في تشرين الثاني / نوفمبر 1968 بعث القنصل العام الأمريكي في الظهران بالمملكة العربية السعودية لي دینز مور Lee Dinsmore تقرير سرية إلى واشنطن عن أول لقاء جمعه بالحاكم الشاب الجديد لإمارة أبوظبي سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، وأشار القنصل العام في تقريره إلى أن « . بكل موضوعية رجلا ذا قوة بحسب لها ألف حساب ، غير أن القنصل العام أكد في برقيته الموجزة على جانب معين أكثر من غيره في شخصية الشيخ زايد ، بالنسبة إلى القنصل دینز مور ورؤسائه في وزارة الخارجية الأمريكية فإن وجود شیخ من عرب الصحراء ، تعنيه حياة أعرب الصحراء وأثر البيئة والمجتمع القبلي في تكوين شخصية الشيخ زايد التي بهرت القنصل العام الأمريكي . غير أن سمات لافتة للنظر في شعوب الخليج العربي استرعت انتباهه فكتب يقول : أما إن تلتقي هؤلاء العرب حتى تفهم كيف استطاعوا أن يفتحوا العالم ذات يوم ، قد تشكلت جميعا وإلى حد بعيد نتيجة للظروف الطبيعية والأحداث التي كانت تطرأ من حين إلى آخر . تفتحت عيناه على الحياة ليجد نفسه في أحضان البادية بكل سخائها وثرائها . وخلص المبعوث البريطاني إلى النتيجة نفسها التي توصل إليها دينو مور بعد مضي قرن من بعده ، كما أنه لاحظ للوهلة الأولى عاملين مهمين درجت الأجيال اللاحقة على تجاهلهما ؛ أولهما أنه استقر في وعيه أن الحديث عن العرب بعمومية أو فقد اعتبر بيلي أنه على الرغم من وجود بعض الخصائص المشتركة في المجتمعات العربية ، اكتشف بيلي في العرب الذين التقى بهم قدرتهم على التميز ، أما الذي يجمع الفهم الذي توصل إليه القنصل العام الأمريكي دینز مور وذلك الذي أدركه المبعوث بيلي فهو أنهما تجاوزا في نظرتهما الرؤى النمطية عن " العرب " لينفذا إلى تفهم القوة والقدرات الكامنة فيهم . ويرتبط هذا الجانب على نحو مباشر بأي محاولة لتفهم شخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان . لقد أكسبتهم بيئتهم الصلابة وقوة التحمل والاعتماد على النفس ، مما مكنهم من فتح البلاد الممتدة من شواطئ بحر العرب إلى المحيط الأطلسي ؛ فيما انتشر الإسلام طواعية في مناطق واسعة . مما جعلهم يرون القبائل العربية على غير حقيقتها ، تمنح القوة والتماسك الاجتماعي . وعلى يد الشيخ زايد أثبتت ثقافة القبيلة أنها قابلة للتكيف مع محيطها ومرنة بالقدر الذي يمكنها من التعامل مع التغيرات الجديدة . إن ظروف الحياة التي واجهت بدو الصحراء أ إلى ربط كل جوانب مجتمعهم مسألة الكدح والكفاح من أجل البقاء بشكل لا مثيل له ، بل إن مجرد قدرتهم على العيش وتأمين الحياة لدوابهم في منطقة مجدية تبدو للغرباء عنها خالية من الماء أو الطعام والكلا ، وكما قال ابن خلدون أو ظهر ما يستنفر هم وفي هذه الظروف البيئية القاسية ينمو إحساس الفرد بذاته ، ويتزايد تقدير قيم الحرية والاستقلال الذاتي . غير أن السعي من أجل البقاء قد عودهم في الوقت نفسه أن يتعاونوا ويتكاتفوا ، ويعملوا متحدين في جماعات كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك ، وتقوم روابط الاتحاد على عهود ومواثيق طوعية يحافظ عليها أطرافها ملتزمين بمبدأ الشرف وصدق الكلمة الذي يشكل مقومة أساسية في كل جانب من جوانب ثقافتهم . لقد تشكل مجتمعهم من تفاعل ثلاثة عناصر منفصلة ولكنها متشابكة : أولها طبيعة المكان وهي البيئة الطبيعية التي حددت أبعاد عالمهم ، وثانيها البنية السياسية التي تنتظم من خلالها حياتهم الاجتماعية والمتمثلة في القبيلة والزعامة القبلية ، إذ أسهم كل منها في تكوين شخصية عرب الصحراء " . كما أنها تشكل المرتكزات الكامنة في أعماق شخصية الشيخ زاید . وعلى جانبها الغربي تمتد سلسلة من التلال الصخرية التي يتزايد ارتفاعها حتى يبلغ 4000 متر في المنطقة وتشكل الظفرة وواحة ليوا أراضي قبيلة بني ياس القبيلة التي ينتمي إليها الشيخ زاید . وأمام ساحلهم تقع ثلاث جزر هي أبوظبي وزر کوه بينما اسم هما واحة ليوا التي تقع في و وواحة البريمي ( العين ) عند حافتها الشرقية ، قد هاجروا أولا إلى أطراف شبه الجزيرة | 12 ويتمتع كل فرد من قاطني الصحراء بقدرة فطرية على اكتشاف المواقع التي يمكن أن يعثر فيها على الماء في المنطقة التي يعيش فيها . وتختلف نوعية الماء الذي كان يمكن الحصول عليه اختلافا واسعة ؛ فالمياه العذبة المنسابة من الجبال لم تكن تتوافر إلا في مدينة العين ، أما المياه المتوافرة في جزيرة أبو ظبي فكانت على الدوام مالحة نوعا ما ، وكان توافر الماء في ل على عكس الحال في مدينة العين ، أما على الساحل فقد عاش بعض أفراد بني ياس على صيد الأسماك تارکین قطعان مواشيهم لترعاها القبائل ولقد تميز أهل أبوظبي بهذه الصفات حتى وصفوا بأنهم " ذوو الأنشطة المتعددة . ولابد هنا من أن نتذكر كلمات بيلي الذي يرى أنه اليس هناك نمط واحد للقبيلة في شبه الجزيرة العربية ، فكل قبيلة عربية في الصحراء تكيفت مع الظروف التي واجهتها . وتنقسم القبائل بشكل عام إلى قسمين رئيسيين : أولا ، ينتقلون في أوقات معينة من السنة نحو الساحل ليعيشوا حياة صيد الأسماك والغوص لاستخراج اللؤلؤ .