تندمج تدريجاً في الأماكن التي شملتها العاصمة العباسية فيما بعد. ويجب أن نبحث عن معظم المحلات القديمة التي كان جل سكانها من النصارى الآراميين في النصف الجنوبي الذي أصبح فيما بعد الجانب الغربي للمدينة التي على الضفة الغربية لدجلة ، وفي هذا الإقليم قرى أصلها ساساني نذكر منها ما يلي : بياورى أو بناوری وسال وشروانية ؛ وكانت « براثا » التي على مسافة من الشمال الغربي للكرخ بليدة قائمة بذاتها قبل عهد العباسيين ، وأنشئت عمائر في حديقتين من هذه الحدائق الساسانية فكونتا حيين هما دار عمارة بن حمزة وبستان القس . ولا يوجد من الأماكن التي في شرقي دجلة ما عهده إلى ما قبل العباسيين سوى سوق يرجع الثلاثاء على نهر المعلّى ومحلة المخرم، وليست هناك صلة بين سوق الثلاثاء وثالثا المذكورة في بطلميوس ( جـ ٥ ، لأن ثلثي لاثالثـا هـو الموضـع الذي يتفق وموقع بغداد في مصـور بطلميوس. ويؤكد كتاب العرب أيضاً أن المكان الذي أصبح فيها بعد مقبرة الخيزرانية كان قبل عهد المنصور مقبرة للمجوس. ولا شك في أن معظم أديرة النصارى التي ازدهرت في بغداد إبان العهد الساساني قد شيد في الجاهلية، وأن مكاناً الأمكنة من التي عند ماتقى الصراة بدجلة قد أنشيء لمثل هذا الغرض، لأن هذه المدينة كانت قريبة من حدود الروم كما كان مركزها القاصي ناحية الغرب لا يلائم دولة تمتد أراضيها من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر السند . زد على هذا أن إقليم العراق قدر له أن يكون حلقة الاتصال بين العالم السامي والعالم الإيراني فأصبـح بذلك واسطة العقد بين العنصرين الرئيسيين اللذين تألفت منهما الجماعة الإسلامية. وإنا لنجد أيضاً أن السفاح أول خلفاء بني قد اتخذ مقره على ضفتي الفرات فلم يختر البصرة أو الكوفة ، ولذلك فضل السفاح الهاشمية (انظر هذه المادة بالقرب من الأنبار وشيد خلفه المنصور مقراً له بهذا الاسم على مقربة من الكوفة، ولكنه سرعان ما تخلى عنه لأنه كان مجاوراً للكوفة البغيضة إلى نفسه لتعصبها للعلويين، وكان في هذه البقعة كما سبق أن بينا قرية تعرف ببغداد وعدة محلات صغيرة أخرى. لأن الأرض الخصبة التي تمتد بين دجلة والفرات عند اقتراب أحدهما من الآخر حيث تصل بينهما قنوات صالحة في بعض أجزائها للملاحة فيتألف من هذا كله مجموعة مائية منظمة ، يصب دیالی في دجلة فيكون ممرا طبيعيا يمكن بواسطته الوصول إلى الهضاب الإيرانية المرتفعة ، هذه الأرض كانت على الدوام موطناً للحضارة ومهداً للثقافة الشرقية القديمة ومركزاً للتجارة وملتقى عدة طرق تصل بين مختلف الأمم. وكانت على مسيرة يوم (سبعة فراسخ أو حوالى أربعين كيلومتراً) من طيسفون العاصمة التي سبقتها في الزمن مباشرة. والحق أن امتداد البطائح في المجرى الأسفل للفرات جنوبي بابل وصعوبة الاتصال الملاحي المتزايدة بالخليج الفارسي يفسر لنا لماذا كان موقع العاصمة منذ العهد السلـوقـي يختار دائماً على نهر دجلة .